شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الإسلاميون والغرب.. ما وراء الإبتسامات – هيثم صلاح

الإسلاميون والغرب.. ما وراء الإبتسامات – هيثم صلاح
الإنتخابات على الأبواب في إيطاليا عام 1948 , ذلك البلد المتوسطي الذي يعد من أركان حلف الناتو. و قد إنعكست الحرب...

الإنتخابات على الأبواب في إيطاليا عام 1948 , ذلك البلد المتوسطي الذي يعد من أركان حلف الناتو. و قد إنعكست الحرب الباردة التي بدأت حديثا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية على هذه الإنتخابات التي يتنافس فيها الحزب الشيوعي الإيطالي و الحزب  المسيحي الديموقراطي المدعوم من الغرب . في مكان لا يعلم عنه أحد شيئا يقبع جيمس أنجلتون الذي يقود وحدة مكافحة الجاسوسية التابعة لمكتب الخدمات الإستراتيجية الأمريكي- سلف وكالة المخابرات الأمريكية- و يستعد للعب الدور الواجب عليه حتى لا تأتي نتيجة الإنتخابات ضارة بالمصالح الأمريكية ففي دولة عضو في الناتو , لا يمكن أن تترك الإنتخابات للإرادة الحرة لشعبها !!. قام هو زملاؤه بكل ما هو ضروري لضمان إسقاط الحزب الشيوعي , أنفقوا الأموال اللازمة للدعاية الإنتخابية طبعوا ملايين المنشورات و إستخدموا العديد من الساعات الإذاعية و المقالات في الصحف لتحذير الشعب الإيطالي مما يمكن أن يحدث لهم إذا حكمهم الحزب الإيطالي , وقد نجحت الخطة و خسر الحزب الشيوعي الإنتخابات . و بعد ما يزيد عن الستين عاما طبق آخرون الخطة نفسها في مصر لإسقاط المرشح الإسلامي في أول إنتخابتا رئاسية في تاريخها و لكن الخطة لم تنجح هذه المرة و أصبح الأمريكيون أمام واقع جديد .

 
 
فاز الإخواني د. محمد مرسي بمنصب الرئاسة و أصبحنا أمام واقع جديد مفاده أن إسلامي يشغل أهم منصب في دولة عربية لأول مرة في تاريخ العرب الحديث . و المفترض أن الإسلاميون أعداء للغرب بقيادة الولايات المتحدة كباقي الأعداء الذين واجهو الولايات المتحدة من قبل و لكم على نحو أكثر شراسة . كاسترو و عبد الناصر و الفيتكونج و غيرهم كلهم تمت مواجهتهم بالطريقة التقليدية الحرب و العزل و محاولات الإغتيال الدائمة . حتى حماس الإسلامية التي فازت في الإنتخابات التي جرت في فلسطين عام 2006 لم يتم الإعتراف بها و محاربتها باعتبارها حركة إرهابية و حصارها في قطاع غزة الذي إستطاعت الإنتصار فيه على قوات فتح التي تم دفعها لإشعال المواجهة مع حماس . لكن الواقع الذي يواجهونه الآن لا يتشكل في غزة و إنما في مصر الدولة الأهم إستراتيجيا في المنطقة ذات ال90مليون نسمة فهل يصلح معها أسلوب العزل و الحصار ؟ هل من المفيد أن نصنع بطلا إسلاميا على رأس هذه الدولة بمحاربته و إعلانه عدوا لنا ؟ دروس التاريخ علمتهم ان هذا الأسلوب الفاشل قد جعل كاسترو ينجح في البقاء حاكما لكوبا المعزولة الفقيرة باعتباره بطل المواجهة مع الإمبريالية الأمريكية و حماس تبقى مسيطرة على غزة المحاصرة باعتبارها حركة المقاومة الإسلامية , فلم نكرر الخطأ في مصر ؟ – هكذا يقول لسان حالهم . سنعلن أننا سنتعامل مع نتائج العملية الديموقراطية في مصر أيا كانت بل و سنضغط على العسكر علنا من اجل تسليم السلطة , سنتعامل مع الرئيس الإسلامي الجديد مباشرة فتزوره وزيرة الخارجية و يدعوه الرئيس الأمريكي لزيارة واشنطن دون شروط مسبقة – على الأقل في العلن. سنظهر للناس أن الإسلاميين قوم عاديون , أصدقاء لنا و نتعامل معهم و يتعاملون معنا , حيث لا أبطال هنا يحاربون أمريكا . سنؤكد سويا على دعم عملية السلام في المنطقة , أرأيتم لم يتغير الكثير . سنلتقي و نبتسم و نتصافح و نتبادل التهاني , مصر و الولايات المتحدة الأمريكية أصدقاء منذ ثلاث عقود و لن يتغير هذا بقدوم الإخوان , و لكن الواقع أن الإبتسامات تخفي خلفها الكثير على الجانبين .
 
