أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في افتتاحيةٍ لهيئة تحريرها بأن إسكات شبكة الجزيرة الإعلامية كان على رأس أولويات دول الحصار على قطر، وذكرت أن هذه الدول تهاجم «الجزيرة» في محاولة إقصاء صوتٍ قد يدفع المواطنين إلى مُساءلة حكامهم.
يُحاول التقرير تسليط الضوء على الأسباب التي جعلت دولًا بكل مُقدّراتها تخشى شبكة تلفزيونية، بل وتطالب بإغلاقها، وتفشل في مضاهاتها على المستويين الفني والحيادي، وكذلك الأسباب التي جعلت للإعلام وللجزيرة خاصة هذه السلطة التي أزعجت عروشًا تحكم شعوبًا من ملايين البشر للدرجة التي استدعت أن تضع الدول المحاصِرة مطلب إغلاق قناة «الجزيرة» ضمن 13 مطلبًا لرفع حصارها عن الدوحة.
الثورة الفكرية والمهنية
في هذا الصدد، اتّفق الإعلامي والمحلل السياسي التونسي كمال الشارني مع ما قالته صحيفة نيويورك تايمز بأنّ إسكات شبكة «الجزيرة» كان على رأس أولويات دول الحصار على قطر، وقال إن «الجزيرة» عانت منذ ظهورها من رفض رسمي، وكانت على رأس قائمة أهداف كثيرة من الحكومات العربية التي أغلقت مكاتبها وأوقفت مراسليها عن العمل.
وقال، في تصريحات تلفزيونية، إن «الجزيرة» كانت شكلًا من أشكال الثورة على المنظومة القديمة للإعلام العربي الرسمي، وجاءت لإظهار مفهوم الحرفية والموضوعية في الإعلام العربي، وليس بالضرورة الحياد، و«مثّلت في وقت من الأوقات ناظم الثورة الفكرية، التي هي أصعب من الثورة الاجتماعية والربيع العربي؛ ولذلك نظرت إليها معظم الحكومات العربية بريبة وحاربها البعض علنًا كما رأينا في مصر، وفي تونس أيام زين العابدين بن علي».
أزمة حريات
وأوضح المحلل التونسي أن هؤلاء لا يستهدفون «الجزيرة» كوسيلة إعلام فقط؛ بل كطريقة تفكير وفضاء موضوعي للتفكير ومجال حر في العمل الصحفي، لأن العالم العربي ما زال يعيش أزمة حكم وأزمة حريات، وكل من يمسك زمام الحكم لا يغادره إلا ميتًا.
وعزا استمرار تعلّق المشاهدين بـ«الجزيرة» إلى الحرفية العالية والموضوعية المهنية التي تستجيب إلى حاجة المشاهد إلى معرفة الحقيقة وسماع الرأي والرأي الآخر، معتبرًا أن منع الجزيرة من العمل «ضدّ التاريخ ومساره»، وأيّ مؤسسة إعلامية تلتزم الموضوعية لا يمكن مقاومتها بالمنع والإغلاق والشيطنة، قائلًا إن من يحاول ذلك هم الحكام المستبدون.
قوة «الجزيرة» والقلق البالغ
من جهته، قال رئيس مجلس إدارة المعهد الدولي للصحافة بنيويورك «جون ييروود» إنه لم يرَ من قبل اجتماع دول لإغلاق قناة تلفزيونية؛ وهذا يُشكّل مبعث قلق بالغًا للمعهد الدولي للصحافة الذي يترأسه.
وأضاف، في تصريحات تلفزيونية، أن ما تقوم به السعودية والإمارات ضد قطر ليس هجمة ضد «الجزيرة» فحسب؛ وإنما ضدّ حرية الإعلام والمعلومة، مطالبهما وشركاءهما بإنهاء الحصار على قطر و«الجزيرة».
وقال إن ما نراه اليوم ليس هجومًا على بلد فقط؛ وإنما على شعوب المنطقة التي تشاهد شاشة «الجزيرة»، معتبرًا أنه لا أحد من مصادر الإعلام الأخرى له قدرة مثل الجزيرة في الوصول إلى الجماهير؛ فـ«العالم كله يشاهد الجزيرة ولها تأثير عظيم فيه».
فرصة أخيرة
وأضاف «جون» أنه ليس هناك ما يضاهي قوة «الجزيرة» في أيّ من بلدان المنطقة؛ ولذلك فإن قادة بالمنطقة يحاولون منذ إنشائها قبل نحو عقدين إسكات صوتها، ويرون ما يحدث الآن من حصار لقطر فرصة أخيرة لهم للقضاء عليها.
وأكّد أن «الجزيرة» تثير قلق كثيرين من زعماء المنطقة ومخاوفهم لأنها عندما تصل بلدانهم لا يستطيعون مضاهاتها، لا في تقاريرها ولا في تغطياتها؛ وبالتالي يخشون مساءلة شعوبهم؛ ولذلك يريدون إطفاء نورها، مطالبًا دول الحصار بالكفّ عما يقومون به والسماح لـ«الجزيرة» بالبثّ من بلدانهم.