أدى الحصار الدبلوماسي والاقتصادي لقطر من جانب جيرانها إلى إضعاف الشرق الأوسط وإسقاطه في المزيد من الخلافات.
وفي الشهر الماضي، أعلنت البحرين ومصر والسعودية والإمارات مقاطعة كاملة لقطر، مع اتهامات لها بمساعدة الجماعات الإرهابية الإقليمية، ومع ذلك كان السبب الرئيسي للتصعيد هو علاقة قطر مع إيران.
وقد وصل الصراع بسرعة إلى ذروته، وكان مجلس التعاون الخليجي قد منح قطر موعدًا نهائيًا في 2 يوليو لتلبية 13 مطلبًا تتراوح بين إنهاء العلاقات مع إيران، وإغلاق الجزيرة، ولم يكن من المحتمل أبدًا تلبية أي من المطالب.
ومع عدم امتثال قطر لأي من المطالب، وجدت دول الحصار نفسها في وضع محرج، وبدون تجهيزها لخطة بديلة، كان من غير المرجح أن تقبل على التصعيد الفوري.
وبدلًا من ذلك، من المحتمل أن يمضي الطرفان قدمًا، في الوقت الراهن، في حالة الشلل الدبلوماسي المتبادل، وقد يطبق مجلس التعاون الخليجي عقوبات إضافية على قطر، لكن من غير المرجح أن يتراجع أي من الطرفين قريبًا.
وقد قامت المجموعة التي تقودها السعودية بخطواتٍ خاطئة من البداية، بدءًا بدفع قطر مباشرةً إلى إيران وتركيا بفعل الحصار الاقتصادي، الأمر الذي استغله البلدان بإرسال شحناتٍ غذائية فورية للبلد الصغير.
وقد خلق هذا بدوره فوائد تجارية كبيرة لإيران، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية القطرية الإيرانية، وعلى هذا النحو فمن غير المرجح أن يؤدي الحصار إلى عودة قطر إلى أحضان مجلس التعاون الخليجي، وبدلًا من ذلك، ستؤكد هذه الأزمة مدى تهور القيادة الجديدة في السعودية.
فبالإضافة إلى دفع السعودية قطر إلى إيران، أدى سلوكها إلى إضعاف مجلس التعاون الخليجي، وهي هيئة أساسية ومهمة للاستقرار والتجارة الإقليميين، والجدير بالملاحظة أنّ الكويت لا تشارك في المقاطعة. وفي الواقع، سافر الأمير الكويتي في جميع أنحاء المنطقة في محاولة حثيثة لتصحيح الأمور بين الطرفين، والحفاظ على بقاء مجلس التعاون الخليجي.
ويبقى السؤال الأكثر أهمية، هو لماذا صنعت الرياض مثل هذا الخطأ الكبير؟ ومما لا شك فيه أنّ المخاوف السعودية بشأن دعم قطر للإسلاميين حقيقية، وكذلك رغبتها في رؤية قطر تقلل من علاقاتها مع إيران، ولكن من المفارقات أنّ الإمارات لديها علاقة وثيقة مع إيران مثل الحال في قطر. وفي الوقت الذي أغلقت فيه المطارات الإماراتية أجواءها أمام شركات الطيران القطرية بسبب الحصار، ما تزال تلك الأجواء مفتوحة أمام شركات الطيران الإيرانية. ولكن عمومًا، لا تتحدى الإمارات الهيمنة السعودية في المنطقة. وعلى النقيض من ذلك، يُنظر إلى قطر على أنّها دولة ذات طموحات كبيرة، ومن المعتقد أنّها تقوض بانتظام الهيمنة السعودية.
ويبدو أن «ترامب» كان محفزًا أساسيًا للحصار، عندما تبنى الأجندة السياسية الخارجية للمملكة خلال زيارته الأخيرة للمنطقة بالحديث المتواصل عن مواجهة إيران، في حين كان بإمكانه أن يستغل الفرصة بسهولة لمناقشة الحرب على تنظيم الدولة. ومن الواضح أنّ الحديث الصريح ضد طهران قد شجع الرياض أن تبدأ بمعاقبة قطر على الشراكة مع إيران وتركيا.
فحتى الآن، تسير الأمور في صالح إيران، حتى أن إدارة «ترامب» قد اعترفت باستمرار الاتفاق النووي الإيراني، وقد أكد ذلك كلٌ من وزير الخارجية «ريكس تيلرسون» ومستشار الأمن القومي «هربرت ماكماستر».
وبطبيعة الحال، لا تتسق سياسة قطر مع باقي دول المنطقة، وكانت بعض سياساتها سليمة استراتيجيًا، بما في ذلك استثماراتها العديدة في المنشآت العسكرية الأمريكية في قاعدة العديد ومعسكر السيلية، في حين كانت هناك سياسات قطرية أخرى أثارت خلافات مثل دعم جماعة الإخوان المسلمين إلى أقصى حد.
وتجادل بعض النخب السیاسیة في قطر بأنّ السماح لجماعة الإخوان بالوجود مع الحفاظ علیھا عن قرب ھو توازن استراتيجي يمنع الاضطرابات السیاسیة المحلیة في قطر، وقد انتقدت السعودية قطر لتسامحها مع جماعة الإخوان المسلمين. ولكن يمكن للمرء أن ينتقد بسهولة السعوديين ودول الخليج الأخرى للتسامح مع الجماعات المتطرفة والأيديولوجيات داخل حدودها أيضًا.
خلاصة القول أن عدم الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط ليس في مصلحة الولايات المتحدة، والحصار هو خيارٌ سياسيٌ سيئ بشكلٍ واضح. وأدى عدم الاستقرار السياسي مرارًا وتكرارًا إلى العنف المسلح في المنطقة. وفي أسوأ الأحوال، يمكن أن يؤدي هذا الصراع إلى إلحاق أضرارٍ دائمة بعلاقات قطر مع جيرانها وتفكك شامل لمجلس التعاون الخليجي.
وأفضل ما يمكن أن تأمل به المملكة وفريقها الآن أن تبحث عن الخروج من الأزمة بطريقة تحفظ ماء الوجه، ولا يمكن الإبقاء على الوضع الراهن، فهو لن يحقق الأهداف الاستراتيجية السعودية، وسوف يستمر في إبعاد قطر، ويدمر مجلس التعاون الخليجي. ولا يزال هناك مجالٌ واسعٌ للدبلوماسية للعمل من أجل التوصل إلى حل. ومن المرجح أن تشمل صفقة حل الأزمة التزامًا خاصًا من قطر بتخفيض دعمها لجماعة الإخوان المسلمين، مقابل استعادة العلاقات الاقتصادية مع باقي دول مجلس التعاون. ولكن من المرجح أن يستغرق الخروج بمثل هذه النتيجة بعض الوقت.
ومع ذلك، مع وجود 11 ألف جنديٍ أمريكي في قطر، تدير الولايات المتحدة من خلالهم العملية ضد تنظيم الدولة، قد تساعد إدارة «ترامب» في التوسط في مثل هذا الحل التوفيقي. وقد أوقف السيناتور الأمريكى «بوب كوركر»، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، مؤقتًا، مبيعات الأسلحة المستقبلية لدول مجلس التعاون الخليجي. وسيكون من الحكمة أن يحذو ترامب حذوه، وأن يتوقف عن التمسك بهذا النزاع، والانتقال إلى قضية هزيمة تنظيم الدولة وإنهاء الحرب في سوريا.