شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

«الجزيرة»: تطور التصوير الحربي على مدار العقود الماضية.. تحت خط النار

من الحرب الأهلية في لبنان إلى استيلاء تنظيم الدولة على الموصل وحلب، كيف تغير التصوير الحربي على مر السنين؟

تأثر التصوير الحربي منذ الحرب الأهلية في لبنان 1975-1990 بظهور التكنولوجيات الجديدة والإنترنت. ومع ذلك، ما زالت مسائل أخلاقية خرجت في تلك الحقبة موجودة إلى اليوم؛ بما في ذلك متى يكون التوقف عن التصوير، وكيفية تقييم المخاطر بشكل صحيح.

تحدث ثلاثة من مصوري الحرب اللبنانيين «ألين مانوكيان وباتريك باز وجورج عازار» مع قناة الجزيرة عن تجاربهم الخاصة في تغطية الصراعات، وعن العوامل التي شكّلت المهنة في العقود الأخيرة.

مصور الحرب العرضي

تقول ألين مانوكيان: «بدأتُ عملي مصورة حربية عن طريق الخطأ»؛ ففي أوائل العشرينيات، عندما عدت إلى لبنان بعد دراسة تاريخ التصوير الفوتوغرافي في الولايات المتحدة، «لم يأخذني أحد على محمل الجد في البداية، حتى لو تحملت المخاطر نفسها التي يتعرّض إليها الرجال»، وكنت أولى مصورة للحرب في لبنان.

وتذكر أنها التقطت أولى صور لها في عام 1984 في حي رأس النبع ببيروت، في الوقت الذي أحيطت فيه تمامًا بالقناصة.

ولم تعرف «ألين» هذه التفاصيل إلا بعدما سألها أحدهم عما إذا كانت ترغب في التقاط صور لعمال الإغاثة الذين يوزعون الخبز في بيروت، ووافقت على ذلك، وفي اليوم التالي وجدت نفسها داخل سيارة إسعاف تابعة للصليب الأحمر، والقذائف تمطر من جميع الاتجاهات.

وعندما أخذت الصور إلى الصحيفة المحلية، نظر إليها المحررون في صدمة: «كيف تمكنتِ من الدخول؟»، كما تقول ألين. «لا أحد يستطيع الوصول إلى هذه المنطقة»، ومنذ ذلك الحين كُلّفت رسميًا بتغطية الحرب الأهلية.

وبعد عقود من الزمن، تعترف «ألين»، وهي الآن أم، بالخوف الذي كان ينتاب والديها عندما تدخل وسط خط النار لتغطية الحرب. خطوط الهاتف كانت معطلة، ولكي ترسل الصور إلى بلدها فالأمر يستغرق منها ساعات.

أصبحت «ألين» في نهاية المطاف مديرة مكتب «رويترز»، وتلقت إشادة واسعة على صورها؛ لكنها في عام 1989 اختارت مغادرة لبنان إلى باريس، وتعهدت بألا تنزل أي حرب أخرى، بعد أن شهدت كثيرًا من العنف والموت، شعرت بأنه لا شيء يحركها أكثر من ذلك.

وتضيف: «في مرة انفجر وجه شخص أمامي وتناثرت دماؤه على وجهي». كان لهذه الصدمات العاطفية آثارها على ألين حتى اليوم؛ إذ تتعاطى الدواء لمساعدتها في التغلب على الشعور بالقلق، على الرغم من أنه لم يُشخّص باضطراب ما بعد الصدمة.

سافرت «ألين» إلى أرمينيا في عام 1988 لتغطية زلزال؛ على الرغم من كونها من أصل أرمني نفسها، شعرت بالعجز عن التعاطف مع الضحايا، وتقول: «كنت في حاجة إلى جرعة كبرى من المأساة لكي أشعر بأي شيء. كان الأمر أشبه بتعاطي المخدرات، لن تشعر بشيء إلا إذا رفعت الجرعة».

وردًا على سؤال بشأن تغطية النزاع في يوغوسلافيا في التسعينيات، قالت: «شعرت كما لو كانت قدمي في الأسمنت، لم أستطع الذهاب إلى تغطية أي حرب أخرى».

مدمن تصوير

يقول المصور الفرنسي اللبناني «باتريك باز»: «أردت دائمًا أن أكون حيث الأحداث، لم أشعر أبدًا أن لدي مهمة أخرى، أردت فقط أن ألتقط صورًا وأحكي قصة، كنت مدمنًا على ذلك»، وبدأ باتريك العمل مصورًا حربيًا في أواخر سنّ المراهقة، بعدما اندلعت الحرب في لبنان.

