يُنظر إلى «محمد بن سلمان» على أنه مُصْلِحٌ شابٌ طال انتظاره، يهزّ المجتمع الأكثر استبدادًا في العالم، أو بوصفه متهورًا مفتقد الخبرة يمكن أن يؤدي صعوده السريع إلى تقويض استقرار المملكة الغنية بالطاقة. في كلتي الحالتين، يقف الأمير البالغ من العمر 31 عامًا اليوم على أبواب حكم المملكة؛ ربما لمدة أكثر من نصف قرن بعد هزّة مفاجئة في العائلة المالكة، وفقًا لـ«روبن رايت»، المتخصص في عالم السياسة الشرق أوسطية.
وأطاح الملك سلمان، البالغ من العمر 81 عامًا، بابن أخيه البالغ من العمر 57 عامًا الذي سحق خلايا «القاعدة» في المملكة لصالح ابنه السابع والمفضل الأمير «محمد».
وفي مرسوم ملكي، تجاوز الملك إخوته الأحياء ومئات من أمراء الجيل الثاني الذين يتطلعون إلى المُلك؛ وحتى أبناءه الأكبر سنًّا. يعد الأمير «محمد» أصغر وريث واضحًا في التاريخ السعودي على مدى عقود. في بلد يحكمه الرجال الذين نشؤوا دون مكيفات هواء أو اتصالات هاتفية، فولي العهد اليوم نشأ على ألعاب الفيديو ويحمل «الآيفون» ويتحدث عن إعجابه بـ«ستيف جوبز».
تحديات مطروحة
الجميع سعداء بذلك؟ بالطبع لا، فلعبة العروش السعودية جاءت في وقت مضطرب تتورّط فيه المملكة في حرب مفتوحة ومُكلّفة في اليمن، وأجبرها انخفاض أسعار النفط على حرق أكثر من مائة مليار دولار من احتياطاتها الأجنبية، وأيضًا في خضمّ تحوّلٍ مجتمعيٍّ مشوبٍ بالتوتر، في بلد 60% من سكانه تحت سن الثلاثين، ومعظم طلاب الجامعات فيه من الإناث. ومع كل مظاهر الثراء في البلد، يبقى ثلث الشباب عاطلين عن العمل؛ في حين لم تُمنح المرأة بعد حق قيادة السيارة.
السؤال الكبير هو: لماذا اُتُّخذ هذا القرار الآن؟ وهل كانت زيارة الرئيس «ترامب» الشهر الماضي، التي نظمها الأمير «محمد»، نقطة التحول؟ هل كان القرار متأثّرًا بعمر الملك الذي يقال إنه يعاني من الخرف؟ هل كان ذلك مدفوعًا بالحاجة إلى استيضاح مستقبل المملكة في الوقت الذي يواجه فيه الشرق الأوسط تحديات وجيهة لدوله وحدوده والملايين من سكانه؟ هل كان هناك دور لأم الأمير «محمد» المؤثّرة، زوجة الملك الثالثة؟ ربما كان كل ما سبق.
وقال «علي الشهابي»، المدير التنفيذي لمؤسسة أرابيا في واشنطن: «ربما شعر الملك، مع كل التحديات المطروحة على الطاولة، أن مسألة القيادة والخلافة صارت أمرًا بالغ الأهمية». وأضاف: «بعد أن قادها رجال مُسنّون على مدى الخمسين عامًا الماضية، تحتاج المملكة العربية السعودية إلى أن يقودها شابٌ أصغرُ منفتحٌ على أفكار جديدة وعلى استعداد لتحمّل المخاطر».
لا نتائج حقيقية
وكان ولي العهد الجديد مجهولًا تمامًا قبل أن يصل والده إلى العرش في يناير عام 2015. وكان ثلاثة من إخوته الأكبر سنًا (من زوجة الملك الأولى) أكثر شهرة وإنجازًا. فالأكبر أوّل رائد فضاء عربي يطير على متن مكوك فضائي عام 1985، والثاني نائب وزير النفط في البلاد، والآخر عالم سياسي درس في أكسفورد. على النقيض، فإن «محمد بن سلمان» تلقى تعليمه في المملكة وكان مجرد مستشار لأبيه.
