هيمنت ثلاثة أخبار على القاهرة في وقت واحد تقريبًا الأسبوع الماضي؛ إذ أعلنت الإدارة الأميركية قرارها بخفض ما يقرب من 300 مليون دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر وتأخيرها، ووصول «جاريد كوشنير» مبعوث الشرق الأوسط إلى القاهرة لدعم محادثات السلام الإقليمية، إضافة إلى طمأنة ترامب لعبدالفتاح السيسي بأنه حريص على «التغلب على العقبات» في طريق التعاون بين البلدين.
تقول صحيفة «ميدل إيست آي»، بحسب ترجمة «شبكة رصد»، إن السيسي ربما عقد حاجبيه قليلًا بعد قرار ترامب؛ لكن يبدو أنه يتماشى مع الطبيعة المتقطعة لإدارة ترامب بشكل عام، وهو ما أثبته تفاعل رد فعل مصر بدقة مع أوهام العظمة المميزة لإدارة ترامب، بينما انتقد القرار واعتبر أنه سيشكل تداعيات سلبية على المصالح المشتركة بين البلدين.
وألغت الولايات المتحدة يوم الثلاثاء الماضي مبلغ 96 مليون دولار من المساعدات إلى مصر، وعلقت 195 مليون دولار آخرين. ووفقًا لصحيفة «نيويورك تايمز»، فإن هذا التحرك كان مدفوعًا بمخاوف بشأن سجل مصر في مجال حقوق الإنسان وعلاقتها المستمرة مع كوريا الشمالية.
لكن هذه ليست النهاية كاملة، فبحسب التايمز، من الممكن أن تحصل مصر على الجزء المعلق 195 مليون دولار بنهاية 30 سبتمبر القادم، ولكن الأمر مرهون بإحراز تقدم في مجال حقوق الإنسان. لكن، بحسب «ميدل إيست»، كيف ستحرز مصر تقدمًا في مجال حقوق الإنسان والوضع كما هو عليه في مصر؟
مبدأ الثواب والعقاب
وفي حين كان خفض 96 مليون دولار من المساعدات خطوة غير مسبوقة كليًا، فإن تكتيك العصا والجزرة بحجب المعونة العسكرية مؤقتًا ليس شيئًا جديدًا؛ ففي أغسطس 2013 علّقت إدارة أوباما توريد المعدات العسكرية لمصر منذ ما يقرب من عامين في أعقاب حملة عنف ضد المتظاهرين عقب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالدكتور محمد مرسي، وقتل أكثر من ألف شخص على يد الشرطة المدعومة من الجيش في «مذبحة رابعة».
وأثار هذا القرار التوتر الدبلوماسي بين الدولتين لفترة طويلة؛ ما أثار موجة من الحملات الإعلامية المعادية للأجانب وضد الولايات المتحدة في مصر، وتخللتها نظريات مؤامرة وصفتها الصحيفة بـ«السخيفة». لكن، في مارس 2015، وجّه أوباما بإطلاق 12 طائرة لوكهيد مارتن إف -16 إلى مصر، و20 صاروخًا من طراز بوينغ هاربون، وما يصل إلى 125 من مجموعات دبابات أبرامز M1A1.
في ذلك الوقت، قال البيت الأبيض إن القرار يصب في مصلحة الأمن القومي الأميركي، والمساعدات المستقبلية ستركز على مكافحة الإرهاب وأمن الحدود والأمن البحري وأمن سيناء، حيث تنشط المجموعات «الإرهابية» في سيناء.
وبعد عامين، وصلت الحالة إلى أبعاد كارثية. فتعرّض عشرات الآلاف للحبس دون اتباع الإجراءات القانونية اللازمة، وتعرض أكثر من 900 شخص للاختفاء القسري، وعقد ما يقارب من 7400 محاكمة عسكرية لمدنيين، منذ أن وسع السيسي من نطاق الولاية العسكرية في عام 2014، بحسب «هيومن رايتس ووتش».
وفي الوقت نفسه، فإن «الحرب على الإرهاب» في سيناء أتت بنتائج عكسية تمامًا؛ إذ يواصل المسلحون المرتبطون بتنظيم الدولة قيادة هجمات منظمة على نطاق واسع على نقاط التفتيش الأمنية التابعة للشرطة والجيش، ويقومون باغتيالات سياسية بنجاح.
