قبل أسابيع من الهجوم الذي وقع الخميس الماضي في برشلونة، نشرت مجلة تنظيم الدولة مقالًا مصورًا ينصح بنوع معين من السيارات تحصد أكبر عدد من المشاة في هجمات الدعس. ووصف المقال، الذي نشر في مجلة «رومية»، السيارة المثالية بأنها لا بد أن تكون كبيرة الحجم وثقيلة الوزن مع هيكل مرفوع يمكن أن يزيل القيود والحواجز. كما ينبغي أن تكون سريعة؛ لضمان أقصى قدر من الضحايا.
هذه هي خطة تنظيم الدولة إذا هُزم على الأرض، لكنه يملك منصات أكثر أهمية، منها يوجه مريديه حتى لو لم يكونوا على اتصال مباشر. تنظيم الدولة لم يمت مثلما قالت صحيفة «ستارز ستريبس» المعنية بالتحليلات العسكرية؛ كيف؟
قالت الصحيفة: ليس واضحًا ما إذا كان منفذو هجوم برشلونة قرؤوا المقال أم لا؛ لكنهم يبدو أنهم حاولوا اتباع النصائح الواردة فيه، خاصة أنّ المشتبه فيهم سعوا إلى استئجار شاحنة كبيرة وثقيلة، ثم توجهوا إلى ساحة مزدحمة بالمارة، كما ذكر المقال بشكل حرفي.
ولا تزال السلطات الإسبانية تحقق في ما إذا كان القتل في برشلونة موجهًا من تنظيم الدولة أم غيره، لكن خبراء الإرهاب يقولون إن الآلة الدعائية الهائلة لتنظيم الدولة، بوصفاتها المفصلة لكيفية قتل أكبر عدد من الناس، لا تزال تشكل المحرك الرئيس للأعمال الإرهابية في جميع أنحاء العالم، حتى في الوقت الذي يعاني فيه المسلحون من خسائر في ساحة المعارك.
وعلى الرغم من أن تنظيم الدولة فقد أكثر من نصف ملاذه السابق في العراق وسوريا، لا يزال وجوده على الإنترنت قويًا بشكل مذهل. وفي الأسابيع التي سبقت هجوم برشلونة، أصدرت التنظيم ما لا يقل عن 12 شريط فيديو جديدًا أو مقالًا عبر الإنترنت بشكل يومي، معظمها يهدف إلى حشد المؤيدين أو تشجيع المتعاطفين على القتل باسمها. وقد حثت منشورات أخيرة أتباع التنظيم صراحة على تحويل الشاحنات إلى أسلحة إرهابية.
قالت «ريتا كاتز»، مؤسسة شركة تراقب المواقع الجهادية، إن هجمات مثل التي وقعت في برشلونة هي تذكير مؤلم بأن تنظيم الدولة أكثر من مجرد مجموعة من الأراضي؛ بل هو أيضًا شبكة افتراضية تسكن مساحات شاسعة من التضاريس السيبرانية، التي تتناسب تمامًا مع المساحات التي تحتفظ بها في سوريا والعراق وغيرها من الأماكن.
وأضافت أنه يمكن للعالم أن يفوز في كل معاركه العسكرية على الأرض في سوريا أو العراق، لكن التنظيم مستمر حتى توقف دعايته الهائلة.
وأعلن تنظيم الدولة مسؤوليته عن هجمات هذا الأسبوع على طول الساحل الشمالي الشرقي لإسبانيا، مثمنًا ما فعله «جنود الخلافة» الذين قتلوا ما لا يقل عن 14 شخصًا في هجمات منفصلة في برشلونة ومدينة كامبريلس القريبة من المنتجع، وقالت الصحيفة إنه لم تنشأ بينهم وبين التنظيم صلات تنفيذية بصورة مستقلة. موضحة أن المسؤولين في التنظيم أحيانًا ما يعتمدون على ضربات للذئاب المنفردة، التي ينفذونها بسبب دعاية التنظيم؛ على الرغم من أنهم لا يتلقون من التنظيم دعمًا.
