في الشهر الماضي، توجّه مقتدى الصدر إلى جدة للقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان «مُدمّر اليمن»، وتأتي الزيارة بعد عام من دعوة «مقتدى» إلى تنظيم تظاهرات أمام سفارة الرياض ببغداد احتجاجًا على إعدام رجل الدين الشيعي «نمر النمر».
وقبل أيام، توجّه «مقتدى» إلى أبو ظبي للقاء ولي العهد الأمير محمد بن زايد.
فما الذي يحدث هنا؟
تقول صحيفة «دايلي تايمز» إنّ الصدريين مواطنون عراقيون وليسوا شيعة فقط؛ حتى إن «مقتدى الصدر» انتقد من قبل بشدة حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي، ودعم من قبله نوعًا ما رئيس الوزراء السابق نوري المالكي؛ والأهم من ذلك أنه يريد حلّ «هيئة الحشد الشعبي» المدعومة من إيران وكان لها دور أساسي في مكافحة تنظيم الدولة.
تتعلق زيارات مقتدى الصدر إلى دول مجلس التعاون بالنفوذ الإيراني والعداوة معها، لكن مغازلته بالنفوذ الإيراني لا تروي سوى جزء من القصة. في الواقع، يعارض «مقتدى» أيّ تدخل في العراق، مثلما يعارض أيضًا التدخلين «الوهابي» السعودي والتركي، ودعا العام الماضي إلى استقالة بشار الأسد؛ ما يجعله متعارضًا مع تدخلات الرياض المؤيدة للنظام في سوريا.
والفكرة القائلة إنّ بيت سعود سيحاول الاستثمار في الأغلبية الشيعية في جنوب العراق ووسطه وإرسال المساعدات الإنسانية إلى العراقيين المشردين داخليًا، كما أكّد مكتب «مقتدى»، تعارض ما تقوم به السعودية تجاه الشيعة في اليمن والمنطقة الشرقية السعودية؛ ما يجعل أغراضًا أخرى وراء الأمر.
ووعد السعوديون «بتعزيز السلطة الشيعية العربية» في النجف وكربلاء، وسينظرون أيضًا في فتح قنصلية في النجف وتشغيل رحلات جوية منها إلى الرياض، وتعارض النجف صراحة «الخميني».
ويمكن تفسير هذه المجريات بأنّ الرياض تحاول استخدام «النجف» جسرًا إلى بغداد، وهو ما أكدته رغبة ولي العهد السعودي في أن يكون رئيس الوزراء العراقي العبادي وسيطًا بين الرياض وطهران، بينما رحبت إيران بالفكرة على افتراض أنها ليست تكتيكًا سعوديًا.
وأوضحت الصحيفة أن لعبة «آل سعود» تتعلق في الغالب بانتخابات عام 2018 في العراق. لكن فكرة أنهم يريدون أن يكون «مقتدى» رجل الرياض في العراق تبدو سخيفة للغاية؛ لأنّ العبادي والمالكي سيتحالفان معًا، وقد يحصلان على أكثر من 120 مقعدًا في البرلمان؛ وفي هذه الحالة تنتهي المباراة لـ«مقتدى».
ووصفت خطوات الرياض الأخيرة باليائسة والناجمة عن هزيمتها في سوريا، التي ترتب عليها التحول إلى مواجهة «العدوان الإيراني» في العراق بدلًا من سوريا.
سوريا.. الحقائق على أرض الواقع
لا يمكن التعرّف على ما وراء مهرجان الحب الصدري السعودي في بلاد ما بين النهرين والشام في حقبة ما بعد تنظيم الدولة بالمقارنة مع حقيقة الأمر في أوائل عام 2010.
الآن، الأوضاع على الأرض السورية صارخة؛ فمسألة تغيير النظام في سوريا جلعت الأمور تتصاعد، لكن التدخل الروسي قلب الأمور رأسًا على عقب في الشرق الأوسط، الذي بدأ بتدخل الطيران الروسي وتنسيقه مع القوات القتالية على الأرض، وانتهت بمحاولات دبلوماسية لإغلاق جبهات الحرب ووقف إطلاق النار وفرض مناطق آمنة.
