نشر موقع «يوراسيا ريفيو» البحثي مقالًا تحليلًا سياسيًا سلّط فيه الضوء على العلاقات السرية بين المملكة العربية السعودية و«إسرائيل»، واصفها بالتحالف البارد، مركزًا على الأسباب الرئيسة لهذا التعاون الخفي ومدى ارتباطه بما يمر به الشرق الأوسط من تغيرات سياسية، ضمن سعي إيران لأن تكون دولة ذات نفوذ إقليمي.
بدأ الموقع تحليله بالإشارة إلى مقولة ملك المغرب «الحسن الثاني» في مؤتمر صحفي في ثمانينيات القرن الماضي إنّ العرب واليهود «أبناء العمومة الساميين» سيحلون نزاعاتهم ويجتمعون أسرة واحدة، وذُهل القوميون من الفكرة، واصفين العاهل المغربي بالسياسي المجنون والخائن للقضية العربية.
السعودية: عدو عدوي صديقي
لكن السعودية، وبشكل غير رسمي، دخلت في تحالف مع «إسرائيل»، التي تعتبر عدوها الأول، ووصفه «مايكل ج. توتن» المحرر في «وورلد أفيرز» بالتحالف البارد، مضيفًا أن السعوديين غير قادرين أخلاقيًا على إظهار علاقات الود هذه بشكل علني؛ لكنها تظهر من خلف الأبوب المغلقة.
وتساءل الموقع عن الأسباب التي قد تدفع دولة تعتبر زعيمة الإسلام السني إلى إقامة صداقة وتحالف سريين مع «الكيان الصهيوني»، موضحة أنه يمكن تفسيرها في الثقافة الشرق أوسطية بـ«عدو عدوي صديقي».
وأوضح أن إيران هي العدو لهم، مضيفة أن «أسنانها النووية» تنمو ببطء، ولكن بثبات؛ وتشكّل بذلك تهديدًا وجوديا لـ«إسرائيل» والسعودية ودول العالم السني.
لكن، قبل الثورة الإيرانية عام 1979، كانت «إسرائيل» حليفًا قويًا لنظام الشاه، وربما شاركت بشكل غير مباشر في تعذيب يقوم به جهاز الاستخبارات الإيراني سافاك؛ إلا أنه عندما تولى الخميني السلطة تبنى القضية الفلسطينية ووصف «إسرائيل» في خطاباته بالشيطان الصغير.
في البداية، كان الفلسطينيون سعداء بهذا التغيير السياسي من إيران. لكن، عندما بدأت في خطط لتصدير ثورتها إلى الدول السنية، تراجعت منظمة التحرير الفلسطينية ببطء في علاقتها مع إيران، بينما دعمتها حماس، وموّلت إيران أنشطتها العسكرية ضد «إسرائيل»؛ ما تسبب في جفاء وغضب في دول الخليج.
ولفت الموقع إلى محافظة الرئيس باراك أوباما على وعده الانتخابي الذي قدمه للشعب الأميركي أثناء خوضه أول انتخابات له في 2008 بانسحاب القوات الأميركية من العراق والسماح لإيران بملء الفراغ عبر مليشياتها.
وهو ما كان بداية لتصميم الجمهورية الإسلامية على تحويل الأراضي السنية إلى الدين الشيعي، وآخر مظاهر هذا التصميم والإرادة ما وصفه الموقع بالتمرد المفتوح للحوثيين في اليمن وسيطرتهم على البلاد بمساعدة مليشيات علي صالح الذي خرج عن طوع السعوديين.
الاتفاق النووي.. القشة الأخيرة
وكانت القشة الأخيرة، بحسب «يوراسيا ريفيو»، الاتفاق النووي مع إيران، الذي سمح لها بطريقة أو بأخرى أن تكون فاعلًا إقليميًا رئيسًا.
ففي الشرق الأوسط، يعتبر إعادة تنظيم السياسة الأميركية بمثابة إضعاف للعلاقات بينها وبين دول الخليج، وفي مواجهة الواقع الجديد، لم يكن أمام الملكيات الخليجية أي اختيار سوى السعي إلى بناء تحالف مع ما وصفهم الموقع بأبناء عمومتهم «إسرائيل».