حدث التحوّل بين عشية وضحاها. وبعد صعود الملك «سلمان»، عيّن الأمير «محمد»، الذي كان لا يزال في العشرينيات من عمره، ليكون صانع القرار الأول في البلاد في مجالات الدفاع والنفط والتنمية الاقتصادية، مع سيطرة كاملة على الديوان الملكي وجدول أعمال الملك. أصبح الأمير الشاب أصغر وزير دفاع في تاريخ البلاد وأصغر حامل لهذا المنصب في العالم؛ مع كونه لا يحمل أيّ خبرة عسكرية. كما اختير لرئاسة مجلس جديد للشؤون الاقتصادية والإنمائية ورئاسة مجلس أعلى جديد لشركة أرامكو السعودية، وهي الهيئة التي تشرف على أكبر شركة منتجة للنفط في العالم. ويوفر المنصب الأخير وحده نفوذًا يتجاوز الحدود السعودية؛ حيث تضخ شركة أرامكو نحو عشرة ملايين برميل من النفط يوميًا، أو نحو واحد من كل تسعة براميل تُستهلك يوميًا في جميع أنحاء العالم، وفقًا لما ذكرته صحيفة «فاينانشيال تايمز».
وأثبت ولي العهد الجديد أنه جريء. ووضع رؤية 2030، وهي خطة لإصلاح الاقتصاد السعودي الذي يركز على النفط وتنويعه؛ تشمل خطة لبيع أسهم في شركة أرامكو، المملوكة للدولة، من أجل جلب الأموال لتطوير القطاع غير النفطي. وقال الأمير لصحيفة إيكونوميست إنه يتبنى «ثورة خصخصة تاتشرية» تشمل مجالات الرعاية الصحية والتعليم، وصناعات مملوكة للدولة.
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، رسم الأمير الشاب مسارًا عدائيًا في شرق أوسط متقلّب بالفعل. وكان الأمير الصوت المهيمن في إقناع الملك للذهاب إلى الحرب في اليمن عام 2015. كما اتّخذ موقفًا أشد ضد إيران؛ حيث اتهمها بأنها تسعى الى السيطرة على الأماكن المقدسة الإسلامية في مكة والمدينة، ملوّحًا بنقل المعركة إلى داخل إيران. وهو الذي يقف بشكل رئيس وراء الأزمة الأخيرة مع قطر.
ربما تكون لدى الأمير دائرة داخلية تدعمه، وفقًا لـ«والتر كوتلر»، سفير أميركي سابق في المملكة العربية السعودية، ويضيف: «يبدو لي أن وجود شاب صغير بدلًا من ملك قديم سيكون أمرًا له شعبية». وقدّم «بن سلمان» أشكالًا جديدة من الترفيه؛ بما يشمل الحفلات ومدن الملاهي. يقول «بروس ريدل» إن «الحشود الثلاثينية في البلاد ضجّت بالملل وتبحث عن شيء يقومون به. ويؤكد: «لديهم أموالٌ أقلّ في جيوبهم؛ لذلك لا يمكنهم الذهاب إلى لندن أو دبي لفترة أطول».
وبالنسبة إلى جميع الأفكار الكبرى التي قدّمها ولي العهد، فإنها لم تُخرج حتى الآن سوى القليل من النتائج الكبرى. يضيف «بروس»: «كانت حربه في اليمن كارثية على بلاده، وثبت أن حكمه كان متهوّرًا في قطر. ولا تزال «رؤية 2030» قيد العمل؛ إلا أنها لم تُفرز بعد أي نتائج حقيقية».
ويؤكد «بروس»: «في مرحلة ما سوف يتساءل رجال الدين والعائلة المالكة عما إذا كان هذا الشاب يستحق الحصول على هذا المنصب».
في غضون ساعات، اصطفت المؤسسة السعودية لاحتضان التغيير القيادي. وقد تعهّد ولي العهد المُبعد «محمد بن نايف»، الذي جُرّد من منصبه وزيرًا للداخلية، بالولاء لولي العهد الجديد. وصوتت هيئة البيعة أيضًا بالموافقة؛ باستثناء ثلاثة أشخاص لم تُحدّد هويتهم.
يقف «ترامب» أيضًا في صف ولي العهد الجديد، واتّصل بالأمير «محمد بن سلمان» في غضون ساعات من تعيينه. وقال البيت الأبيض إنه «تعهّد بالتعاون الوثيق من أجل تحقيق أهدافنا المشتركة المتعلقة بالأمن والاستقرار والازدهار في الشرق الأوسط وخارجه».