شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

هل تشهد مصر ثورة أخرى؟

هل تشهد مصر ثورة أخرى؟
فشل نظام السيسي في سنوات حكمه في تقليل التهديد الإرهابي لمصر القادم من «جماعات إرهابية»، من أبرزها فرع «تنظيم الدولة» في مصر؛ بل على العكس، ربما ساهمت سياساته القمعية في تزايد أزمة الإرهاب.

يطرح أستاذ الإعلام والدراسات الثقافية الكاتب «محمد المصري» تساؤلات بشأن المستقبل السياسي لمصر في ظل حكم السيسي، الذي انقلب على الدكتور محمد مرسي في يوليو 2013م وسيطر على الحكم بعد انتخابات 2014م، والآن في انتظار الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2018م.

بعد قيادته الانقلاب العسكري في يوليو 2013، وعد السيسي المواطنين المصريين بأن مصر ستكون أكبر من العالم نفسه، وبعد فوزه بالانتخابات الرئاسية في 2014 استمر في وعوده بإصلاح الاقتصاد والتخلص من الإرهاب وإنشاء أساسيات الديمقراطية وحقوق الإنسان وتحسين التعليم والبنية التحتية وغيرها من الوعود.

رغم هذه الوعود؛ إلا أن كل مؤشرات العلوم السياسية والاقتصاد تؤكد أن أداء السيسي ضعيف. اليوم، في الذكرى الرابعة للانقلاب، دخلت مصر في أسوأ أحوالها؛ ولم تحظ بالديمقراطية أو حقوق الإنسان.

هناك مؤشرات لنمو متواضع، ولكن الاقتصاد المصري بشكل عام شهد تدهورًا كبيرًا، وتزايدت معدلات الفقر في مصر بشكل ملحوظ في السنوات الماضية، في الوقت الذي زاد فيه معدل التضخم ووصل إلى 30%، وانهار الدولار المصري أمام الدولار.

إضافة إلى ذلك، فشل مشروع قناة السويس في تحقيق العوائد التي وعد بها السيسي. وبدأ هذا المشروع دون دراسة جدوى عامة، رغم تحذيرات الاقتصاديين.

من ناحية أخرى، بعد الإطاحة بمحمد مرسي، بدأ السيسي في قتل الآلاف واعتقالهم دون وجود أيّ دليل على عنف أو ارتكاب جرائم؛ من بينهم قيادات لجماعة الإخوان المسلمين وأعضاء منها.

فشل نظام السيسي في سنوات حكمه في تقليل التهديد الإرهابي لمصر القادم من «جماعات إرهابية»، من أبرزها فرع «تنظيم الدولة» في مصر؛ بل على العكس، ربما ساهمت سياساته القمعية في تزايد أزمة الإرهاب.

ازدادت الهجمات العنيفة بشكل كبير في فترة ولاية السيسي، ولم يقتصر الأمر على الإرهاب في سيناء؛ بل ظهر في مناطق كبرى، منها القاهرة؛ ما أدى إلى مقتل المئات من الجنود المصريين وضباط الشرطة والعشرات من المسيحيين في هجمات على الكنائس، إضافة إلى مقتل النائب العام في القاهرة في 2015 وإسقاط طائرة روسية في أكتوبر 2015.

بالنظر إلى وعود حملة السيسي الانتخابية بتعزيز الأمن الداخلي والوضع الحالي، يمكن القول إن السيسي فشل في قيادته للدولة؛ وهو ما اتضح من تزايد معدل الإرهاب في حكمه، الذي اعتبره المحللون نتيجة سنوات من الاضطراب وتأثيره على الاقتصاد، إضافة إلى تزايد حدّة العنف.

بالطبع تتوافق المشاكل الأمنية في مصر مع الأزمات الاقتصادية، يرجع هذا في الغالب إلى اعتماد اقتصاد الدولة بشكل كبير لعقود من الزمن على عوائد السياحة.

وعدت الحملة الانتخابية للسيسي بإنعاش صناعة السياحة التي عانت بعد الثورة المصرية، ولكن استمرت السياحة في التدهور؛ على سبيل المثال، مع تباطؤ السياحة، أظهر تقرير لوزارة التخطيط المصرية انخفاضًا بنسبة 34% في عوائد السياحة في التسعة أشهر الأولى في العام المالي 2015-2016. هذا الانخفاض المستمر في عوائد السياحة جاء بنسبة كبرى بسبب الهجمات الإرهابية؛ أبرزها إسقاط طائرة الركاب الروسية.