أصبح لبنان أرض تدريب له، وصور الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، وتذكَّر الصعوبات التي كانت تواجهه أثناء تصويره للصراع في موطنه، فيقول: «كان الأمر صعبًا جدًا؛ لأنه علي أن أكون محايدًا في بلدي المحتل».

وباعتباره مصورًا مستقلًا في لبنان، استمر في تغطية صراعات إقليمية أخرى لوكالة الأنباء الفرنسية؛ من الانتفاضة الأولى في فلسطين، إلى حرب الخليج، إلى الصراع في ليبيا وصراعات أخرى.

وأضاف: «عندما وصلتُ إلى سراييفو أصبت بصدمة. كان الجو باردًا، والقتال والقناصة في كل مكان. كانت هذه حربًا»؛ إذ كان معتادًا على الطريقة اللبنانية في الحرب، كان يعرف أنها حرب، لكنه يعرف أن بإمكانه أن يستريح ويتسامر مع أصدقائه.

ولأنه فرنسي لبناني، يقول «باتريك» إن بعض زملائه وأفراد المجتمع المحلي شككوا في حياده، وهو ادعاء يرفضه. وعرف بأنّ كونه مصورًا حربيًا يعني أنها أكثر مهنة أنانية؛ سواء كنت رجلًا أو امرأة. دائمًا ما تترك عائلتك خلفك لتتوجه إلى مهمة جديدة.

ويصف «باتريك» سنواته مصورًا حربيًا بتشبيه مثير للقلق: «إنه دواء، وتريده مرارًا وتكرارًا، وكطفل سقطت فيه وأصبحت مدمنًا». في عام 2014، كان من المفترض لباتريك أن يغطي الحرب في غزة، لكنه في النهاية أدرك أنه لا يستطيع الذهاب. كان جسده وعقله منهكين، وأدرك أنه يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة.

وعلى الرغم من أنه تلقى العلاج، شعر بأنه فقد كل الاهتمام بالحرب، ولا يريد حتى أن يطلع على قصصها، وهو اليوم يعمل في إدارة الشركات التابعة لوكالة فرانس برس، وعلى مر السنوات شعر بأنه حتى لا يتحمل إطلاق النار في المناسبات؛ إذ يشعر أنها حرب.

الجمع بين الفن والتكنولوجيا

عندما وصل «جورج عازر»، وهو أميركي من أصل لبناني، إلى بيروت في عام 1981، تحطّمت ذكريات طفولته عن زيارات الصيف إلى البلاد.

يقول جورج: «عندما عدت إلى لبنان شخصًا بالغًا، شاهدت عالمًا من الفوضى، كان الجميع فيه يمسك بندقية؛ فإذا كانت لديك بندقية لديك سلطة، العالم كان مجنونًا»، وكما وصف مصور بيروت الوثائقي، سافر جورج إلى لبنان لمواجهة ما كان يشعر بأنه تحيز وسائل الإعلام الأميركية في تغطية الصراع، وعرف منذ فترة طويلة أنه يريد أن يكون صحفيًا، وكشفت رؤيته لأولى سيارة مفخخة النطاق الحقيقي للصراع الدائر في لبنان، وقال: «اعتقدت أنني أرى سيارة انفجرت. لكن، عندما وصلت، رأيت حيًا كاملًا يُمزّق».

ويعتقد جورج أنّ المحتوى كان قادرًا على تعويض افتقاره للخبرة التقنية. لكنّ خبرته ارتفعت بعدما غطى عديدًا من الصراعات، وعمل مصورًا صحفيًا ومخرجًا وثائقيًا وحصل على جوائز.

اليوم، عاد إلى لبنان، حيث يُدرّس في الجامعة الأميركية في بيروت، وقال إنّ دافعه للعمل مصورًا حربيًا لم يكن اقتصاديًا؛ بل لأنه رآه مهمًا.

وخلافا لبعض زملائه الذين وصفوا الثمانينيات بـ«العصر الذهبي لمصوري الحرب»، فلدى جورج وجهة نظر مختلفة؛ إذ لم يكن هناك عدد كافٍ من المصورين في هذه الفترة، والمكافأة لم تكن أفضل أو أسوأ مما هي عليه اليوم، ويصف التصوير الفوتوغرافي بأنه يجمع بين الفن والتكنولوجيا.

