مقال للمحلل ألاستر سلوان لصحيفة ميدل إيست أي
بعد فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر الماضي، بدأ بسلسلة من الوعود لإعادة بنائها؛ خاصة المطارات والجسور والأنفاق والبنية التحتية، مؤكدًا بأنه سيوفر ملايين فرص العمل لشعبه.
تسببت هذه الوعود في قلق الحزب الجمهوري ووزارة الخزانة في ظل غياب الموارد الكافية لتحمّل تكاليف المشروعات التي وعد بها الرئيس. ما تسبب في هذا القلق هو الخوف من رد فعل المصوتين له في الانتخابات المقبلة.
جاءت الإجابة عن هذه التساؤلات، أو بعضها، في العشرة أسابيع الماضية؛ بالفعل ستعيد أميركا بناء دولتها، ولكن بأموال السعودية.
بناء الجسور
أعلنت مجموعة بلاكستون، عبر رئيسها ستيفن شوارزمان، أنها تمكنت من جمع قرابة 20 مليار دولار من صندوق الاستثمار العام، وهو صندوق الثروة السيادية السعودي، للمساعدة في خطة ترامب للبنية التحتية؛ ما شجّع مستثمرين آخرين على المشاركة.
أكّدت بلاكستون، عبر صندوقها الذي يحتوي على 40 مليار دولار، إمكانية بنائها طرقًا سريعة ومطارات وجسورًا وأنفاقًا بقيمة مائة مليار دولار بمساعدة السعوديين.
نظرًا لقرب شوارزمان من الرئيس الأميركي واهتمامه بالسياسة، لم يندهش أحد من توقعات أن هذه الأموال تستهدف الولايات التي تعاني بسبب البنية التحتية، وهي نفسها التي يحتاج ترامب إلى أصواتها حتى يضمن البقاء في البيت الأبيض.
دعم شوارزمان الرئيس الأميركي أمام تيد كروز في المراحل التمهيدية، ويرأس حاليًا المنتدى الرئاسي الاستراتيجي السياسي (شبكة من رجال الأعمال الداعمين لترامب أنشأها عقب فوزه بالانتخابات الرئاسية).
اتّضح القرب الشديد بين ترامب وشارزمان بعد زيارتهما السعودية معًا في يونيو الماضي للمشاركة في افتتاح المنتدى التنفيذي، الذي وقّعت فيه عقود وصلت إلى مليارات الدولارات.
على الرغم من الضجة التي حدثت بعد توقيع صفقات أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار، اتضح أنها غير واقعية؛ بعد تأكيد محللين أنه لا توجد صفقة، ولكنّ هناك سلسلة من المراسلات أو النوايا وليست عقودًا.
يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعيد بناء أميركا بأموال السعودية مقابل تجاهله زعزعة الاستقرار في المنطقة.
دوافع كبرى
بعد أيام من مغادرته الرياض، دعم ترامب دولًا خليجية في محاصرتها قطر؛ وجاء رد فعله متطرفًا للدرجة التي جعلت وزارة الخارجية الأميركية تنخذ موقفًا مختلفًا عنه، وهو ما جعل البعض يتوقع أن هذا الرد جاء بعد ضخ السعودية أموالًا لمساندة الرئيس الأميركي؛ وهو ما اتضح بشكل أكبر بعد صمته على الانقلاب في القصر الملكي السعودي.
يبدو أن الصفقات الضخمة التي عقدها ترامب مع الخليج وساعدته في خططه الداخلية ساهمت في تداخل الخيوط بين الاعتبارات العائلية والسياسية والتجارية، ناهيك عن الاعتبارات الجغرافية الاستراتيجية والأمن القومي.
من الجدير بالذكر أن جاريد كوشنر، زوج إيفانكا ترامب، ووالده لم يتمكنا من الحصول على 500 مليون دولار من رئيس الوزراء القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني للمساعدة في إعادة تمويل مشروع استثمار مشكوك فيه، بينما أكّدت تقارير أن هناك محادثات مشتركة بين شركات كوشنر وآل ثاني.
تقول صحيفة إنترسبت، التي تحدثت عن هذه القصة، إن الصفقة إذا لم تنته تمامًا فإن ذلك يعني أن كوشنر يحاول من ناحية استخدام قوة الدبلوماسية الأميركية لتدمير دولة صغيرة. وعلى الجانب الآخر، يأمل في الحصول على كمية كبرى من الأموال لاستثمار فاشل. أما في حالة انتهاء محاولات إتمام هذه الصفقة، يمكن أن نرى أن محاولة تدمير الدول تأتي لتخويف المستثمرين الآخرين.
التكاليف
رغم الانتقادات الموجهة إلى قطر، إلا أن مستوى العدوان عليها وقلة الرغبة في التراجع عن المطالب الموجهة إليها من الأميرين محمد بن زايد آل نهيان من أبو ظبي و«بن سلمان» السعودي تعتبر مرعبة، ويبدو أن تصرفاتهما الخطيرة التي تسببت في زعزعة استقرار المنطقة لم تكن لتحدث لولا مباركتها من ترامب.
بالطبع تحتاج أميركا تجديد البنية التحتية في عديد من الولايات، ولكن محاولة الحصول على الدعم السعودي له ثمن باهظ.
اعتبر متابعون للوضع أن طريقة عرض ترامب للاستراتيجية الجيوسياسية الأميركية كورقة مساومة من أجل غاياته السياسية لم تكن متوقعة، ومن المحتمل أن يكون عرض رفع عقوبات أوكرانيا في مقابل الدعم الروسي.
من الضروري طرح الأسئلة بشأن الجانب الأخلاقي لصفقات الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع الجانب السعودي.
يبدو أن السعودية تحاول مساعدة الرئيس الأميركي لتحقيق وعوده؛ من أجل ضمان انتخابه لفترة ثانية، فهل تنجح؟