شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

هل أصبح السيسي في مأمن من غضبة الشعب المصري؟

هل أصبح السيسي في مأمن من غضبة الشعب المصري؟
«فاستخفّ قومه فأطاعوه»، هكذا يرى البعض واقع الشعب المصري وطبيعة علاقته بحاكمه عبدالفتاح السيسي، الذي استطاع بقدر ليس ضئيلًا من الخداع والاستغلال أن يقنع جماهيره بأنه «ما يريهم إلا ما يرى» ولا حلول في الأفق سوى الانصياع إلى

«فاستخفّ قومه فأطاعوه»، هكذا يرى البعض واقع الشعب المصري وطبيعة علاقته بحاكمه عبدالفتاح السيسي، الذي استطاع بقدر ليس ضئيلًا من الخداع والاستغلال أن يقنع جماهيره بأنه «ما يريهم إلا ما يرى» ولا حلول في الأفق سوى الانصياع إلى رؤية المؤسسة العسكرية بالإطاحة بكل ما تمخّضت عنه ثورة الخامس والعشرين من يناير من مكتسبات.

فوضع قطاعٌ عريضٌ من الشعب المصري مصيره، وربما مصير أجيال قادمة، رهن رؤية عسكرية تجعل الأمن مقابل الطاعة، وتخدم أجندات يراها البعض ممثلة لمعكسر الأعداء. طلب السيسي من الشعب أن يفوّضه لمحاربة «الإرهاب المحتمل» فقال الناس سمعًا وطاعة، ثم طلب منهم أن يشاركوا قوات الأمن في مواجهة هذا الإرهاب فتقاتل الناس في الشوارع وأبلغ الجار قوات الأمن عن جاره، وكذلك الأقارب عن بعضهم بعضًا.

ووعد السيسي شعبه بالرخاء فأخلف معظم وعوده، ولما وجد الشعب قابلًا كل هذا قرّر أن يضع يده في جيوب أبنائه ليخرج أموالهم رغمًا عنهم؛ فسوّق لهم الاستثمار في قناة السويس الجديدة، التي رآها المصريون «عِجلًا من ذهب» ولم ينتبهوا إلى أن رئيسهم سيكون «سامريًا جديدًا» يخادعهم بخوار من هواء.

ثم سعى السيسي، مُسقطًا كل اعتبار للشعب، نحو تنفيذ «روشتة صندوق النقد الدولي» الذي طلب منه أن يرفع كل عون من الدولة إلى المواطن؛ ليضمن قدرة الرجل على سداد قرض يبلغ 12 مليار دولار على ثلاث سنوات، دون النظر إلى تبعات هذا الإجراء ودون إيجاد تسهيلات للمواطنين تعوّضهم عما سيواجهونه إثر تنفيذ متطلبات الصندوق. وأخذ الشعب يومًا بعد الآخر يشعر بنار الغلاء تكوي الجباه والجيوب وتعطّل المسير نحو عيش كريم لطالما حلم به المصريون منذ إسقاط النظام الملكي مع بداية خمسينيات القرن الماضي.

ومع تثبيت انقلاب يوليو في مصر قبضته الأمنية وروافدها في ربوع البلاد كافة، وإنشاء مزيد من السجون ومعسكرات الاعتقال، وإطلاق يد القضاء نحو كل معارض سياسي بأحكام ما بين السجن والإعدام، إضافة إلى التصفية الجسدية بحجة تبادل إطلاق النار؛ أوى الناسُ إلى مساكنهم وآثروا السلامة الجسدية لهم ولأبنائهم.

فهل اطمأنّ السيسي لإعراض الشعب عن المشاركة في أيّ عمل عام، سواء بالتظاهر أو الوقفات الاحتجاجية أو الإضراب أو العصيان المدني؟ وهل أصبح الخوف وإيثار السلامة مبدأ عند الشعب المصري؛ خاصة في ظل قانون للطوارئ يدفع بالجميع نحو السجون حال الاعتراض؟

ولماذا أمن السيسي لهذه الدرجة التي تجعله يوافق على زيادة أسعار السلع الأساسية ورفع الدعم عن احتياجات الناس رغم رفض من سبقوه في حكم مصر؟

أسباب عديدة

في هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي ونقيب الصحفيين السابق يوسف الولي أن هناك حواجز احتمى بها السيسي ليحُول بين نظامه وأيّ اعتراض من الشعب؛ أوّلها القمع الأمني غير المسبوق، الذي تمثّل في قوات الداخلية التي أطلقها لمهاجمة كل من يفكر في الاعتراض؛ بحجة الإرهاب والحفاظ على الأمن القومي، تساعدها في ذلك قوات من الجيش كتبت على مدرعاتها في الشوارع «قوات حماية الشعب».

وتابع: أما الحاجز الثاني فكان القوانين التي سنّها نظام السيسي لمواجهة المعارضة السياسية؛ على رأسها قانون التظاهر الذي أدخل على أساسه مئات -بل آلاف- المصريين إلى السجون ورفَضَ تعديله أو إلغاءه فيما بعد.