ويتذكر جورج حادثة واجه فيها سؤالًا أخلاقيًا، ما إذا كان عليه أن يصور أم لا؛ ففي يوم من نوفمبر 2006 لم يظهر سائقه الخاص، وسمع أنه أصيب بنيران المدفعية الإسرائيلية، وعندما ذهب إلى بيته وجده غارقًا في دمائه، واجه حينها المسألة الأخلاقية؛ لكنه توصل حينها إلى أنه لا بد أن يصور حتى تكون لقطة مسجلة للتاريخ.

مهنة متغيرة

ترى ألين أنّ ما تغير جذريًا منذ الحرب الأهلية في لبنان هو تنامي الوعي بأهمية الصورة في تشكيل الرأي العام؛ فالتقاط الصور في الثمانينيات كان أكثر تجريدية مما عليه اليوم، وأصبحت الصور أدوات نفوذ متزايدة الأهمية، وأصبحت للمصورين الصحفيين أهداف أكبر.

وتضيف: إذا لم يكونوا يريدونك هناك فسيطلقون النار عليك، توافقها مصورة الحرب الأميركية «كيت بروكس» على أن هذه المهمة أصبحت أكثر خطورة بكثير من أي وقت مضى؛ فخطر الاختطاف والتعرض إلى إطلاق النار من مختلف أنواع الأسلحة يجعلها شديدة الخطورة.

كما أعطت شبكات التواصل الاجتماعي الوسيلة للتحقق من مدى حيادية المصور الصحفي، الذي بات معروفًا عما سبق، وتطورت المعدات مثل العدسات ومستشعرات الكاميرا، وأصبح من الممكن استخدام كاميرا الموبايل لالتقاط الصور.

وتقول شبكة «الجزيرة»: يرى جورج أنّ الوضع في منطقة الحرب أكبر بكثير من أي فرد، والذي يقول إن «الناس يبالغون في قدرتك على التأثير عليها، فهناك بعض الأوقات التي يجب أن تتصرف فيها».

فيما تقول «ألين» إنّ الصورة التي التقطت في حلب لطفل يجلس في سيارة إسعاف بسوريا وتداولت واجهت انتقادات شديدة؛ لوجود مسعفين خارج إطار الصورة، والذين ينتقدون مثل هذه الحالات لا يعرفون معنى أن تكون وسط حرب، ومضيفة: «كل واحد يؤدي أفضل ما يستطيع في عمله، وكل إنسان له دور محدد، ودوري أن ألتقط الصورة؛ وبالطبع يمكنك أن تمد يد المساعدة إذا شعرت بأنه يجب عليك ذلك».

هذا ما فعلته «كيت بروكس»، التي صورت التفجير الانتحاري في كابول عام 2011، تقول: «وجدت نفسي غير قادرة على التقاط الصور وانشغلت في مساعدة الجرحى».

ويستعيد «غابرييل حاييم»، المصور البرازيلي المتخصص في تغطية الصراعات، ذكريات سبعة أشهر قضاها على الخطوط الأمامية في الموصل (العراق). وكثيرًا ما كان ينزل كاميرته لمساعدة المدنيين. ويضيف: «كل صورة ألتقطها تعرض حقيقة ما يجري على الأرض؛ وهو ما يجعل الشخص يتساءل عن سبب وجوده عند النظر إلى اللقطة، ويحفزني الأمر على الاستمرار». ومع ذلك، فإنه يدفع الثمن؛ كونه بعيدًا عن أهله وموطنه.

وفيما يتعلق بجنس المصور الحربي ونوعه، تقول ألين إنّ «الوضع ما زال بحاجة إلى تحسين، وعلى الرغم من ذلك هناك مزايا لكونك امرأة تصور الحرب؛ إذ نعتبر أقل تهديدًا من زملائنا الذكور».

في المشهد الإعلامي المتغير بسرعة، ويكثر المصورون الهواة، يؤكد جورج وآخرون أهمية وجود محرر صور جيد يمكنه تقييم جودة الصور التي تُقدّمه. وفي الوقت نفسه، تواصل المخاطر والمعضلات الأخلاقية الكامنة في المهنة النمو توازيًا مع أهمية التصوير كوسيلة لتوثيق مناطق الصراع في جميع أنحاء العالم.

المصدر



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023