عُرفت عمان على نطاق واسع بدورها وسيطًا هادئًا وحيويًا في الأزمات التي اندلعت في المنطقة على مدار العقود الماضية، كما ظلت بعيدة لمدة كبرى عن التقلبات التي طرأت على الدول المجاورة لها في «السعودية والإمارات وإيران واليمن»؛ لكنها تجد نفسها اليوم في منطقة خطرة مع قرب انتقال السلطة من السلطان «قابوس» إلى من يليه.
وطرحت مجلة «إنترناشيونال بوليسي دايجست» نقاشًا بشأن مستقبل السياسة الخارجية للسلطنة في ظل الجدل الدائر عن السلطان الجديد الذي لا يعرفه أحد، مؤكدة أنّ عمان تستمد أهميتها من مواقفها الخارجية؛ وهو ما ينبغي أن يركّز عليه الخليفة القادم.
وقالت المجلة إنّ مسار السياسة الخارجية في «مسقط» يعتمد كليًا على السلطان «قابوس بن سعيد آل سعيد»، البالغ من العمر ٧٦ عامًا ويحكم السلطنة منذ ٤٦ عامًا بالرغم من ظروف مرضه، كما أنه ليس لديه أبناء، وخططه لمن سيخلفه غير واضحة؛ وهنا يجدر التساؤل عما إذا كان خليفته سيحافظ على مسار السياسة الخارجية الإقليمي لمسقط أم سيعتمد مسارًا جديدًا في ضوء الحقائق والتحديات المحلية والإقليمية الجديدة.
جاء «قابوس» إلى السلطة عام 1970، بعد الإطاحة بوالده «السلطان سعيد بن تيمور السعيد» بمساعدة بريطانيا والأردن، وفي غضون 50 سنة حوّل «قابوس» عمان من دولة فقيرة قاحلة في شبه الجيزة العربية إلى دولة حديثة مزدهرة، مع احتياطيات من النفط والغاز واستثمارات أجنبية كبرى وقطاع سياحة قوي، بجانب البنية التحتية المتطورة والرعاية الصحية.
وأوضحت المجلة سبب استقرار عمان واستقرارها وبعدها عن التضرر في ثورات الربيع العربي 2011، قائلة إن ذلك بسبب أنّ «قابوس» منذ توليه السلطة خفّض معدل الأمية إلى 5.2%، وارتفع متوسط العمر إلى 76 عامًا، وينص دستورها على حرية الصحافة وحظر التمييز بين الناس على أساس الجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الدين أو الطائفة أو السكن أو المركز الاجتماعي.
إضافة إلى ذلك، ومع الزيادة الأخيرة في النشاط الإرهابي في المنطقة، لم يكن هناك أي عمانيين في صفوف الجماعات الإرهابية، وكانت نسبتها «صفر» على مقياس الإرهاب العالمي. لكن، على الرغم من استقرارها الخارجي؛ ليس مؤكدًا إن كان التحول الوشيك للسلطة في الداخل سيؤثر على سياستها الخارجية أم لا.
ثلاثة مرشحين
وبالنظر إلى الأوضاع في المنطقة، فالجدل بشأن من سيتولى الحكم في عمان جذَبَ الاهتمام مجددًا.
وينص الدستور العماني على أن عائلة «آل سعيد» الحاكمة مطالبة باختيار خليفة، بينما أوضح «قابوس» في مقابلة صحفية عام 1997 أنه عندما يموت ستجتمع أسرته لاختيار مرشح، وإذا لم تستطع فالقرار لمجلس الدفاع؛ استنادًا إلى أسماء قُدّمت إليه، مؤكدًا أنه بالفعل اختار اسمين ووضعهما في ظرف مغلق في منطقتين مختلفتين.
وقالت المجلة إنّ المتنافسين المحتملين هم أبناء عمه: «هيثم بن طارق آل سعيد، والأسعد طارق سعيد، وشهاب بن طارق آل سعيد».
