تعرضت الهند في منتصف الأسبوع الماضي إلى انهيار شبكات توزيع الكهرباء.. أدى إلى انقطاع التيار عن 600 مليون شخص. هم نصف سكان البلاد، يعيشون في 20 ولاية تتوزع على مناطق الشمال والشرق. وحين انقطع التيار الكهربائي شلت الحياة في تلك الولايات. فتوقف 400 قطار عن الحركة وتعطلت إشارات المرور الأمر الذي أشاع الفوضى في مختلف المدن. وترتب على انقطاع التيار تعطل الأجهزة الكهربائية وأجهزة الكمبيوتر. الأخطر من ذلك أنه أدى إلى توقف المصاعد في منجم للفحم في شرق البلاد، مما عرض نحو 200 عامل للاختناق، وتسارعت عملية إنقاذهم وتزويدهم بالماء والطعام. وحينما عم الظلام نصف الهند خرجت صحيفة «تايمز أوف إنديا» بعنوان عريض تصدر صفحتها الأولى يقول: بلا تيار وبلا أفكار. أما صحيفة «إيكونوميك تايمز» فكان كما يلي: أيتها القوة العظمى ارقدي بسلام.
أعلنت الحكومة الهندية عن فتح تحقيق لمعرفة أسباب انقطاع التيار، الذي سبب إحراجا شديدا للدولة. عبر عن ذلك اتحاد الصناعات الهندية الذي أصدر بيانا قال فيه إن انقطاع التيار أضر كثيرا بصورة الهند في الخارج، باعتبارها دولة تحقق معدلات سريعة للنمو.
التيار الكهربائي تعطل مرتين خلال يومين واستمر ساعات طوالا. وقد سارع المسؤولون إلى تفسير الأزمة باعتبارها ناشئة عن تجاوز بعض الولايات حصتها من الطاقة الأمر الذي أدى إلى انهيار شبكات الكهرباء التي هي بحاجة إلى تجديد في الشمال والشرق والشمال الشرقي.
ورغم أن لجنة التحقيق التي شكلت لتحري حقيقة ما جرى لم تنته من عملها، فإن الصحف الهندية سارعت إلى توجيه اللوم إلى الحكومة واتهمتها بأنها غير راغبة من الناحية السياسية في تطبيق الإصلاحات اللازمة لتحسين شبكة الكهرباء.
العراق يواجه المشكلة بشكل أكثر حدة. فانقطاع التيار الكهربائي ليومين متتاليين في الهند اعتبر حادثا استثنائيا في حين أن العكس هو الصحيح في العراق التي أصبح استمرار التيار فيها ليومين بلا انقطاع هو الحدث الاستثنائي. ذلك أن الشكوى هناك شديدة من استمرار انقطاع التيار طوال أكثر أيام الأسبوع طوال العام، خصوصا أشهر الصيف القائظ. وإذ بدا مفهوما أن أزمة الكهرباء في العراق جزء من الأزمة الكبرى التي واجهت البلاد بعد تدمير بنيتها التحتية أثناء حملة احتلال العراق. فما لم يكن مفهوما أن تستمر الأزمة طوال السنوات الثماني الأخيرة في حين تم إنفاق نحو 25 بليون دولار لإصلاح شبكات الكهرباء خلال تلك الفترة.
صحيفة الحياة اللندنية نشرت في عدد الخميس 2/ 8 قائمة بأسوأ حالات انقطاع التيار الكهربائي في العالم، كان من بينها ما وقع في الولايات المتحدة عام 2003 حين استمر الانقطاع أربعة أيام، الأمر الذي ترتب عليه معاناة 50 مليون شخص من الإظلام في ثماني ولايات أمريكية.
وفي أونتاريو بكندا. حدث ذلك الانقطاع أيضا في البرازيل وباراجواي سنة 2009، وعانى منه 50 مليون شخص في الأولى وسبعة ملايين في الثانية. تكرر الانقطاع في ألمانيا عام 2006. وتسبب في إظلام عانى منه عشرة ملايين شخص في أنحاء أوروبا الغربية. وفي سويسرا تعطل خط الكهرباء عام 2003 مما تسبب في انقطاع التيار عن 95% من إيطاليا، تاركا 55 مليون شخص دون كهرباء لمدة 18 ساعة.
وفي يناير من عام 2008 انهارت شبكات الكهرباء في 17 مقاطعة بالصين بسبب العواصف مما أدى إلى انقطاع التيار عن 30 مليون شخص لمدة أسبوعين.
الوضع في مصر التي عانت أخيرا من انقطاع التيار ليس شاذا إذن. حيث سرى عليها ما يسري على دول أخرى في أنحاء العالم، لكن الشاذ والمثير للانتباه أن الناس في بلادنا يسارعون إلى إعلان الغضب ويعبرون عن ذلك بالخروج إلى الشوارع لقطع الطريق وتعطيل حركة النقل. الشاذ أيضا في بلادنا أن المسؤولين غالبا ما يلتزمون الصمت أمام حالات انقطاع التيار. وحين يعلو صوت أحد منهم نجده ينحو باللائمة على الناس ويطالبهم بترشيد استهلاكهم، دون أي إشارة إلى مسؤولية الحكومة عن تجديد شبكات الكهرباء والعناية بصيانتها.
أفهم أن يؤدي انقطاع التيار إلى إثارة احتجاج الناس واستيائهم، لكنني لم أجد فيما قرأت عن الحالات المماثلة أن الاحتجاج دفع الناس إلى قطع الطرق وإضافة هم آخر إلى هم الإظلام. هل يكون الفرق بين السلوك عندنا وعندهم، أن المسؤولين عندنا يلتزمون الصمت أو يبرئون أنفسهم باتهام الناس وتقريعهم، في حين أنهم هناك ينتقدون أنفسهم أيضا ويعدون بعلاج قصورهم ـ يدعوني إلى ترجيح ذلك أن الناس عندنا ليسوا عدوانيين، لكن ثقتهم في حكوماتهم هناك أفضل من ثقتنا.
إن خروج الغاضبين وتظاهرهم السلمي أمر محمود مادام في حدود القانون، لكنني أخشى من ابتذال الفكرة حين يساء استخدامها، بما يكرر ابتذال المليونيات في ميدان التحرير