كشف الكاتب الصحفي «دافيد دي كيركباتريك» في مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية عن وجود علاقة بين موظف قناة الجزيرة السابق «محمد فهمي» والسفير الإماراتي بواشنطن يوسف العتيبة؛ حيث حرّض السفيرُ الموظف بإقامة دعوى قضائية ضد قناة «الجزيرة» مقابل مبلغ ربع مليون دولار لتغطية مصاريف الدعوى.
وإلى نص المقال، الذي ترجمه «عربي21»:
كان الصحفي محمد فهمي يعمل في القاهرة مع قناة الجزيرة عندما ألقت به السلطات المصرية في السجن لما يزيد عن عام متهمة إياه بإثارة القلاقل بوصفه عميلاً لحكومة قطر التي تملك القناة.
والآن، وبعد أقل من عامين على إطلاق سراحه، ها هو يرفع قضية يطالب فيها بتعويض يزيد عن مائة مليون دولار. إلا أن المستهدف من القضية ليس مصر وإنما أرباب عمله السابقون: قناة الجزيرة ودولة قطر.
وفي حملة رصد ومراقبة واختراق للكومبيوتر من قبل هاكرز ضد السيد فهمي، تأتي في مصلحة قطر، تم الكشف عن أن مسؤولاً كبيراً في الإمارات العربية المتحدة قام فيما بعد بتوفير 250 ألف دولار للمساعدة في دفع تكاليف الدعوى القضائية.
ما يقف وراء هذه الأحداث الغريبة الملتوية والمتعرجة هو الخلاف الذي يعصف بالعائلة الخليجية ويضع قطر في مواجهة مع دولة الإمارات العربية المتحدة وعملائها في المنطقة، بمن فيهم مصر.
لم يعد السيد فهمي مراقباً غير منحاز في هذا النزاع، بل أصبح بيدقاً يستغل ويساء استخدامه من قبل الجانبين.
انفجر التنافس الخليجي الداخلي وطفا على السطح في الشهر الماضي عندما بادرت دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر بقطع كافة روابطها التجارية والدبلوماسية وخطوط الاتصال مع قطر، متهمة إياها باستخدام قناة الجزيرة لبث وتمويل ودعم التطرف الإسلامي وللتدخل في شؤون جيرانها.
رفضت قطر هذه المزاعم وقالت إن شؤونها الداخلية باتت مستهدفة من قبل التدخل السعودي والإماراتي.
فما كان من السيد فهمي، البالغ من العمر ثلاثة وأربعين عاماً، إلا أن انضم بشغف إلى المعركة، فنظم مؤخراً مؤتمراً صحفياً في واشنطن ليضم صوته إلى أصوات السعودية والإمارات متهماً دولة قطر وقناة الجزيرة بالتآمر مع المتطرفين الإسلاميين. وقال مشيداً بالحصار الذي فرضته السعودية والإمارات: «لقد منحت قطر فرصاً كثيرة جداً، ولقد حذروا مراراً وتكراراً».
وعندما سئل في المؤتمر الصحفي ما إذا كان قد تشاور مع المسؤولين السعوديين أو الإماراتيين، أو ما إذا كانت لديه علاقات وثيقة بسفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، قال السيد فهمي، مضللا (كذبا): «إجابة مباشرة على سؤالك: لا». (قال السيد فهمي هذا الأسبوع الأخير إنما كان يحمي صديقاً).
والسيد فهمي مصري كندي يعيش الآن في فانكوفر، بمقاطعة بريتيش كولومبيا. وكان قد أقر في مكالمة هاتفية مؤخراً بأنه تلقى ما يوصف بأنه «قرض» من السيد العتيبة لتمويل إجرائه القانوني ضد قطر. فقد جمعته صداقة بالسفير منذ كانا طلاباً في المدرسة في مصر يترددان على الكلية الأمريكية في القاهرة، وكان واحداً من عدة أشخاص طلب منهم دعماً مالياً، كما يقول السيد فهمي.
وأصر على أن المال المخصص للقضية حول إلى طرف ثالث، رفض السيد فهمي الإفصاح عن اسمه، وقال: «لم أتلق فلساً واحداً من يوسف».
ولكنه نفى كثيراً من المزاعم الأخرى التي أثارها المحققون الذين قاموا بعملية الرصد والمراقبة ضده، ووصف ما خلصوا إليه في تقريرهم بأنه «سخيف»، وقال إنها «مجرد افتراءات» من قبل الجزيرة وقطر في «حملة منظمة للتشهير بي ولتشويه سمعتي».
أثارت التحقيقات مزاعم عجيبة تفيد بأن السيد فهمي عمل سراً وعلى مدى عقدين جاسوساً لإيطاليا، منذ أن كان طالباً جامعياً في فانكوفر. تضمن التقرير كثيراً من الملاحظات المدونة بخط اليد، قدمت على أن مصدرها المخابرات الإسرائيلية تصف عشرات المرات التي ظهر فيها السيد فهمي في روما وفي مرافق دبلوماسية إيطالية في باريس وفي القاهرة وفي المغرب.