يشغل هيثم حاليًا منصب وزير الثقافة، وعمل سابقًا وكيلًا لوزارة الخارجية والأمين العام لها. وعلى الرغم من خبرته في العمل السياسي الداخلي والخارجي؛ عقّد تعيين الأسعد نائبًا لرئيس الوزراء لشؤون التعاون الدولي في مارس الماضي التسلسل الهرمي.
تخرج الأسعد من «أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية»، كقادة عرب آخرين، ثم أصبح الممثل الخاص للسلطان منذ عام 2002، إضافة إلى أنه يدير شركة استثمار خاصة برأس مال ملياري دولار؛ ما يجعل الرهان عليه في تولي الخلافة عقب وفاة «قابوس». وعلى الرغم من أن «شهاب» أيضًا مستشار وثيق للسلطان وترأس البحرية الملكية حتى عام 2004؛ فإنه ليس جزءًا من مجلس الوزراء، وترتيبه الثالث في خط العرش.
قضية أساسية
وبالرغم من الاختلاف في مؤهلات المتنافسين المحتملين، فإن قضية أساسية هي شرعية السلطان القادم ومدى تقبل الجمهور له؛ ولضمان الحصول على اعتراف جدي من الجمهور لا بد أن يسير على خطى «قابوس» في التطورات التي ألحقها بالبلد والمزايا الاجتماعية التي أعطاها للشعب، مثل دعم التعليم والإسكان، وأكدت الصحيفة أنه إذا حدث إخفاق في تتبع خطى السلطان قابوس فالفراغ سيسيطر على السلطة وسيعزز التنافس بين القبائل العمانية للسيطرة على السلطنة.
لكن، على مستوى السياسة الخارجية، قالت المجلة بضرورة أن يستمر سلطان عمان المقبل في توجيه السلطنة نحو طريق الحياد والوساطة؛ فعلى مر السنين حصل «قابوس» على مكانة مرموقة في الشرق الأوسط كوسيط فعال في مجال الطاقة، ومن الأمثلة العديدة لتاريخه في الجهود التوفيقية حياده في الحرب الإيرانية العراقية (1980)، ورفض عمان غزو العراق للكويت في عام 1990، وتعليقه أنشطة مسقط مع بغداد.
وفيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي الذي طال أمده، رحّب قابوس باتفاقية «كامب ديفيد» عام 1978، ورفض المشاركة في قمة الجامعة العربية عام 1979 التي طردت مصر لتقاربها مع «إسرائيل».
وفي الجولة الثانية من الحرب الأهلية في اليمن عام 1994، بدأ السلطان «قابوس» محادثات السلام بين الجانبين في مدينة صلالة العمانية. وفي مسرح اليمن اليوم، كانت عمان بمثابة القناة الرئيسة للاتصال بين الحوثيين ومسؤولي الإدارة الأميركية؛ في محاولة للتوسط في الحرب الأهلية، كما استخدم المسؤولون في مسقط أيضًا نفوذهم التفاوضي لضمان الإفراج عن مدنيين غربيين احتجزتهم الجماعات المسلحة في اليمن منذ سيطرة الحوثيين على عاصمة البلاد في عام 2014.
كما لفتت إلى دور قابوس في الأزمة الإيرانية منذ عام 2010 وصولًا إلى توقيع الاتفاق النووي الإيراني في عام 2015؛ إذ استضاف المناقشات بين الوفود الأميركية والإيرانية (أحيانًا في منزله الخاص)، وأدى دورًا مهمًا في الوصول إلى اتفاق.
وفي عام 2011، أثناء التدخل الدولي في ليبيا بقيادة حلف شمال الأطلسي، أيّدت عمان فكرة حظر الطيران فوق ليبيا؛ لكنها ظلت محايدة بخصوص التدخل العسكري الفعلي.
