متى يتنازل ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز (82 عاما)، عن العرش لنجله محمد؟ هذا واحدٌ من أسئلةٍ ذاعت أمس، بعد تجريد الملك ابن شقيقه، الأمير محمد بن نايف، من ولاية العهد ونيابة رئاسة الوزراء ووزارة الداخلية، وترسيم الأمير الذي تراكم نفوذُه كثيرا في المملكة في العامين الماضيين، محمد بن سلمان (31 عاما)، وليا للعهد وإبقاء وزارة الدفاع معه، في أمرٍ ملكي (بموافقة 31 من بين 34 من أعضاء هيئة البيعة!)، تبعه تعديلٌ في نظام الحكم يمنع الملك المقبل، ولي العهد الجديد، من تولية أيٍّ من أبنائه ولاية العهد، فلا يصير ملكا.
وفي الوسع التعقيب هنا، بلا تحرّز، أن هذا نص قابلٌ لتعديلٍ تالٍ، عندما تترتب أمورٌ وأمور، وحكاية خلع رجل الأمن الذي كان قويا، محمد بن نايف، من ولاية العهد، كما سابقتُها بصدد مقرن بن عبد العزيز، في إبريل/ نيسان 2015، من شواهد غير قليلةٍ تؤكّد المؤكّد، إذا ما أوجبت الحاجة ذلك.
وفي الوسع التعقيب، أيضا، على ما وقع في المملكة فجر أمس، بأنه الجنوح الأشدّ وضوحا لدى صانع القرار في القصر الملكي نحو المغامرة والصدمة، في كل شيء ربما. أما التوازناتُ داخل الأسرة المالكة، والتي جاء منح أبناءٍ كثيرين في الأسرة مواقع وزارية ودبلوماسية واستشارية للحفاظ عليها، فإن من غير المحسوم أن تبقى على إيقاعها الساكن الراهن، ولا شيء يؤكد أن المملكة ستظل في منجاةٍ من أي مفاجآتٍ أو مؤثراتٍ، أو ما لا نعرف مما قد يصيب مفصلا هنا أو هناك في بنية النظام، ومسالك اتخاذ القرار فيه. وهذا قرار إعادة جميع البدلات والمزايا المالية لموظفي الدولة المدنيين والعسكريين التي كان قد تم تعديلها أو إيقافها إلى ما كانت عليه، يؤشّر إلى أن ثمّة “حدسا” في موضعٍ غير منظور ربما، في هرم السلطة، بوجوب أن تلازم عمليات الجراحة، في قاع الليل غالبا، أدويةٌ للتهدئة ودفع وجع الرأس.
كان الكلام وفيرا، لمّا استلم الملك سلمان العرش، في يناير/ كانون الثاني 2015، وتاليا مع إصداره حزما متتالية من القرارات، في غير شأن، أن أنفاسا من “التحديث” ستسري في بدن السلطة، وأن شيئا من تثويرٍ سيحدُث في إيقاع الأداء العام في الدولة، وأن زعامةً سعوديةً في المشهد العربي ربما تلملم ما أمكن لملمته من شظايا الراهن العربي التعيس. ولكن، بصراحة وأسى، لم يأت حساب السرايا كما حساب القرايا، وبدا أن الرهان على المغامرة (وبعض الطيش) هو الأوضح في بناء التحالفات الخارجية وصناعة الخصومات. وهذا رمي الإبل القطرية هائمة في هجير الصحراء، معطوفاً على ترك الحليف الأوثق، سعد الحريري، مكشوفا في احتضار شركته “سعودي أوجيه” من دون إسعافٍ ماليٍّ مقدور عليه، مضافا إليهما ترك محمد بن زايد في أبوظبي يلعب في اليمن، باتجاه انفصال الجنوب، هذه الوقائع التي عنّت هنا عفو الخاطر هي من بين دلائل غير قليلةٍ على اضطرابٍ غير هيّن يحدث في العقل السياسي الحاكم في الرياض، وأنه غير ذي أهميةٍ ما خلعته بعض صحافاتنا العربية على محمد بن سلمان أنه رجل التجديد القوي، فيما نعتُ “الإندبندنت” له، قبل نحو عام، “ساذجا مغرورا”، أدْعى إلى الأخذ بجدية، ولا سيما أن الصحيفة البريطانية سوّغت قولتها بأن الرجل يقامر بسياساتٍ اندفاعيةٍ وتدخلاتٍ تزعزع استقرار العالم العربي. والظن هنا أن الإجابة ميسورةٌ على سؤال “لوموند” الفرنسية ما إذا كان محمد بن سلمان حداثيا وإصلاحيا أم أنه سياسي مقامر.
كان الاجتهاد أن مقدارا من تغليب مصلحة المملكة، ومن الرشد، قد جرى الأخذ به، مع تخفّف الرياض من تلك الحرب غير المفهومة على “الإخوان المسلمين”، ومع تأطير العلاقة مع نظام عبد الفتاح السيسي، وتحسين التواصل والتعاون مع الدوحة، غير أن قوة شدٍّ خارجية في أبوظبي نجحت في أخذ الجناح الأكثر نفوذا في الرياض إلى ما صرنا نشهد ونرى من نقصان التعقل في القرار السياسي السعودي، كما تأكد في الاستهداف الجاري لدولة قطر وقيادتها وشعبها، بجنونٍ لم يكن متوقعا في أي يوم. وهذا عبد الفتاح السيسي في مصر مأزومٌ بسبب توريط الرياض له في قصة “تيران وصنافير”، وهذا هو العالم العربي في لحظةٍ بالغة الحساسية، يعود بعض أسبابها إلى مزاجيةٍ حادثةٍ في المملكة.