 
فعلى الجانب الأمريكي هذه العلاقة الناشئة و الإبتسامات المتبادلة إلى جانب أنها إستجابة لواقع و رغبة في عدم خسارة مصر تماما و لكنها أيضا جزء من خطة طويلة لإغتيال الإسلاميين سياسيا . فالإسلاميين الذين تمتلئ أدبياتهم بالعداء للولايات المتحدة الأمريكية و ربيبتها إسرائيل و عملائها في الداخل من الأنظمة العربية سيظهرون كأصدقاء لنا أمام الشعب و هذا سيكون له معنى واحد عند قطاع كبير و هو أن الإسلاميين كاذبون غستخدموا خطاب العداء لأمريكا لجمع الناس حولهم و الوصول إلى السلطة ثم إرتموا في احضانها عندما حصلوا على ما يريدون . بالتأكيد لن يفهم هؤلاء هؤلاء مقتضيات العلاقات الدولية و فن الممكن في السياسة و كل هذه العلميات فهم لا يدركون سوى ما يرون . و لعل من أهم الإجراءات الواجب على الإسلاميين إتخاذها لمواجهة هذه الإشكالية هي فصل الدعوي عن السياسي تماما على مستوى الخطاب و المؤسسات حتى لا تؤثر واقعية السياسة في مثالية الدعوة .
 
 
والإسلاميون يتعاملون أيضا مع واقع مفروض عليهم و يضعون في أذهانهم أن العلاقة مع أمريكا رغم كل ما إرتكبته من جرائم في حق المسلمين إنما هو أحد أعراض مرحلة البناء و التعافي من المرض الذي أصاب مصر على مدى العقود الماضية فهذه ليست قصة حب جديدة . و نحن في طور الإعداد – كما يقول لسان الحال- و ستأتي ساعة الحساب عندما نستعيد قوتنا و وحدتنا الإسلامية و ترتقي الدولة الإسلامية الكبرى إلى مرحلة أستاذية العالم كما أننا حتى في مرحلة الضعف لن نرضى أبدا أن تكون العلاقة علاقة تبعية و إنما مصالح متبادلة, و قد ظهر هذا جليا  في تغير بروتوكول اللقاء بين وزيرة الخارجية الأمريكية بالدكتور مرسي . و لكن هذا المنطق يحوي ثغرة ما و هي هل يظن أحد أن الأمريكان لا يدركون كيف يفكر الإسلاميون ؟ و هل يخفى عليهم أن الإسلاميون يخططون لنهضة هي بالتأكيد ضد مصالحهم الإقليمية على المدى القصير و العالمية على المدى البعيد ؟ هل الأمريكيون بهذه السذاجة ؟ إن الأمريكيون يشاركون بقبولهم للإسلاميين و التعامل معهم في خطة حرقهم أمام الناس باعتبار الرأي العام في مجمله معاديا للولايات المتحدة و هم يتوقعون أنهم سيغرقون في مشكلات مصر الداخلية حتى الفشل و ينتظرون لحظة الفشل هذه حتى يدعموا البديل بكل قوة و يجب أن نتذكر دعوة أوباما شفيق إلى عدم إعتزال الحياة السياسية فإنها ذات مغزى . لذا فإن على الدكتور مرسي أن يتابع الراي العام بدقة و ان يتواصل معه بالخطابات الشعبية الدائمة معلنا موقفه الرافض للجرائم الأمريكية و المعادي لها و لسياساتها الخاطئة في الشرق الأوسط حتى لا يترك الناس فريسة للسياسة البرتوكولية التي تشوهه . و لا يخشى  من تأثير ذلك على العلاقة مع الولايات المتحدة فالأمريكيون لا يعترفون بسياسة الخطابات وقد جرب الأتراك هذا الأسلوب من قبل بكفاءة فاستطاعوا الحفاظ على شعبيتهم و علاقاتهم بالولايات المتحدة في نفس الوقت . إن سياسة الإبتسامات التي تخفي وراءها الصراعات لن تجدي طويلا و يجب أن تتوقف الإبتسامات مفسحة المجال للمشاعر الحقيقية للتقدم . و على كل حال فإن الأمريكيين لا يبتلعونها و هم ماضون في خطتهم و يعلمون مصدر الخطورة الحقيقي عليهم و سيعملون على مواجهته بكل السبل المتاحة , و إنما يبتلعها المصريون السطاء الذين يضعونك بسهولة في خانة العميل
 
المصدر: رصد 


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023