وحثّت مواقع التنظيم عبر الإنترنت على قيادة مزيد من مثل هذه الهجمات، وناشدتهم بخلق مزيد من الفوضى. وتضيف «ريتا» أنه لا حاجة إلى السفر عبر العالم الآن، ويتحدى التحريض المستمر حتى الآن سنوات من الجهود لإسكات الدعاية الضخمة للتنظيم.
وبسبب سقوط المعاقل العراقية السابقة مثل الموصل والفلوجة، فقدت المجموعة مرافق الاستوديو والإنتاج الخاصة بها، إضافة إلى ما لا يقل عن ستة مسؤولين رئيسين ساعدوا في حملات دعائية مباشرة، كما ذكر مسؤولو مكافحة الإرهاب الأميركيون. ونتيجة لذلك؛ انخفض عدد قنوات التواصل الاجتماعي التي استخدمها المسلحون في العامين الماضيين من 40 موقعًا نشطًا في عام 2015 إلى 19 موقعًا فقط في الربيع الماضي.
ومع ذلك، حتى في شكلها المتضائل، لا تزال الذراع الإعلامية للتنظيم غزيرة بشكل ملحوظ؛ إذ تنتج في المتوسط قرابة 20 منتجًا إعلاميًا فريدًا كل يوم، بدءًا من أشرطة الفيديو التي تظهر إعدام الرهائن إلى خطوات إعداد قنبلة.
ووفقًا لتحليل هذا نشر الأسبوع لاثنين من العلماء في المركز الدولي لمكافحة الإرهاب ومقرها هولندا في لاهاي، يقولون إن حجم المحتوى الجهادي ونوعيته دليلان على استثمار مستدام ومتواصل من تنظيم اعترف منذ فترة طويلة بقوة الإنترنت لجذب أتباعه ونشر أيديولوجيته.
وأضاف التحليل أنّ كبار المسؤولين في التنظيم كانوا يستعدون بالفعل لفقدان وجودهم على الأرض (الخلافة)، عبر نشر مزيد من المواد على شبكة الإنترنت؛ لضمان أن أيديولوجيتها ستعيش حتى مع تراجع تأثيرها الإقليمي.
وقال «كولين كلارك»، عالم سياسي: «لقد استثمروا بشكل استراتيجي في هذا الأمر حتى يعيش طوال العمر»، وأضاف في مقابلة مع صحفيين أنّ تراجع الوجود الإقليمي أو على الأرض يعني أن الحملة الدعائية أصبحت أكثر أهمية كوسيلة لإدامة الخلافة للأبد.
فيما قال الخبراء إن رسائل التنظيم تحوّلت في الأشهر الأخيرة؛ ما يعكس الظروف المتغيرة، وقال المحللون إن الدوران الثقيل لأشرطة الفيديو التي تمزج فضائل الحياة داخل الخلافة في عام 2015 انتقل إلى مزيد من الصواريخ الحربية التي تركز على الهجمات الإرهابية ضد الغرب. وتقول «تارا مالر»، المحللة العسكرية السابقة لوكالة الاستخبارات المركزية، إن الرسائل تشير إلى أن الإرهابيين يتوقعون مواصلة المعارك على الرغم من أن طبيعة المعركة تتغير.
وأضافت أنّ الخلافة الافتراضية ستستمر، ويبدو في الواقع أنها تعمل على مستوى عال، موضحة أنه ليس من المفاجئ أن تستمر الهجمات الإرهابية على الخارج، لافتة إلى أن الطبيعة الدائمة للحملة الدعائية للتنظيم يجب أن تبدد أي فكرة مفادها أن هزيمة تنظيم الدولة في متناول اليد.
وختمت تارا بأننا في حاجة إلى ما هو أكثر من جهد عسكري؛ لأن الملاذات الآمنة موجودة أيضًا على الإنترنت، ولا يجب أن نفترض أن التنظيم يختفي فقط لأننا نهزمهم في ساحة المعركة.