وبعد أن بدأت الأزمة السورية، كانت سلطنة عمان العضو الوحيد في مجلس التعاون الخليجي الذي حافظ على علاقات دبلوماسية مع نظام الأسد ولم يدعم أي جماعة معارضة منذ اندلاع الحرب هناك. وبالإضافة إلى ذلك، توسطت بين الجماعات المناهضة للحكومة ونظام بشار.
وأخيرًا، ومنذ اندلاع أزمة قطر في يونيو الماضي، حافظت سلطنة عمان على موقفها المحايد في الوقت الذي تواصل فيه الكويت جولات واسعة من الدبلوماسية المكوكية بين السعودية والإمارات ومصر وقطر.
أهمية استقلال السلطنة
ولفتت المجلة إلى أنه لا يمكن التقليل من شأن حيادية عمان واستقلالها، ويرى خبراء أنه نظرًا لأن السياسة الخارجية المستقلة لديها تختلف بشكل كبير عن القرارات الجماعية التي يتخذها جيرانها داخل دول مجلس التعاون الخليجي التي تقودها السعودية؛ فإنها تضعف الأمن العام للمجلس.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا القلق، لايزال استقرار عمان ضروريًا للغاية للمنطقة؛ لقربها من مضيق «هرمز»، الشريان ذو الأهمية الاستراتيجية الجغرافية، حيث يمر 20% من نفط العالم منه، وللمعبر دور كبير في المواجهات بين الرياض وطهران، وإذا انحرف سلطان عمان القادم عن المسار الحالي للسياسة الخارجية فسيكون هذا المعبر مسرحًا للصراع القادم في المنطقة، مضيفة: «وهكذا، سواء كان هيثم أو الأسعد أو أي شخص آخر، يجب على العاهل العماني المقبل أن يتأكد من أن السلطنة تحتفظ بدور الوسيط المحايد».
وبعيدًا عن السلام الإقليمي، قالت المجلة إنه ينبغي على السلطان الجديد أن يحافظ على التوازن الدقيق بين السلطتين «السعودية والإيرانية» انطلاقًا من مصالح عمان؛ فعلى سبيل المثال، تتعاون عمان وإيران حاليًا على إنشاء خط غاز الطبيعي بين إيران والميناء العماني «صحار». ويعتبر خط الأنابيب أمرًا حيويًا للاقتصاد العماني؛ لامتلاكها نفطًا أقل مقارنة بجيرانها. وبالتالي، بالحفاظ على علاقات ودية نسبيًا مع إيران تكون قادرة على جني فوائد اقتصادية للبلاد.
في الوقت نفسه، من الأفضل لها أيضًا أن تحافظ على علاقاتها الحميمة نسبيًا مع المملكة العربية السعودية في حال واجهت أيّ خيبة أمل مع إيران، وبالحفاظ على توازن بين السلطتين، تستطيع عمان تنفيذ سياسة خارجية مستقلة تخدم مصالحها.
ومن المنظور الدولي، يوجد لدى الولايات المتحدة ثلاث قواعد عسكرية في عمان، وكلها استخدمت على نطاق واسع في حروب العراق؛ فأيًا كان خليفة عمان فالولايات المتحدة بحاجة إلى ضمانات للتأكيد على علاقتها الثابتة مع عمان.
وتقدم عمان، إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، الدعم العسكري واللوجيستي للقوات الأميركية المتمركزة في المنطقة. إضافة إلى ذلك، فهي ساعدت الولايات المتحدة في التفاوض مع التنظيمات المسلحة لإطلاق سراح رهائن غربيين، ويمكنها الاستفادة من صفقات مختلفة من علاقاتها الدافئة مع الولايات المتحدة؛ مثل اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، التي تعتبر مربحة للغاية لعمان.
وختمت المجلة تحليلها بأن عمان ينتظرها مستقبل غير واضح في ظل الغموض الذي يكتنف انتقال السلطة من السلطان «قابوس» إلى خليفته.