قالت صحيفة «فرونت بيج» إنّ عبدالفتاح السيسي يواجه مقامرة ضخمة في محاولته إحياء الاقتصاد المصري «الفاشل»؛ إذ يحاول تفعيل خطوات اتخذها سلفاه «السادات ومبارك» ولم ينجحا في تنفيذها، مؤكدة أن السيسي يسير في خطوات ثابتة نحو الفشل فيما يربو إليه؛ بسبب عوامل عدة، أبرزها الاقتصاد الموازي الذي خلقه الجيش تحت حكمه.
قالت الصحيفة إنّ السيسي يطبّق «العلاج بالصدمة» في بلد يبلغ معدل البطالة فيه -وفقًا لآفاق الاقتصاد العالمي لعام 2017 التابع لصندوق النقد الدولي- 12.3%، أي أقل بقليل من العام السابق (12.7٪). ويقدر المصدر نفسه معدل التضخم عند 18.2% (وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال المعدل أكثر من 30%) والدين العام عند 93.4%، وانخفاض التصنيف الائتماني للسندات المصرية (B- وB3).
وفي وجود هذه الأرقام الصارخة، يخفّض السيسي الدعم الغذائي والوقود، الذي ارتفعت أسعاره بنسبة 50% في يونيو، بجانب تضاعف أسعار غاز الطهي.
وقالت إن السيسي سعى إلى الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار للتعويض عن عجز الميزانية؛ ومن أجل الحصول عليه أُلزمت الحكومة المصرية بخفض الدعم الغذائي والوقود وتخفيض قيمة الجنيه المصري. ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع معدلات التضخم، في الوقت الذي يعتمد فيه عشرات الملايين من المصريين على الخبز المدعوم من الدولة.
وفي يناير 1977، اندلعت تظاهرات في الشارع المصري بعد أن خفّض السادات الدعم على السلع الغذائية الأساسية، خاصة الخبز؛ فخرج مئات الآلاف من المصريين الفقراء إلى الشوارع، وقتل وجرح المئات، وألغت الحكومة فجأة التدابير الاقتصادية «القاسية» نتيجة هذه الاحتجاجات. وبعد 30 عامًا، في 2007 و2008، ارتفعت الأسعار مرة أخرى؛ واندلعت الاحتجاجات وأوقعت قتلى.
وفي 2011، ارتفعت أسعار السلع الغذائية الأساسية كالقمح والحبوب الأخرى إلى مستوى عالٍ، بنسة تزيد على 20%، وأصبحت مصر في أواخر عهد حسني مبارك من أكبر مستوردي القمح في العالم، بجانب السياسات التي أفضت إلى القضاء على صغار مزارعي القمح وشجعت المحاصيل المخصصة للصادرات. هذا بجانب الإحباط السياسي الناجم عن الفساد والمحسوبية في عهده؛ كلها عوامل أفضت في النهاية إلى قيام ثورة يناير والإطاحة به.
لماذا توقعت الصحيفة أن يفشل السيسي؟
قالت الصحيفة إن السيسي يراهن الآن على النمو الاقتصادي، بخلق فرص عمل جديدة وجذب الاستثمارات أجنبية، لكنّ الوقت يداهمه؛ فإذا أصبح نمو الاقتصاد سريعًا والألم الاقتصادي قصير المدة سينجح السيسي، أما إذا كان النمو فاترًا ومدة العلاج بالصدمة أطول مما كان متوقعًا فسيؤثر ذلك سلبًا على الملايين من الفقراء المصريين وستدخل الطبقة الوسطى ضمن الفقراء؛ ما من شانه أن يهدد بثورة اجتماعية أخرى.
وتصل نسبة الإعانات الغذائية والطاقة في الميزانية 18%. وقال «ياروسلاف تروفيموف»، من صحيفة وول ستريت جورنال، إنّ هناك عقبات كثيرة أمام نمو الاقتصاد المصري غير إعانات الفقراء التي تتحدث عنها الحكومة وتتهمها بأنها السبب؛ فقوانين العمل في مصر التي تجعل العاملين في مرمى إطلاق النار، والبيروقراطية الحكومية الخانقة والنظام القضائي الذي لا يمكن الاعتماد عليه، إضافة إلى الاقتصاد الموازي للجيش؛ كلها عوامل تجعل الأمور أسوأ.
وكتب «محمد نصير»، سياسي ليبرالي مصري، في صحيفة «ديلي نيوز إيجيبت» أنّ «مصر كانت، وستظل، لديها إمكانات كبرى للمستثمرين. لكن، يجب أولًا تحدي البيروقراطية الحكومية، والفساد على نطاق واسع، إضافة إلى الإجراءات القانونية التي تستغرق وقتًا طويلًا، وانخفاض إنتاجية العمالة؛ وهي أمور موجودة بالفعل في مصر على أرض الواقع، وتشكّل هذه التحديات العوائق الرئيسة التي تواجه المستثمرين الراغبين في تحمّلها»، لافتًا إلى أنه التحدي الحقيقي يكمن في اتجاه الحكومة إلى تغيير رأيها فيما يتعلق بقواعد تنظيم الأعمال التجارية حتى بعد توقيعها اتفاقيات مع المستثمرين.
استجداء إنساني وليس اقتصاديًا
وقالت الصحيفة إنّ السيسي الديكتاتوري سُئل في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا: «الآن، لكي تنفّذ خططك الاقتصادية ستحتاج إلى مليارات الدولارات والاستثمارات. من أين ستأتي بالمال؟ هل من دول الخليج؟».
وكان رد السيسي بأنّ «مصر حجر الأساس للاستقرار في الشرق الأوسط، وهذه هي الرسالة التي يحتاج العالم بأسره إلى فهمها؛ فهو يحتاج لمساعدتنا في الحفاظ على حجر الزاوية في الاستقرار في المنطقة. لدينا وفد كبير جدًا من الولايات المتحدة، وربما واحد من أكبر الوفود التي أتت مصر. واستقبلنا أيضًا وفودًا تجارية مشابهة من الدول الأوروبية، والرسالة التي شاركتها معهم بشكل واضح جدًا أنه عندما تقف مع مصر والاستثمار في مصر فإنكم لا تستثمرون المال فقط؛ لكنكم أيضًا تستثمرون في تعزيز الاستقرار في مصر، وبالتالي في الشرق الأوسط وفي العالم».
وقالت الصحيفة إن هذه كانت مناشدة «إنسانية» من السيسي للعالم الغربي للوقوف بجانب مصر، كما إنّ الانتكاسات التي تتعرض إليها مصر حاليًا والاعتداءات الداخلية على المسيحيين والإرهاب في سيناء كلها أمور لا تبشر بخير للاستثمارات؛ مؤكدة أنه لا يصح أن يعتمد السيسي على الغرائز الإنسانية للمستثمرين الغربيين، الذين يكون دافعهم الرئيس للاستثمار هو الربح.