بعد هزيمة تنظيم الدولة في الموصل وإعلان رئيس الوزراء العراقي نهايته، يبدو أن قوات التنظيم على وشك تلقي هزيمة أخرى في الرقة بعد حصار تحالف مقاتلي الأكراد والعرب السوريين للمدينة.
وقالت بعض التقارير، إن عدد مقاتلي تنظيم الدولة المختبئين في المدينة يقدروا بحوالي 2500 شخص ويحاولوا الدفاع عن وجودهم في المدينة، لذا لن يكون سقوط الرقة سهل، لكن نهاية الجماعة باعتبارها شبه دولة على وشك النهاية.
لا تعتبر هزيمة تنظيم الدولة مفاجئة خاصة بعد فقدان الجماعة لـ 60% من الأراضي التي كانت تسيطر عليها، بجانب انخفاض عوائدها في نفس الفترة بنسبة 80% لتصل إلى 16 مليون دولار في الشهر.
ظهرت الجماعة بقوة بغيضة سياسياً وأخلاقياً استجابة لحاجة المدن والقرى إلى الأمن ثم بدأت في إرهابهم، لذا على الرغم من ترحيب الجميع بقرب نهاية تنظيم الدولة إلا أن أزمة الشرق الأوسط ستستمر.
على الرغم من تقلص تواجد تنظيم الدولة بشكل كبير إلا أنه من المتوقع تراجعه للإصلاح الذاتي في منطقة أخرى، وهو ما اتضح من التقارير التي أفادت بإجلاء قادة الجماعة بالقرب من نهر الفرات إلى مدينة ميادين في شرق الرقة، ولازالت تسيطر على معاقل بالقرب من الفرات في العراق أيضاَ خاصة في مدن تلعفر والحويجة.
من الضروري أن نتذكر سبب ظهور التنظيم والذي جاء بسبب تفكك البنية التحتية التي كانت متماسكة إلى حد كبير في العراق حتى 2003، تسببت القوى الغربية في فراغ سلطة بعد عزل صدام حسين وهو ما أدى إلى ازهار مصالح القبائل وبدأت أطراف خارجية أبرزهم أمريكا وايران والسعودية وروسيا في التدخل رغبةً في تحقيق خططهم.
بعد سقوط صدام بعشرة أعوام كان تنظيم الدولة لايزال هامشياً، يعمل باسم القاعدة، زادت حظوظه بسبب هجمات أمريكا ومحاولات الدولة العراقية غير الشرعية والطائفية أن تثبت نفسها بجانب مصالح المتبرعين لهم من دول الخليج، لذا ازداد تطرف وعنف الجماعة، أثناء قتالها ضد أمريكا وميليشيات الشيعة، هكذا أصبحت القاعدة في العراق أكثر وحشية مقارنة ببداية التنظيم مع بن لادن، وبلغت الجماعة ذروتها مع ظهور أبو بكر البغدادي الذي أعلن رسمياً تأسيس تنظيم الدولة في 2013.
وقبل 2011 لم يكن تنظيم الدولة هو من يحدد الأحداث وانما يستغلها، لذا تسببت ثورات الربيع العربي التي انهت حكم عدد من المستبدين العرب في صعود نجم الجماعة الإرهابية، على الرغم من تمنى الكثير بدء عصر من الديموقراطية، إلا أنه بسقوط الأنظمة تدخلت عدد من الدول الغربية وروسيا وايران والسعودية وتركيا للتلاعب بالأحداث في اتجاهات مختلفة.
بالطبع استغل تنظيم الدولة الاضطرابات، ناهيك عن الأسلحة والمدفعية الغربية التي سقطت في أيديهم بدلاً من أيدي الجماعات المعتدلة، وهو ما حفزهم لبداية تمرد قوي في صيف 2014.
حتى مع قوة تنظيم الدولة في 2014 و 2015 كان وجودهم يعتمد بشكل كبير على توازن القوى في المنطقة، تمكنت الجماعة من الاستمرار بسبب عدم تدخل تركيا وتركهم بين الحدود الجنوبية لأنقرة وشمال سوريا، بل على العكس تدخلت أنقرة لقتال وحدات حماية الشعب الكردية التي كانت تواجه التنظيم، بجانب عدم رغبة روسيا في التدخل رغم امتلاكها القوة اللازمة لتدمير التنظيم.
بعد تحول توازن القوى بسبب تدخل القوات الروسية والتركية، توقف ازدهار تنظيم الدولة، بجانب تحرك الجيش العراقي المدعوم من أمريكا والميليشيات الشيعية ضد عدوهم المشترك، وهو ما سهل قرب نهاية التنظيم.
مع انهيار الخلافة فإن القوى التي اتحدت ضده ستعود إلى القتال الذي دمر المنطقة لعقدين من الزمن، داخلياً، من المتوقع دخول الأكراد الذين تمكنوا من حيازة أراضي كثيرة في شمال شرق سوريا في قتال مع قوات الأسد وتركيا التي لا تريد دولة كردية على حدودها، وستستمر الفصائل الإسلامية التي دعمتها أمريكا في الحصول على سلطات محلية.
خارجياً ستدخل القوى الغربية التي دعمت الأكراد في مواجهة مع تركيا ليستمر خلافهم مع نظام الأسد والذي كان هدف لتدخلاتهم السياسية والعسكرية قبل ظهور تنظيم الدولة، ونتيجة لذلك فإن القوى الغربية ستكون في مواجهة مع إيران وروسيا حلفاء الأسد.
بعبارة أخرى، مع زوال تنظيم الدولة، ستستمر القوات المتنازعة والمزعزعة للاستقرار في الصراع على السلطة، لذا فإن التنظيم الإرهاب سينتهي، لكن أسباب ظهوره ستستمر.
هناك أزمة أخرى تتمثل في عدم انتهاء الهجمات الإرهابية المستوحاة من تنظيم الدولة مع سقوطه في الشرق الأوسط، بالعودة إلى البداية نجد أن الصلة بين المفجرين المتطرفين في المجتمعات الغربية وتنظيم الدولة في سوريا والعراق لم يكن قوي، لذا فإن زوال الخلافة لن تمحي الأحلام المدمرة لهؤلاء المتطرفين.
هذا لا يعني أن نبتهج بهزيمة التنظيم، لكن يجب أن نعلم أن أسباب تفكك الشرق الأوسط ليس موجوداً في الرقة، لذا فإن السعي لهزمة الإرهاب لا يجب أن يتم البحث عنه على ضفاف نهر الفرات.