ولكن السيد فهمي قال في مقابلة أجريت معه الأسبوع الماضي إنه لم يذهب في حياته لا إلى إيطاليا ولا إلى المغرب، وإنه لم يتواجد بتاتاً في أي من المرافق الدبلوماسية الإيطالية المذكورة في التقرير. وفيما يتعلق بعدة تواريخ مشار إليها في التقرير، قدم أدلة مفصلة على وجوده آنذاك في أماكن بعيدة عن المواقع المزعومة.
وكان التقرير الناتج عن التحقيق، والذي يصل طوله إلى مئات الصفحات، قد وزع على الصحفيين بما في ذلك النيويورك تايمز من قبل وسطاء متعاطفين مع قطر في محاولة واضحة للطعن في صدقية السيد فهمي. وقد لوحظ أن اسم الزبون الذي كلف المحققين بإعداد التقرير قد أزيل من النسخة التي حصلت عليها النيويورك تايمز. إلا أن التقرير يشير إلى أن الزبون المجهول هو الذي زود المحققين بنسخة من جواز سفر السيد فهمي الكندي وأنه كان على «اطلاع شامل ومعرفة واسعة بالشخص المعني وبتحركاته تماماً كما لو كان رب عمله السابق».
يعتبر التقرير فصلًا آخر في سلسلة من القضايا التي برزت عندما تم تسريب رسائل الإيميل من حساب السيد العتيبة الأمر الذي أحرج دولة الإمارات العربية المتحدة وعاد بالفائدة على قطر. يعتقد على نطاق واسع بأن كل ذلك هو نتاج جهود قام بها هاكرز لصالح دولة قطر.
صرّح ناطق باسم الحكومة القطرية بأن الحكومة لا علم لها بأي تحقيقات تخص السيد فهمي، ولم يستجب ممثل عن سفارة الإمارات في واشنطن لطلبات قدمت له للتعليق على الخبر.
وكان السيد فهمي قد عمل لشهور قليلة في عام 2007 كمراسل غير متفرغ في مكتب نيويورك تايمز في القاهرة، ثم انتقل ليعمل مراسلاً للسي إن إن، حيث ساعد في تغطية أحداث ثورات الربيع العربي في عام 2011 في كل من مصر وليبيا.
عرفت الجزيرة في مصر بتغطيتها المتعاطفة مع محمد مرسي، الرئيس المصري الذي أطيح به، ومع فصيله السياسي، جماعة الإخوان المسلمين. إلا أن الحكومة العسكرية المدعومة من قبل الإمارات في مصر، والتي عزلت السيد مرسي من السلطة في يوليو 2013، اعتبرت قناة الجزيرة أداة من أدوات قطر والإخوان المسلمين. وكانت قوات الأمن المصرية قد داهمت مكاتب قناة الجزيرة الناطقة بالعربية قبل أن توظف الشبكة السيد فهمي في سبتمبر 2013.
في ذلك الوقت قال السيد فهمي لبعض أصدقائه إنه مسلم بالاسم، يحتسي الكحول ونادراً ما يؤدي الصلاة، وهو شخصياً ضد الإخوان المسلمين، وأيد العسكر حين استولوا على السلطة.
ومع ذلك فقد عرضت عليه قناة الجزيرة العمل لديها مديراً لمكتب فرعها الناطق بالإنجليزية في القاهرة، والذي كان لا يظهر عليه بوضوح دعم جماعة الإخوان المسلمين مقارنة بالفرع العربي. فيما بعد دون السيد فهمي في دفتر مذكراته أنه كان على قناعة بأن قناة الجزيرة سوف تحافظ على وجود خط فاصل يميز ما بين الشبكتين الشقيقتين العربية والإنجليزية، وأن الحكومة المصرية سوف تقبل بذلك. تتركز دعواه القضائية على اتهام الجزيرة بأنها أخلت بتعهداتها بالإبقاء على ذلك الفصل قائماً وبضمان الحصول على الرخص المطلوبة للبث داخل مصر.
ألقت الشرطة المصرية القبض على السيد فهمي واثنين من زملائه في القاهرة في ديسمبر من عام 2013 بتهمة التآمر مع جماعة الإخوان المسلمين على بث تقارير مضللة حول الفوضى في مصر. (لم يقدم الادعاء أبداً أي أدلة تدعم التهم الموجهة إليهم).