فشل السيسي وشخصيات من حكومة ما بعد الانقلاب في تحويل حكم مصر إلى ديمقراطي يهتم بحقوق الإنسان. بمجرد إسقاط مرسي، بدأت الحكومة بشكل سريع في استبعاد كل أشكال المعارضة السياسية القومية؛ من بينهم جماعة الإخوان المسلمين، وصُنّفت «تنظيمًا إرهابيًا».

في الأسابيع والأشهر التالية للانقلاب، ارتكبت الحكومة مذابح لمتظاهرين غير مسلحين، واستبعدت بشكل فعال مجموعات وشخصيات علمانية هامة، واعتقلت مئات من القادة السياسيين، وأغلقت وسائل إعلامية معارضة، وقيدت عمل المنظمات غير الحكومية.

أدى التشريع الصارم في 2013 إلى تقليل التظاهر. ولزيادة أدوات القمع، صدر قانون مكافحة الإرهاب في 2014، الذي اعتبرته منظمة العفو الدولية أداة جديدة للسلطات لسحق كل أشكال المعارضة والتخلي عن حقوق الإنسان الأساسية.

أثناء الاستفتاء على دستور موالٍ للشرطة والجيش، بدأت وسائل الإعلام حملات قوية لحث الشعب على التصويت بـ«نعم»، مع إقصاء كل المعارضين للدستور، مع عشرات الآلاف من الملصقات الموالية للتصويت، كان يُعتقل من يتجرأ على تعليق ملصق مناهض للدستور؛ وبالطبع جاءت الموافقة على هذا الدستور بنسبة كبرى.

لم تكن حملة السيسي الانتخابية في 2014 ديمقراطية أيضًا، بعد تمكن الجيش من إقصاء كل المنافسين؛ بعد حظر معظم المرشحين الأقوياء قبل بداية الحملات الانتخابية أو اعتقالهم، مع انسحاب من قرروا المنافسة بسبب اعتبارهم أن الانتخابات غير سليمة؛ ما أدى إلى فوز السيسي بنسبة 97%، وهي النسبة نفسها التي كان يحصل عليها مبارك من قبل.

واصلت الحكومة في الأشهر الماضية اعتقال كل من اعتبرته تهديدًا سياسيًا، وحظرت أكثر من مائة موقع إخباري كانوا ينقلون روايات صحيحة مختلفة عن الروايات الرسمية.

مع قرب الانتخابات الرئاسية في 2018، تحاول الحكومة العمل على إقصاء منافسي السيسي على الحكم؛ من أبرزهم خالد علي، المحامي الحقوقي الذي يرى عديدون أنه المرشح الأكثر جدية أمام السيسي، وتعرّض إلى التهديد والاعتقال، بجانب محاكمته بتهم متعمّدة من المرجح أن تقف في طريق ترشحه.

ومن أبرز الأسباب التي ساعدت السيسي على استبداده غياب فصل بين السلطات في مصر، يسيطر الرئيس المصري بشكل كبير على البرلمان المصري والقضاة؛ وهو ما ظهر في اتفاقية تيران وصنافير، التي مررها البرلمان على الرغم من قرار المحكمة الإدارية العليا التي رأت أن هذا الاتفاق غير قانوني وغير دستوري.

لا يمثّل فشل السيسي أزمة بالنسبة إلى مصر فقط، بل للمنطقة بأكملها؛ اتضح هذا من دعمه لحملات بشار الأسد العنيفة في سوريا، وخطاب ترامب المعادي للأجندة الإسلامية، ويشارك حاليًا في الحصار الذي فرضته دول الخليج على قطر، التي تعتبر من الدول القليلة التي دعمت مبادئ «الربيع العربي».

ربما شعر السيسي بأنه لا يتمتع بشعبية داخلية في مصر، ما دفع الحكومة إلى إقصاء كل أشكال المعارضة وحظر استطلاعات الرأي الأجنبية؛ من بينها استطلاعات تقييم المصريين لأداء السيسي ومدى دعمهم له. 

لا يلفت الوضع في مصر إلى توجّه الدولة في مسار إيجابي، كما قلتُ في مقالاتي السابقة: يبدو أن قيام انتفاضة أخرى في مصر «مسألة وقت فقط»؛ لكن لا يمكن لأحد أن يؤكد ذلك.

رغم وجود احتمالية خروج انتفاضة أخرى تُسقط حكم السيسي، من المحتمل أيضًا استمراره بفرض إرادته وحكم الدولة لفترة عشر سنوات أو 15 أخرى. في هذه المرحلة، ونظرًا للأزمات التي تشهدها الدولة؛ لا يمكن لأيّ شخص توقع أيّ سيناريو سيكون أفضل لمصر والمنطقة.

المصدر



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023