مقال جمال الشيال – صحفي
يجب أن تُرسل الحركةُ الصاعدةُ الشديدةُ لمحمد بن سلمان، بحيث أصبح على بعد خطوة واحدة من العرش، إشارات تحذيرية إلى واشنطن ولندن بشأن الأمير الذي يقود حروبًا لأجل نزواته.
هكذا تحدّث جمال الشيال، مُحرّر شؤون الشرق الأوسط بقناة الجزيرة الإنجليزية وذو إمكانية وصول كبرى إلى اللاعبين الرئيسين في مجال الطاقة بدول مجلس التعاون الخليجي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عن القرارات الملكية السعودية الجديدة فجر اليوم بعزل ولي العهد السعودي محمد بن نايف وتولية محمد بن سلمان بدلًا منه.
قبل أشهر، حضرتُ تجمّعًا لشخصيات مؤثّرة في استضافة شخصية بارزة من مجتمع الاستخبارات في دولة خليجية، ووصل الوقت منتصف الليل حينما استمرت المناقشة وقتًا، وموضوعها «التطوّرات السياسية في المنطقة»، وتحديدًا الأحداث الظاهرة للعيان في المملكة العربية السعودية.
كانت هناك قصصٌ من الرياض عن تحوّل في خطوط الصدع؛ قُصّت أجنحة ولي العهد الأمير محمد بن نايف وضعُفت سلطاته، في حين أصبح نائبه محمد بن سلمان أكثر تأثيرًا بمرور الأيام.
وفي الوقت نفسه، وزير خارجية المملكة العربية السعودية عادل الجبير موجود في واشنطن آنذاك منذ أكثر من أسبوعين دون تنظيم أيّ لقاءات علنية، ولم يعرف أحدٌ على وجه التحديد ما كان يفعله هناك.
كان من بين الحاضرين رئيس وزراء سابق لدولة أجنبية، سأله الشخص الذي يستضيفنا عن وجهات نظره تجاه التذمّر القادم من الرياض وما يعتقده بشأن تواجد الجبير في الولايات المتحدة؛ فجاء جوابه صادمًا لكثيرين ممن بالغرفة، حتى تشكّك بعضهم فيما قال. لكن، حتى الآن، كل ما قاله تبين أنه صحيح.
توقعات رئيس الوزراء السابق
قال إن الأمير الشاب لديه عزم أكيد أن يصبح ملكًا، وأوجز شروطًا من شأنها إنجاح المؤامرة؛ وهو المخطط الذي أدركه الحكام في دولة الإمارات الذين يئسوا من استعادة موطئ قدم داخل البلاط السعودي بعد أن فقدوها سريعًا فور وفاة الملك عبدالله في 2014.
كان العنصر الرئيس في المؤامرة «الحصول على مباركة الاستخبارات الأميركية والمؤسسات الأمنية». ولكن، للقيام بذلك؛ كان يتعيّن على الإماراتيين وحليفهم الشاب الطموح إقناع الأميركيين بالتخلي عن ولي العهد الأمير محمد بن نايف، المُلقّب بـ«رجل واشنطن المُفضّل».
وقال رئيس الوزراء السابق: «لكي يتخلّى الأميركيون عن محمد بن نايف ويختاروا هذا الأمير الشاب عليه أن يُقدّم لهم شيئًا لم يتمكن أو يجرؤ أحد غيره على تقديمه من قبل».
لم يكن من النوع الخفي؛ حيث شرع في توضيح ذلك قائلًا: «عليه أن يعترف بإسرائيل. إذا فعل ذلك فسوف يدعمه الأميركيون؛ بل ربما يتوّجونه بأنفسهم».
قلتُ: «لا يمكن له أن يريد ذلك، إضافة إلى أن المجتمع السعودي لن يقبل؛ سوف يرون ذلك خيانة»، فردّ رئيس الوزراء السابق قائلًا: «هذا الرجل على استعداد لخيانة والده من أجل التاج».
الارتباط القطري
بالانتقال سريعًا إلى اليوم، تجد لديك الآن تقارير عن علاقات اقتصادية بين الرياض وتل أبيب، وتعليقات من كبار المسؤولين الإسرائيليين يشيدون بأصدقائهم العرب بشكل يوميّ تقريبًا.
وفي الوقت نفسه، حاولت السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتان تحاصران قطر منذ أكثر من أسبوعين، تبرير حصارهما باتّهام الدوحة بدعم حركة المقاومة الفلسطينية «حماس».
الأكثر أهمية من ذلك الأخبارُ التي اندلعت صباح اليوم الأربعاء: مرسوم ملكي يعفي محمد بن نايف من واجباته وليًا للعهد ويعلن الأمير الشاب الطموح محمد بن سلمان، الذي أصبح معروفًا بسرعة، وريثًا للعرش السعودي.
في الأسبوع الماضي، كتبتُ مقالًا يشرح أن جزءًا كبيرًا من أزمة دول مجلس التعاون الخليجي يتعلّق بالصراع من أجل العرش السعودي؛ ويبدو أن تقييمي والتنبؤات التي أبداها رئيس الوزراء السابق في ذلك التجمع أواخر العام الماضي كانا دقيقين.
الأهم من ذلك، ويجب أن يكون مدعاة للقلق؛ لأنه يبدو أن هوس محمد بن سلمان بأن يصبح ملكًا، وأيضًا التدخّل الصارم لدولة الإمارات العربية المتحدة في السياسة الداخلية للدول الأخرى، يمكن أن يقود الخليج إلى الاضطراب.
دقّات أجراس الإنذار
دائمًا ما كان التغيير السياسي في المملكة السعودية تدريجيًا، هذا أحد الأسباب التي جعلت المملكة تحافظ على استقرارها؛ وهو بدوره مصدر ثبات في المنطقة.
هذا الدفع الشديد لإجبار التغيير أن يحدث يمكن أن يزعج بشكل مؤثر توازن القوى في المملكة؛ ولهذا يجب أن تُدقّ أجراس الإنذار بصوتٍ عالٍ وواضح في واشنطن ولندن.
وأثبت محمد بن سلمان بالفعل طبيعته الغريبة في حربه غير المدروسة في اليمن، التي قتلت الآلاف من الناس، ناهيك عن مئات الملايين من الدولارات التي تكلّفها الاقتصاد السعودي.
كما أوضح شيوخ أبوظبي ودبي أنهم يضعون مصالحهم الشخصية فوق الحرية والسلام والاستقرار في الشرق الأوسط، فمن الانقلاب في مصر إلى الحرب الأهلية الجارية في ليبيا؛ فالسياسة الخارجية الإماراتية لم تفعل سوى مجرد زرع الفتنة والصراع في المنطقة؛ وإذا ما استمرت من دون مراجعة فالعواقب قد تكون أسوأ بكثير.
الآن، محمد بن سلمان على بعد خطوة من كرسي العرش، وستتمنى الولايات المتحدة وبريطانيا -أقرب حلفاء المملكة العربية السعودية- أن يبليا بلاءً حسنًا في محاولة كبح حماسة الأمير قبل أن يصبح ملكًا؛ وإلا فقد يواجهان ملكًا يخوض حربًا من أجل نزواته ولا يفهم إلا القليل في أسلوب الدبلوماسية الدولية.
السؤال هو: هل سيكون هناك ما يكفي من الوقت للتعامل بصواب مع محمد بن سلمان وإنقاذ منطقة الخليج من الفوضى المحتملة؟ أم سنسمع أخبار «الموت المفاجئ» للملك سلمان في الأسابيع المقبلة؟