وكان الحاجز الثالث «غسيل المخ» الذي أجراه السيسي للشعب بأنه ليست هناك حلول أخرى سوى ما يفعله وألا يسمعوا لأحد غيره، وسوّق نفسه لدى الشعب بأنه رجل الأمن الذي يدرك جيدًا ما تتطلبه الدولة في هذه المرحلة، إضافة إلى الأبواق الإعلامية التي نجحت في إقناع قطاعات واسعة من الشعب بأن السيسي «الرئيس» الضروري الذي لا غنى عنه في هذه المرحلة؛ وبالتالي فإن معارضته تضر بالأمن القومي المصري.

دلائل للتخبط والفشل

وقال ممدوح الولي في تصريحات خاصة لـ«رصد»: أكبر دليل على أن الشعب لم يعد يمثّل فارقًا عند السيسي أن الإجراءات المصيرية التي أقرّ الدستور بوجوب استفتاء مجلس النواب عليها أصبح السيسي يتخذها قبل أن يحيلها إلى البرلمان؛ مثال على ذلك رفع الدعم الأخير عن الوقود، الذي كان من الطبيعي أن يطرحه بعد مناقشة الموازنة للعام المالي الجديد؛ وهو ما لم يحدث بعد، وعلى ذلك قضايا أخرى اتخذ حيالها قرارات ثم أحالها إلى البرلمان فيما بعد، في إشارة إلى التخبط والفشل، دون الاعتبار بالشعب أو رأيه؛ خاصة في ظل اطمئنانه إلى أن البرلمان سيحقق له ما يريد.

وعلى المستوى الاقتصادي، يرى الولي أن لجوء السيسي إلى صندوق النقد الدولي وإصراره على المضي قدمًا في الحصول على قرض منه انطوى أيضًا على أنه يرى أن رؤيته هي الصواب على الإطلاق دون غيرها؛ بدليل أن جهات عديدة وقوى سياسية قدمت له خططًا وبدائل اقتصادية تغنيه عن صندوق النقد؛ إلا أنه لم يعِرها أيّ اهتمام، وأصرّ على مسار صندوق النقد لأهداف سياسية أكثر منها اقتصادية؛ على رأسها الحصول على اعتراف وشرعية سياسية، إضافة إلى تزكية الصندوق له في الأسواق الغربية والدولية في حال طَلَبَ قروضًا أخرى.

درس 25 يناير

من جانبه، يقول الأكاديمي بالجامعة الأسترالية بالكويت عمرو عبدالرحمن إن السيسي أدرك درس الخامس والعشرين من يناير جيدًا ورأى أن الحشد الجماهيري كان الوسيلة الفعالة في يد الشعب، فقرّر أن يجهضها ويقضي عليها بشكل نهائي؛ فنجح في تأجيج الخلاف بين القطاعات المثقفة ممن آمنوا بالثورة، ثم أنشأ قانون التظاهر وأقنع أنصاره أن الحشد الجماهيري سيضر بالبلاد، وفتح السجون على مصاريعها، وأوهم الناس أن المرحلة تتطلب السمع والطاعة دون اعتراض.

ويتابع: من هنا أصبح السيسي مطمئنًا؛ لأن الحشد الجماهيري كان وسيلة الشعب الوحيدة وبَتَرَها. ولفت إلى أنّ قطاعًا واسعًا من الشعب بدأ يدرك هذه اللعبة؛ إلا أنه وجد الأوان قد فات، فأصبحت دعوات التصالح ومعاودة الحشد مرة أخرى في مهب الريح بعد أن زرع السيسي ونظامه الخوف في قلوب الجميع؛ خاصة مع توظيفه للأحداث في المنطقة المحيطة في اتجاه أن الواقع المصري أفضل من غيره من البلدان مثل سوريا والعراق وليبيا.

حلول وبدائل

أما الناشط السياسي أحمد غانم، عضو جبهة «طريق الثورة»، فيرى أن إغلاق مسار التظاهر في وجه المحتجين ليس آخر المطاف؛ فأمام الشعب وسائل أخرى، ويرى أن النشطاء والمهتمين بالشأن السياسي يقع على عاتقهم دور كبير في توعية الشعب بخطورة سياسة النظام الانقلابي في مصر، وعلى عاتقهم مسؤولية أيضًا في إيجاد وسائل جديدة لمعارصة النظام وألا يستسلموا للبطش والقمع المُتَّبَعين.

ولفت إلى أن هناك وسائل إبداعية في مواجهة النظام ظهرت بالفعل بين عامي 2013 و2014، وأبدى تعجبه من اختفائها؛ كانت منها فعاليات التوعية السريعة في وسائل المواصلات (التي تحتاج إلى بعض من التأمين)، إضافة إلى الملصقات والأعمال الفنية البسيطة التي يمكن نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023