شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

نيويوركر: دون استسلام أو «بلطجة».. كيف يمكن حل الأزمة الخليجية؟

نيويوركر: دون استسلام أو «بلطجة».. كيف يمكن حل الأزمة الخليجية؟
قلتُ في محادثة هذا الأسبوع: «إيران تعرف أنها ستكون قوة في قرابة مائة عام. وتركيا ستكون قوة في قرابة مائة سنة، أما دول الخليج فليسوا متأكدين من ذلك»؛ لسبب وجيه: ناطحات السحاب في دبي والدوحة والرياض والمنامة كلها مبنية على أسس

حين فرضت السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين حصارًا على قطر، جمّعت هذه الدول قائمة طموحة وجزافية بشكل لا يُصدق من ثلاثة عشر مطلبًا؛ وهي قائمة تتطلب فعليًا من قطر أن تتنازل عن سيادتها.

وأصرّ التحالف على أن تغلق قطر قناة الجزيرة وغيرها من المؤسسات الإخبارية التي تموّلها، وطرد الوجود العسكري التركي، والحد من العلاقات مع إيران، واتّباع سياسات مكافحة الإرهاب التي يُمليها الائتلاف، مع وعد بمزيد من الضغوط في الوقت المناسب بعد أن رفضت قطر هذه المطالب.

وسط هذا الصراع المتصاعد، هناك أكثر من عشرة آلاف عسكري أميركي يتمركزون في قاعدة «العديد» بقطر. ومن يوم لآخر، يواصل الطيران والجنود الأميركيون القتال وإرسال مهمات ضد تنظيم الدولة وحركة طالبان وغيرها من الأهداف في سوريا والعراق وأفغانستان. بمعنى أن التحالف يهاجم حليفًا أساسيًا للولايات المتحدة، وكل ذلك بموافقة واضحة من الرئيس «ترامب»، الذي شجع على حصار قطر عبر تويتر.

يؤدي الصراع إلى التنافر، الذي أصبح مألوفًا في عصر «ترامب» على نحو متزايد، في جميع أنحاء العالم؛ بما في ذلك في واشنطن. فهؤلاء الرجال الأقوياء يخلطون البلطجة بالحكم، وبالإفراط في ذلك تتكشف نقاط الضعف الخاصة بهم؛ ما يؤدي إلى خلق الفوضى والمخاطر.

وتعدّ أزمة الخليج قادمة من أنقاض الربيع العربي. ويمثّل تحالف الحصار الثورة المضادة المخربة ضد جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الحركات الإسلامية الشعبية التي حشدت الناس لفترة وجيزة، جنبًا إلى جنب مع غيرها من النشطاء العرب بداية من أوائل عام 2011.

وفي الآونة الأخيرة، بعد زوال معظم هذه الثورات، وفّرت قطر وقناة الجزيرة وتركيا مساحة نادرة للتنفس للإخوان وغيرهم من الإسلاميين الذين يواصلون السعي إلى السلطة عبر تنظيم القاعدة الشعبية والانتخابات. (في مصر، فاز الإخوان المسلمون في انتخابات حرة في عام 2012، وأطيح بهم في انقلاب عسكري بعد عام). وعمّا إن كان الإخوان ديمقراطيين حقًا أم أنهم متحمسون لاستخدام الانتخابات لإقامة ديكتاتورية دينية، فإن ذلك كان موضوع نقاش دائمًا.

وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، فالحصار المفروض على قطر ليس سوى آخر انقطاع في ثلاثة عقود من الجهد لتأمين قواعد عسكرية في إمارات الخليج الاستبدادية التي تتجنب الانتخابات وتقمع حرية التعبير والتجمع.

ولعل مشاهدة قطر المجاورة، التي تتمتع بثروة جديدة من إنتاج الغاز الطبيعي، للعلاقات المتداخلة بين الرياض وواشنطن والفرص المتصورة. وبدأ أمير قطر بناء قاعدة جوية تسمى «العديد» على امتداد واسع من الرمال خارج العاصمة الدوحة.

وقد اقتربت العائلة المالكة من واشنطن وعرضت «العديد» قاعدة جديدة للطائرات الأميركية ووظائف القيادة، مع فرض قيود أقل بكثير من القيود المفروضة على الرياض.

وفي أبريل 2003، أعلنت الولايات المتحدة أنها تحرّك هجماتها الجوية إلى قطر. وقال «ستيفن سيمون»، الذي عمل على قضايا الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي أثناء إدارتي كلينتون وأوباما: «كان لدى القطريين مجرد فرصة لينتهزوها مثل أي شخص آخر، وقدّموا عرضًا لا يمكننا رفضه».