يقول نزلاء كانوا مع السيد فهمي في المعتقل إنه بدأ بمجرد حبسه يتحدث بحماسة عن عزمه على مقاضاة الجزيرة. ثم ما لبث بعد ذلك بقليل أن بدأ يردد مزاعم الحكومة المصرية ورعاتها الإماراتيين بأن الجزيرة كانت ضالعة في التآمر مع الإخوان المسلمين وفي نشر التطرف الخطير. وبدأ إجراءات مقاضاته للجزيرة في محكمة كندية في مايو من عام 2015 قبل أن يطلق سراحه من السجن في سبتمبر من ذلك العام.
يقول زملاؤه المساجين إن دافعه من القضية التي رفعها ضد الجزيرة كانت الرغبة في الحصول على مبلغ كبير من قطر، كما كانت من ناحية أخرى تستهدف كسب السلطات المصرية إلى جانبه.
ثم بعد إطلاق سراحه بدأ السيد فهمي في التواصل مع السيد العتيبة. وعندما نظم السيد فهمي مؤتمراً صحفياً في القاهرة في مايو 2015، على سبيل المثال، أرسل له السيد العتيبة عبر الإيميل يعرض عليه أن تقوم شبكة سكاي نيوز العربية الإخبارية المرتبطة بالإمارات بتغطية الحدث.
رد عليه السيد فهمي قائلاً: «تغطية سكاي نيوز على الهواء مباشرة شيء هائل، وأعتقد أن إيماءة منك لمديرها التنفيذي قد تجعل ذلك ممكناً».
رد السيد العتيبة قائلاً: «حصل. دعنا نأمل في أن يتمكنوا من الوصول إلى هناك».
وبعد المؤتمر الصحفي، كتب السيد فهمي إلى السفير يقول: «أنوي الاستمرار في الضغط من خلال وسائل الإعلام». وأشار إلى وجود وثائق لدى المعارضة القطرية يمكن أن «تسبب إحراجاً للحكومة».
بل وطلب مالاً أيضاً. فقد كتب السيد فهمي في رسالة الإيميل نفسها يقول: «أبحث عن قرض شخصي بعقد مكتوب أتعهّد بموجبه بالسداد بعد النجاح زائد الفوائد إضافة إلى أو مع هامش ربح».
يبدو أن مناشدته نجحت. ففي أكتوبر من ذلك العام أرسل السيد العتيبة رسالة بالإيميل إلى رجل الأعمال المصري توفيق دياب، وهو أحد أقربائه، يطلب منه ترتيب تحويل 250 ألف دولار أميركي إلى حساب باسم السيد فهمي في البنك الملكي الكندي في مونتريال. (قال السيد فهمي في المقابلة التي أجريت معه إن حساب مونتريال يعود إلى طرف ثالث لم يسمه وبأنه لم يكن على دراية بأن السيد دياب كان له علاقة بالأمر حتى هذه اللحظة).
بعد أيام قلائل، أكد السيد فهمي أن المعاملة قد تمت، حيث أرسل يقول: «دخل المبلغ في الحساب». ووعد بأن «تقريراً حول مسار الأمور حسبما خططنا سيرسل إلى إ.ظ»، غالباً يقصد أبو ظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة. وأضاف: «سوف يبدأ فريقي القانوني هنا بالعمل من خلال حملة إعلامية لإحياء القضية في وسائل الإعلام الأميركية».
وفي مايو الذي بعده في عام 2016 أرسل السيد فهمي معلومات بالإيميل حول حسابه المصرفي في فانكوفر إلى السيد العتيبة. ولكن ليس واضحاً كيف رد عليه السيد العتيبة. أما السيد فهمي فقال أثناء المقابلة إنه لم تكن هناك أي دفعات مالية، وقدم كشوفات مصرفية للدلالة على ذلك.
بدأت التحقيقات في موضوع السيد فهمي في أواخر شهر نوفمبر، بحسب ما تشير إلى ذلك ملاحظة ذيل بها التقرير. حصل المحققون على فواتير هاتف، وقوائم بالمكالمات، وتقارير لبطاقة الاعتماد، وسجلات محكمة، واتصالات إلكترونية، وصور لأماكن إقامة وعمل السيد فهمي. كما أعدوا قائمة بالأماكن التي تحب زوجته أن تذهب إليها للتسوق.
وفي تقرير ثان أعده المحققون أنفسهم، تم تجميع ملاحظات مكتوبة بخط اليد، يزعم بأنها من تجميع المخابرات الإسرائيلية، تدعي بأن السيد فهمي عمل جاسوساً لإيطاليا منذ عام 1997. وتشير وثائق أخرى مكتوبة بخط اليد، أيضاً لم يتسن التأكد من صحتها، إلى وجود حساب سري باسمه في مصرف الفاتيكان.
نعت السيد فهمي التقرير بأنه تشهير به وقال إنه ينوي أن يضيفه إلى ملفات القضية، وقال إنه لم يعد ثمة إمكانية للعودة إلى الوراء، وقال: لقد بت الآن في المياه العميقة.