ستّ سنوات من الاضطرابات السياسية أثّرت على قطاع الأعمال في مصر، وأضافت مخاطر جمّة على الاستثمارات في القطاعات الوطنية وأرهبت المستثمرين وجعلتهم يفكرون مرارًا وتكرارًا قبل أن يخوضوا تجربة الاستثمار في مصر، ومع اكتشاف أكبر حقل للغاز بها «زهر» في 2015، وهو ما يعد مؤشرًا إيجابيًا؛ فالأمر ليس بهذه السهولة.
وسلّطت صحيفة «أويل برايس»، المعنية بأمور الطاقة، الضوء على حقل الغاز المكتشف والفرص والتحديات التي تواجه مصر بخصوصه، وهي ليست مطمئنة للمستثمرين والمواطنين على حد سواء؛ لماذا؟
قالت الصحيفة إنّ مصر تمتلك ثالث أكبر احتياطيات الغاز في إفريقيا بعد الجزائر ونيجيريا، والمركز السابع عشر على المستوى العالمي، ومع ذلك كانت إدارة خطوط أنابيب الغاز قضية مثيرة للجدل؛ ما أدى إلى مخاوف بشأن مدى جدوى الصناعة في مجال الطاقة في عهد عبدالفتاح السيسي.
تحذيرات للمستثمرين
وذكرت الصحيفة أن اكتشاف احتياطيات الغاز الشاسعة في حوض شرق المتوسط أضفى زخمًا جديدًا وأعطى الحكومة المصرية الفرصة لجذب الاستثمارات إلى قطاع النفط، بجانب الإجراءات الاقتصادية التي تتخذها الحكومة والحلول التي تطرحها باسم «تحسین حوافز الاستثمار».
لكنها تحدثت عن «هزة» كثيفة وعنيفة طالت وزارة البترول في السنوات الأخيرة، آخرها تغيير رؤساء «مصر العامة» للبترول وشركة «مصر للغاز الطبيعي» القابضة (إيغاس) في مارس 2017.
وأوضحت الصحيفة أيضًا أن تغيير رؤساء الكيانات والهيئات البترولية باستمرار أمر مثير للقلق لدى المستثمرين، ويلفت إلى خلل في مراكز صنع القرار على مستويات أعلى؛ على الرغم من أن حقل «زهر» يعد بمثابة تغيير في سياسات الطاقة في المنطقة،
كما لفتت إلى تصريحات طارق الملا، وزير البترول، في يوليو 2017، عن الانتهاء من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم سوق الغاز في ثلاثة أشهر، الذي من المفترض أن يتيح للقطاع الخاص استيراد الغاز من دول على رأسها قبرص، سواء عبر أنابيب أو سفن؛ ويهدف الوزير من اللائحة إلى تحويل مصر إلى مركز للصناعة، وتغيير الديناميات في قطاع الغاز فيها.
وأكدت الصحيفة أن رغبة السلطة المصرية في إنشاء ما يسمى «قطاع تنظيم أنشطة سوق الغاز»، وهي هيئة حكومية جديدة، كيانًا عامًا تابعًا لوزارة البترول، يعد أمرًا مثيرًا للقلق.
وحذّرت المستثمرين من المخاطر التي سيتعرضون إليها فيما يتعلق بأمور الشفافية والمساءلة؛ فمن المعروف أن السيسي يتجاوز كثيرًا عن أخطاء المسؤولين الحكوميين ورؤساء السلطات. وفي قطاع البترول، على الرغم من القرارات التي اتخذت؛ فإنّهم يظلّون المتولين والمتحكمين في الأمور، مؤكدة أن قرار الاستثمار في بيئة مثل هذه في مصر يعتبر مخاطرة كبرى للغاية.
ودللت الصحيفة على ذلك بإقالة المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، من منصبه في مارس 2016.
السيطرة الحكومية
تابعت «أويل برايس» أنه على الرغم من وجود شركات تستثمر في قطاع الطاقة، فالأمور تدار عن طريق كيانين رئيسين فقط تابعين لوزارة البترول، هما «الهيئة المصرية العامة للبترول وشركة إيغاس»، وهما الهيئتان الوحيدتان اللتان تستفيدان من موقف الدولة تجاه شركات الطاقة الدولية التي تتنافس على تراخيص الاستكشاف وعقود الإنتاج في مصر.
أوضحت الصحيفة أن الهيئة المصرية العامة للبترول منذ فترة طويلة وهي الشريان الرئيس للمشاركة في قطاع الطاقة منذ تأسيسها عام 1956، وعلى هذا النحو فإن أي كيان خاصًا مهتمًا بالطاقة ويريد الاستثمار عليه أن يواجه هذه السيطرة الحكومية المتعلقة بمجال الطاقة؛ وهو ما يأمل المستثمرون أنّ يقل حتى لو بشكل تدريجي.
التحديات والفرص
وذكرت «أويل برايس» أن مصر تواجه مفترق الطرق في قطاع الطاقة في المدتين الحالية والقادمة، ويجلب حقل الغاز «زهر» فائدة ذات شقين للسلطة السياسية في القاهرة؛ لكن تشوبهما الشك.
ومن ناحية، فإن القدرة على تلبية الطلب المحلي على الطاقة عامل محفز كبير في تطوير البنية التحتية للدولة؛ إذ تواجه مصر مشاكل في نقص الكهرباء منذ 2011، وتستورد حاليًا الغاز من الجزائر والنرويج لتلبية احتياجاتها من الكهرباء؛ وإذا ما أدير حقل الغاز بطريقة جيدة فسيوفر لها 75% من الكهرباء، كما أنه سيجلب عائدًا كبيرًا للبلد.
لكن الصحيفة استبعدت أن يحدث ذلك، خاصة مع تقرير مؤسسة جان لأعمال مكافحة الفساد عن مصر في 2017 الذي قال إنّ الشركات المساهمة في المشتريات والأعمال التجارية في مصر تواجه «مخاطر عالية للفساد»، إضافة إلى انعدام الشفافية في قطاع الموارد الطبيعية؛ ما يعطي إشارات تحذرية للمستثمرين المقبلين على ذلك.