الحريات المقلصة
كما خُنقت وسائل الإعلام وأصبحت أكثر شمولًا من أي وقت مضى، واعترفت الحكومة علنًا بإغلاق 133 موقعًا إخباريًا بدعوى «استهدافهم تهديد الأمن القومي وتخريبه». وتولت مؤسسة أخبار اليوم الإعلامية المملوكة للدولة الشؤون المالية والإدارية لشركة «ديلي نيوز إيجيبت»، كما جُرّد مالكها «مصطفى صقر» من أصوله في ديسمبر 2016 بحجة انتمائه إلى الإخوان المسلمين.
واحتلت مصر المرتبة 161 من بين 180 بلدًا في مؤشر حرية الصحافة بلا حدود لعام 2012، متجاوزة الغالبية العظمى من البلدان الإفريقية. وفي أواخر عام 2016، أفادت لجنة حماية الصحفيين بأن مصر تحتل المرتبة الثالثة في عدد الصحفيين المحبوسين وراء القضبان بعد الصين وتركيا، مع 25 سجينًا حاليًا.
وفي حين كان من الممكن في الماضي أن تكون منظمات المجتمع المدني على رأس الجهود المبذولة لفضح هذه الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، فإن مشروع قانون الجمعيات الأهلية الذي صدق عليه السيسي في شهر مايو الماضي ويضم 87 مادة أضعف فعلًا قدرة المنظمات غير الحكومية على العمل في هذا الاتجاه.
ووفقًا للتقارير الإخبارية، يقيّد القانون المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك المخصصة للعمل الاجتماعي والإنمائي الحيوي (المؤسسات الخيرية)، كما يحظر على الجماعات المحلية والأجنبية المشاركة في مجال حقوق الإنسان أو العمل الذي يمكن أن يضر بمفاهيم «الأمن القومي أو النظام العام أو الآداب العامة أو الصحة العامة». وقد يؤدي تجاهل هذه الأوامر إلى فرض غرامات مالية تصل إلى 55 ألف دولار، والسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات.
وفي الحالات النادرة التي يمكن أن تعمل فيها هذه المنظمات، يجب عليها أن تخضع إلى السيطرة المتقلبة للأجهزة الأمنية، التي تتطلب الإذن للقيام بالعمل الميداني، وأن تتماشى مع الاحتيجات التنموية للدولة.
التكتيكيات الضارة
في الشهادة التي قُدّمت في أبريل الماضي إلى اللجنة الفرعية المعنية بالاعتمادات الخاصة بالولايات والعمليات الخارجية والبرامج ذات الصلة في مجلس الشيوخ الأميركي، تساءلت «ميشيل دان» من مؤسسة كارنيجي للسلام عن كيف يمكن للولايات المتحدة أن تواصل دعم «دولة تتبنى حكوماتها سياسة الاضطراب».
جاء تحذيرها بعد أسبوعين من إشادة ترامب بسياسات السيسي ووصفه بأنه «رجل رائع» في زيارته إلى واشنطن.
ولكن، في حين تبدو التخفيضات الأخيرة خطوة في الاتجاه الصحيح لردع نظام استبدادي في مصر؛ فالواقع يستند إلى نمط تاريخي ثابت، هو أن هذه التكتيكات لم يكن لها أيّ تأثير كبير على سجل مصر في مجال حقوق الإنسان، ولن يكون أبدًا؛ خاصة في ظل التدفق غير المحدود للدولارات الخليجية إلى خزائن القاهرة.
قالت الصحيفة أيضًا إنّ دعوة ترامب المتسرعة إلى طمأنة أكبر حليف في المنطق هي «غمزة» أيضًا إلى الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة، وهي بمثابة رفع الحجاب عن الأولويات الحقيقية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وتعتزم الولايات المتحدة استخدام المعونة للضغط على مصر بشأن علاقتها مع كوريا الشمالية؛ إذ أشار محققون من الأمم المتحدة إلى أدلة على أن تجارة الأسلحة الكورية الشمالية في الشرق الأوسط وإفريقيا تستخدم شركات أمامية مقرها في بورسعيد، وتضيف الصحيفة: «يبدو أن الولايات المتحدة تقول السيسي: لا يمكن أن تأكل الكعكة بأكملها».