وصف الكاتب السعودي جمال خاشقجي حملات القمع والترهيب التي تقودها المملكة حاليًا بـ«الأمر المروع والغريب والمتناقض»، ولم يشهد المجتمع السعودي مثله من قبل، موضحًا أنّ معظم الذين طالتهم حملة القمع الأخيرة كانوا يؤيدون ابن سلمان وأيدوا خططه الاقتصادية والاجتماعية، واستنكر مطاردة المملكة للإسلاميين وجماعة الإخوان المسلمين على الرغم من أنها «أم الإسلام السياسي»؛ حتى إنها تتجنب في قانونها مصطلح «دستور» لاعتباره علمانيًا، حسبما ذكر في مقال على «الواشنطن بوست».
بدأ الكاتب مقاله، بحسب ما ترجمت «رصد»، قائلًا: «عندما أتكلم عن الخوف والترهيب والاعتقالات والإرهاب العلني للمثقفين ورجال الدين الذين تجرؤوا على التعبير عما يدور في أذهانهم أقول لك إنني من السعودية. هل تفاجأت؟ فمع صعود ولي عهد الأمير محمد بن سلمان إلى السلطة وعد بإدخال إصلاحات اجتماعية واقتصادية، وتحدّث عن جعل السعودية أكثر انفتاحًا وتسامحًا، ووعد بأن يعالج الأمور التي تعرقل تقدمها؛ مثل حظر قيادة المرأة للسيارات».
وأضاف: «لكنّ كل ما رأيته حتى الآن هو موجة الاعتقالات الأخيرة. وفي الأسبوع الماضي، أفادت التقارير بأن السلطات احتجزت نحو 30 شخصًا قبيل صعود ولي العهد إلى العرش»، وبعض المعتقلين أصدقاء شخصيًا له، وهم جيدون، مضيفًا: «ما تفعله السعودية بالمثقفين ورجال الدين الذين يعبّرون عن آرائهم المختلفة مع القيادات السعودية أمرٌ مخجل».
وتابع: «المشهد كان مأساويًا للغاية؛ إذ اقتحم رجال الأمن المقنّعون المنازل بكاميرات، وصوروا كل شيء، وصادروا الأوراق والكتب والحواسيب، واتهموهم بتلقي أموال قطرية وأنهم جزء من المؤامرة القطرية ضد السعودية. وبجانب ذلك، يواجه كثيرون، ومنهم أنا في المنفى، خطر الاعتقال حال عودتنا إلى ديارنا».
وأضاف: «يزعجني أيضًا التحدث مع أصدقاء لي آخرين في المنفى بإسطنبول ولندن؛ فهناك على الأقل سبعة منا، هل سنكون جوهر السعوديين الشتات؟ نحن ننفق ساعات لا نهاية لها على الهاتف في محاولة لفهم هذه الموجة من الاعتقالات التي شملت صديقي ورجل الأعمال والشخصية المشهورة على تويتر عصام الزامل، الذي عاد يوم الثلاثاء الماضي من الولايات المتحدة بعد أن كان جزءًا من وفد سعودي رسمي، هذه هي الطريقة التي تتبعها المملكة العربية السعودية في التعامل معنا، الأمر مروّع جدًا، ولم نعتد على هذا في السعودية».
وقال: «فُصلت من عملي في جريدة الوطن السعودية مرتين في عام 2003 ومرة أخرى في عام 2010، وما بين هذه السنوات اُنتُدبت مستشارًا إعلاميًا للأمير تركي الفيصل، السفير السعودي لدى بريطانيا ثم الولايات المتحدة. ربما يبدو غريبًا أن تفصلني الحكومة ثم تنتدبني لخدمتها في الخارج، وهو التناقض الذي أشير إليه هنا»، مضيفًا: «بأشد العبارات، تحاول المملكة العربية السعودية تخفيف وجهات النظر المتطرفة للإصلاحيين الليبراليين ورجال الدين المحافظين، والاعتقالات الأخيرة نتيجة لهذا النهج».
وتساءل الكاتب: «لماذا انتشر هذا المناخ من الخوف والترهيب بعد إعلان زعيم شاب ذي كاريزما لإصلاحات طال انتظارها لتحفيز النمو الاقتصادي وتنويع اقتصادنا؟ لقد حظي ابن سلمان بشعبية كبرى نتيجة هذه الخطط، وحظيت بتأييد معظم رجال الدين والكتاب ونشطاء السوشيال ميديا، الذين أُلقي القبض عليهم».
لم تكن السعودية دائمًا بمثل هذا القمع، إنها الآن لا تُطاق.
وقال: «في الأشهر الأخيرة، اتّبعت السعودية سياسات جديدة ومتطرفة؛ شملت المعارضة الكاملة للإسلاميين، وإنشاء قوائم سوداء، وأدرجت المقبوض عليهم فيها، إضافة إلى مطالبة كتاب سعوديين مقربين من السلطة للدولة بالقضاء على الإسلاميين»، ومضيفًا: «لا يخفى أنّ ولي العهد يحتقر جماعة الإخوان المسلمين؛ لكنّ التناقض الغريب هو كيفية اعتبار شخص ما ناشطًا في جماعة الإخوان المسلمين، ووجدت دائمًا أنه من السخرية عندما يزعج مسؤول سعودي الإسلاميين؛ لأن السعودية هي أم كل الإسلام السياسي، وحتى إنها تصف نفسها دولة إسلامية في قانونها العالي، وتتجنب مصطلح الدستور باعتباره وصفًا علمانيًا، وكثيرًا ما تقول إن القرآن دستورنا».
وتابع أيضًا: «بغض النظر عمن يُستهدف، هذا ليس ما تحتاجه السعودية الآن؛ إننا نمر بتحوّل اقتصادي كبير يدعمه الشعب، وهو تحوّل يحررنا من الاعتماد الكلي على النفط واستعادة ثقافة العمل والإنتاج، وهذا مؤلم جدًا، ومن الأفضل أن يحظى محمد بن سلمان بتشجيع الآراء البناءة والمتنوعة من الشخصيات العامة، مثل عصام وغيرهم من الاقتصاديين ورجال الدين والمفكرين ورجال الأعمال، الذين واجهوا حملة اعتقالات بدلًا من ذلك».
وأوضح: «نشعر أنا وأصدقائي بالعجز في ظل تواجدنا في الخارج؛ فكل ما نريده ازدهار بلدنا وأن نشاهد رؤية 2030 تتحقق على أرض الواقع، ونحن لا نعارض حكومتنا؛ بل نهتم بها من أعماقنا، فهي المنزل الوحيد الذي نعرفه ونريده. ومع ذلك صُنّفنا أعداء. وتحت ضغط من حكومتي، ألغت صحيفة الحياة، واحدة من أكثر الصحف انتشار وقراءة، عمودي الذي أكتب فيه، وحظرتني الحكومة أيضًا من تويتر؛ بعدما حذّرتُ من الاحتضان المفرط جدًا للرئيس المنتخب آنذاك دونالد ترامب، وأمضيت ستة أشهر من الصمت التام، لكن صرخ قلبي معبرًا عما وصلت إليه بلدي».
وختم الخاشقجي: «منذ سنوات تألمت للقبض على أصدقائي، ولم أقل شيئًا حينها؛ لم أرد أن أفقد وظيفي أو حريتي، كنت قلقًا على عائلتي».