ويوفّر وجود القاعدة الأميركية أمنًا حيويًا لقطر، وهي دولة صغيرة تضم مئات الآلاف فقط من المواطنين الأصليين. ومن الناحية الجيوسياسية، تعتبر قطر واحدة من الدول الصغيرة الغنية بالنفط، التي تبدو وكأنها بنك ينتظر أن يسرقه الغزاة أو صناع الانقلابات. إن عشرة آلاف أميركي كانوا متمركزين في «العديد» يعملون كقوة بحكم الأمر الواقع للعائلة المالكة، كما قال «سيمون». ومع ذلك، لم تكن المصلحة الذاتية الوحيدة هي التي دفعت القطريين إلى تقديم «العديد».

تعثرت علاقات قطر مع السعودية، والعكس بالعكس، لفترة طويلة. وتكمن ثروة قطر أساسًا في الغاز الطبيعي، وهو مورد لم يخلق سوى ثروات تحويلية بعد الثمانينيات. وعندما صنّعه القطريون بشكل كبير بدؤوا في إنشاء قناة الجزيرة، شبكة الأخبار الفضائية المثيرة، واتبعوا سياسة خارجية مستقلة؛ غالبًا ما تبدو متأثرة بغريزة تهيج الرياض.

إن أعضاء الائتلاف المحاصرين لقطر لديهم خوف عميق وغير عقلاني في أحيان من الإخوان المسلمين وإيران، وكلاهما استوعبتهما قطر إلى حد ما. إن البارانويا الموجودة لديهم بشأن الإخوان حادة بشكل خاص في السعودية والإمارات. وللطرفين «إيران والإخوان» مصداقية في الشوارع ومهارات تنظيمية، ويروجان للديمقراطية والمشاركة السياسية؛ في حين أن ديكتاتوريي الائتلاف ليست لديهم أي من هذه الخصائص.

وفيما يتعلق بإيران، ترى الدول السنية أن الطائفية في الخليج نزاع متأصل، وبالإضافة إلى ذلك، فإن لدى إيران سكانًا موهوبين واقتصادًا يمكن أن يرتفع، وإذا تحولت حكومتها الثورية إلى حكومة حديثة. قلتُ في محادثة هذا الأسبوع: «إيران تعرف أنها ستكون قوة في قرابة مائة عام. وتركيا ستكون قوة في قرابة مائة سنة، أما دول الخليج فليسوا متأكدين من ذلك»؛ لسبب وجيه: ناطحات السحاب في دبي والدوحة والرياض والمنامة كلها مبنية على أسس هشة.

ثم، لماذا اختاروا قطر؟ ولماذا الآن؟ ألم يكن لدى جميع دول الخليج الغنية نقاط مشتركة أكثر مما لديها من خلافات؟ وإذا كانت الرياض قلقة حقًا من جيرانها الذين يصلون إلى إيران، فلماذا قطر؟ ألا تقيم سلطنة عمان علاقات مع طهران أكثر من دولة قطر، كما أن علاقات قطر تستدعي ذلك كونها تشترك في حقل غاز كبير مع إيران.

أما إقامة الإخوان في قطر فهي ليست فريدة من نوعها؛ فالإخوان لهم مقاعد في البرلمان الكويتي ويشاركون بسلام في النظام السياسي الأردني. أما بالنسبة إلى قناة الجزيرة، وهي غرفة إخبارية متعددة الجنسيات ومنتدى نادر للمناقشة والدعوة للتنوع في العالم العربي، فإن الائتلاف المحاصر لا يكلّف نفسه عناء إخفاء نواياه. وفي حديثه إلى الجارديان، قال سفير الإمارات لدى روسيا: «إننا لا ندّعي أن لدينا حرية الصحافة. نحن لا نعزز حرية الصحافة».

هذا يؤكّد أن المطالب التي لا يمكن الوفاء بها بشكل معقول لن تتحقق. كيف إذًا، هل يحل الائتلاف الصراع الذي خلقه؟ هناك طريق واحد هو العودة إلى أسفل بهدوء، وقبول أقل مما طولب به علنًا، والعمل فيما بعد على تقليم أشرعة قطر بهدوء، على الأقل لفترة من الوقت. وهناك احتمال آخر يتمثل في التصعيد إلى أبعد من نقطة الاستمرار.

يمكن للمملكة السعودية وحلفائها غزو قطر ومحاولة الإطاحة بالأسرة المالكة. أو ربما الأكثر معقولية، دفع قطر إلى تحالف أكبر مع تركيا وإيران، وتشويه سمعة الدوحة في تصور «ترامب»، الذي ذكر أن الإمارات على استعداد لاستضافة طائرات «العديد» والقيادة العسكرية الإقليمية الأميركية. ولكن، بالنسبة إلى الولايات المتحدة، ثبت أن الروابط التي تربطها بها في الخليج فضفاضة. ومع ذلك؛ فإن التخلي عن قطر الآن استسلام للعدوان والغضب.

المصدر



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023