إغرورقت عيناي بالدموع و تركت غرفة الإجتماعات بانفعال و ذهبت إلى الحمام …. عدت إلى الغرفة لأكون صاكتا حتى نهاية الإجتماع فقد كنت أقدر الجهود و التضحيات التي بذلتها القوات المصرية في الحرب و ليس هناك ما يدعو لتقديم هذا التنازل الكبير "
هكذا وصف الجمسي وقع موافقة السادات على بنود إتفاقية فك الإشتباك و الفصل بين القوات التي نتجت عن مفاوضات أسوان التي بدأت في 11/1/1974 و التي تقضي بتخفيض حجم القوات المصرية في الضفة الشرقية لتصبح 7000 فردا , 30 دبابة و عدد محدد من قطع المدفعية , تم الإتفاق يوم 17/1 و بدأ تنفيذه 25/1 . ترى مالذي يجعل " المنتصر " – و هو الجانب المصري في هذه الحالة يقبل هذه الشروط المجحفة ؟ هل هذا منطقيا ؟ أن نكون الطرف الأقوى و المنتصر و نرضى بسحب قواتنا من الضفة الشرقية قبل إكمال تحرير سيناء ؟ أم أن الحقيقة أننا لم نكن منتصرين حين وقعنا إتفاقية فك الإشتباك و كان الوضع قد تغير ليصبح في غير صالحنا ؟ هل القبول بهذه الشروط دليل على الحقيقة التي لا يريد أحد أن يصدقها أحد و هي أننا هزمنا في نهاية حرب أكتوبر بمعنى أننا كنا في موقف ضعيف أجبرنا على قبول شروط مجحفة ؟ فلو كان قبول السادات لهذه الشروط و نحن منتصرين فمعنى هذا أنه إرتكب جريمة الخيانة العظمى !!. لن تجد إجابة منطقية لكل هذه التساؤلات المنطقية لدى عباد النصر المزيف فالإجابات كفيلة بنسف صنمهم تماما و هذا يفقدهم معنى حياتهم الذي يتعلقون به و يبنون على أساسه كل إختياراتهم في الحياة السياسية المصرية فإذا ظهر زيف هذا الأساس سيتأكدون تماما أن كل إختياراتهم كانت خاطئة .
ينسب الكثيرون نظرية هزيمتنا النهائية في حرب أكتوبر إلى الفريق سعد الدين الشاذلي و يعزون ذلك إلى الخلاف الذي نشأ بينه و بين السادات و إقالته من منصبه كرئيس للأركان , فماذا إذن عن اللواء عبد الغني الجمسي – رئيس هيئة العمليات حينها – الذي عينه السادات رئيسا للأركان بدلا من الفريق الشاذلي ثم رقي إلى رتبة مشير و أصبح وزيرا للدفاع ؟ هل لديه أي دوافع لتشويه الإنتصار العظيم " ؟ لنرى ما يقوله في مذكراته "
" كانت الإتصالات السياسية خلال يومي 25 و 26 /10 مستمرة بين القاهرة و واشنطن بهدف الإتفاق على إرسال مواد طبية إلى الجيش الثالث " ص 587 .. كيف نكون منتصرين و لا نستطيع إيصال المواد الطبية إلى الجيش الثالث بحرية فنحتاج إلى الإتفاق مع الولايات المتحدة على ذلك ؟ أليس ذلك دليلا على أن جيشنا الثالث كان محاصرا بالفعل … ليس هذا فحسب و لكن بقوات تستطيع منعنا من إيصال المساعدات الطبية له ؟ كيف يتفق هذا مع محدودية الثغرة التي يدعونها ؟ الحقيقة أن هذه الثغرة إتسعت تحت أنف قادتنا العسكريين الذين تناقلوا بيانات خاطئة عنها لمدة يومين و إستطاعت القوات الإسرائيلية تدمير صواريخ سام في هذه المنطقة مما وفر لها الدعم الجوي الذي بدأ يهاجم أجناب القوات المصرية و عبرت القوات الإسرائيلية التي تحكمت في ممرات الحياة لجيشنا الثالث . يقول اللواء الجمسي في مذكراته عن تعيينه رئيسا للوفد العسكري المفاوض في مباحثات الكيلو 101 " أخبرني أحمد إسماعيل بتعييني و أن الموضوع الثاني الذي يجري بحثه مع الإسرائيلين هو إمداد مدينة السويس و قوات الجيش الثالث الموجودة شرق القناة بإمدادات غير عسكرية من قول واحد من اللواري و أن إسرائيل بناءا على طلب أمريكا وافقت على ذلك " ص 589 يا له من نصر رائع ذلك الذي يجعلنا نحتاج إلى وساطة أمريكا لدى إسرائيل حتى تسمح بوصول مجموعة واحدة من الشاحنات التي تحوي إمدادت غير عسكرية إلى قواتنا " المنتصرة " شرق القناة و مدينة السويس !!!
لقد قام سيدنا إبراهيم بتحطيم أصنام قومه التي عبدوها عشرات السنين ثم علق الفأس على رقبة كبيرهم إمعانا في السخرية من الوهم الزائف المحطم . و عندما عاد القوم من عيدهم صعقتهم رؤية " آلهتهم " محطمة و بحثوا عن الفاعل حتى أدركوا أنه سيدنا إبراهيم فحاكموه " أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ؟ " فجاءت الإجابة تلفت نظرهم إلى الكارثة التي كانوا يعيشونها طوال السنوات الماضية حين عبدوا حجارة صارت حطاما الآن " بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون " و لكنهم لم يلتفتوا إلى ذلك بل قرروا الثأر لمعبودهم الزائف و حرق سيدنا إبراهيم . لم يلتفت أي منهم إلى أن الواقع الذي يرونه بأعينهم الآن – الأصنام المحطمة – دليل على حقيقة مفادها أنهم كانوا يعيشون وهما كبيرا طوال كل تلك السنين و أنهم تعرضوا لخدعة كبرى من قبل من صدر لهم هذه الأصنام و انهم قد ظلموا أنفسهم بابتلاع الخدعة و عبادة الأصنام . كلا بل إنتفضوا لنصرة المعبود المحطم " قالوا حرقوه و انصروا آلهتكم " مازالت الحجارة المحطمة أمام أعينهم آلهة في أذهانهم … تعبد و تنصر . تمر الأزمان و تختلف طبيعة المجتمعات و طبيعة أصنامها … و لكن تبقى طبيعة عباد الأصنام واحدة …. سبحان الله !!!