وظهر جيش سوري جديد بدلًا من الذين وصفتهم الصحيفة بالموتى، وأصبحت المعنويات مرتفعة الآن؛ لدرجة أن «حزب الله» ليس مضطرًا للتدخل بقوات كبرى، بعدد قليل فقط من ضباطه للتنسيق مع الوحدات السورية، بينما تبني دمشق وحدات وطنية شعبية على غرار حزب الله؛ باعتبارها العمود الفقري لقوات المقاومة في المستقبل ضد أي غزاة، مباشرة أو بالوكالة.
وفي حين استثمرت وكالة الاستخبارات المركزية «السي آي أيه» والسعودية وتركيا، المهووسون بتغيير النظام، في الفوضى التي تسبب فيها الثوار والجهاديون على حد سواء؛ استثمرت إيران بإنفاق مليارات الدولارات، وشملت دفع رواتب القوات وشراء النفط وتقديم الدعم اللوجيستي وبناء المستشفيات. وبصرف النظر عن وكالة الأمن القومي الأميركية، التي تقاتل الجهاديين على الأرض، فالمليشيات الشيعية مثل حزب الله وقوات الدفاع المحلي في حلب وقوات الدفاع الوطني التي تجمع بين العلويين والسنة دعمها مستشارون عسكريون إيرانيون.
وحزب الله، من جانبه، هو أقوى اليوم مما كان عليه في عام 2006. باختصار، حزب الله هو من هزم القاعدة في سوريا، والأهم من ذلك كله أنّ مشروع «تكفيرستان»، الذي يقوم على فكرة «فرّق تسد» مات بتحطيم تنظيم الدولة والقاعدة.
وفيما يتعلق بموضوع الغاز، أحد الأسباب الرئيسة للحرب، قد تنسق إيران وقطر وتبيعان الغاز إلى أوروبا؛ ما يعني أنه لن يكون هناك شرق أوسط جديد في المستقبل المنظور، بل إن دول «الأربعة زائد واحد»، أي روسيا وسوريا وايران والعراق زائد حزب الله، أصبحت لهم اليد العليا.
متعة القيادة من خلف الكواليس
قالت الصحيفة إنّ معرض دمشق الدولي يشكّل حجر الأساس لإعادة إحياء الاقتصاد السوري، وهو المعرض الذي ستحضره كل دول منظمة «البريكس»، إضافة إلى إيران والعراق وكوبا، بينما تغيب فرنسا وبريطانيا والسعودية والولايات المتحدة.
وفيما يتعلق بالعلاقات الصينية السورية، قالت الصحيفة إنّ بكين تعتبر سوريا جزءًا من مبادرتها التي تحمل اسم «حزام واحد طريق واحد». ويُشكّل الشرق الأوسط الجديد، الذي هو قيد الإنشاء والقائم على دول الأربعة زائد واحد، أهمية كبرى للصين؛ خاصة وأن الشرق الاوسط هو المصدر الأساسي للنفط إلى الصين.
سعت الصين منذ عام 2012 إلى محاولة التوسع الاستراتيجي من آسيا الوسطى إلى الشرق الأوسط، وهو ضمن خطتها لإعادة التوازن «الجيوستراتيجي» لها. وتشكّل هذه الاستراتيجية رؤية الصين في الاتصال بدول الخليج الفارسي والبحر الأبيض المتوسط. وتعتبر سوريا مركزًا رئيسًا للشحن العابر في العراق ولبنان والشام، وإمكانية الوصول إلى البحر المتوسط منها أيضًا.
وتساهم شركة البترول الوطنية الصينية في أكبر شركتين نفطيتين في سوريا، بالإضافة إلى عقد صفقات ضخمة في مجال المساعدات الإنمائية، وتمتلك حقوقًا في واحد من أكبر حقول النفط في سوريا، وتدرك دمشق هذه السياسة الخفية للصين التي دعمت كثيرًا بقاء النظام السوري، وأحبطت بالتحالف مع روسيا خطط إدانة النظام في مجلس الأمن.
وختمت الصحيفة بأنّ «مقتدى الصدر» لن يخسر شيئًا إذا تواصل مع بكين أثناء لعبته الوهابية، التي بالفعل تقود الأمور من خلف الكواليس، وستنقض عندما يُعلن عن الفائزين الحقيقيين؛ فإذا أراد «مقتدى» إدارة لعبته بكفاءة عليه أن يتعامل مع بكين.