بينما «مارست إسرائيل لعبة التكتم» في علاقاتها مع شيوخ النفط الأغنياء منذ عام 1948 حتى أصبحت آدابًا متأصلة في سياساتها الخارجية، مضيفة أن أوباما حقق المستحيل؛ بتوحيده المملكة العربية السعودية مع «إسرائيل»، وهذا يعتبر جانبًا إيجابيًا لأغراض إيران النووية.
ويرى المحلل السياسي الأميركي «ليون تي هدار» أنه إذا كانت إيران تشكًل تهديدًا وجوديًا لـ«إسرائيل» والسنة فربما حان الوقت لها وللعرب للتوصل إلى اتفاق بشأن القضية الفلسطينية، متسائلًا: «هل الأميركيون ملزمون بذلك؟»، لافتًا إلى أنه لم تعد هناك مصلحة أساسية لأميركا في هذا.
وأضاف أنه من مصلحة الزعماء العرب والإسرائيليين تحقيق هذا الاتفاق والعمل معًا لتأمين توازن إقليمي مستقر للسلطة في مواجهة التحديات التي تفرضها إيران، ومؤكدًا أنه إذا لم يتمكنوا من القيام بذلك عليهم أن يدفعوا الثمن وألا يتوقعوا من واشنطن أن تخرجهم من الفوضى التي ساعدوا على خلقها.
من هذا المنظور، بحسب المحلل السياسي «ليون»، قد تكون صفقة إيران الخطوة الأولى في بدء كتابة الشرق الأوسط لتاريخه الخاص بدلًا من تولي واشنطن ذلك نيابة عنه.
معنى التحالف
تساءل «يوراسيا ريفيو» عن معنى هذا التحالف على المدى الطويل، وما إذا كانت «إسرائيل» على استعداد لدفع ثمنه، موضحًا أن ذلك يعني قبولها مبادرة السلام العربية عام 2002 لإنشاء دولة فلسطينية و«حق العودة» والعودة إلى حدود ما قبل 1967 ورسم مسار الدولتين، وفي المقابل، سيعترف العرب السنة بوجود «إسرائيل» ويوقعون معاهدة سلام معها.
ولفت أيضًا إلى أن الخسارة الإقليمية لـ«إسرائيل» في هذه الصفقة ستعوض فورًا عن طريق مكافآت اقتصادية وشيطنة حماس إذا ما استمرت في علاقاتها مع إيران، لافتًا إلى أن حماس تدرك هذا التحالف الذي يتشكل ببطء وتراه، لافتًا إلى أنها تصرفت منه؛ فبحسب صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية تعاونت حماس مع مصر و«إسرائيل» بخصوص الإرهاب في سيناء.
ترامب والتحالف
وذكر الموقع أن إدارة ترامب رحّبت بهذا التحالف الجديد، لافتًا إلى أنها تستهدف منه عزل إيران وإضعاف عزمها على الحصول على أسلحة نووية، وموضحًا أنه يخدم أغراض واشنطن في المنطقة.
وفي هذا الصدد، يرى الكاتب البريطاني «جون آر برادلي» أنّ ترامب دافع عن هذا الواقع الجيوسياسي الجديد أثناء زيارتيه الأخيرتين إلى السعودية و«إسرائيل»، واصفًا إيران بأنها المحرض الرئيس للإرهاب ووراء الاضطراب في المنطقة، ومضيفًا أنه بذلك أعطى الملك سلمان ما أطلق عليه «عناق الدب الطويل» بعد أشهر من اتهام ترامب للسعودية بأنها من دعاة الإرهاب الوهابي العالمي.
وترجم هذا على الأرض بمغادرة ترامب إلى «إسرائيل» في أولى رحلة جوية تنطلق من الرياض إلى تل أبيب.
وهاجم «برادلي» سياسات البيت الأبيض، قائلًا إنّ ترامب لم يكتب الخطاب الذي قرأه ولا يعرف -حسبما قال أثناء حملته الانتخابية- الفرق بين حزب الله الشيعي في لبنان ولا حركة حماس السنية في غزة، والبيت الأبيض لم يسكنه رئيس لا يمكن السيطرة عليه أو التلاعب به منذ تولي جورج بوش الرئاسة.
فيما ختم الموقع التحليل بتذكيره مرة أخرى بمقولة الملك الحسن الثاني؛ فبالنظر إلى التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط كان محقًا، وتساءل الموقع أيضًا عن إمكانية تحقيق التزواج بين المال العربي و«إسرائيل»؛ وهو ما سنكتشفه مع الوقت.