شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

«ذا نيشن»: اعتُقل طفلًا وأصبح رجلًا.. قصة تعذيب طفل مصري في سجون السيسي

مظاهرات الشباب في مصر - أرشيفية

قضى محمد ياسين غالبية السبعة أعوام الماضية في السجن بتهمة التظاهر. سيبلغ في الأيام القليلة المقبلة 23 عامًا، وسيقضي عيد ميلاده مثل معظم سنواته السبع الأخيرة، في السجن، بحسب صحيفة «ذا نيشن».

تضيف الصحيفة، بحسب ما ترجمت «شبكة رصد»: إذا رأيت محمد ياسين مثلما رأيته فعلى الأرجح لن تستطيع أن تحكم أنه قد سُجن وضُرب وعُذّب وصُعق بالكهرباء. يقول محرر الصحيفة: «أعيش في القاهرة منذ أربع سنوات، وتتمحور ذكرياتي عنها في المقاهي الرخيصة المنتشرة في وسط المدينة، والكراسي المتصدعة، والصبيان العاملين فيها ذوي النعال القذرة، وخراطيم المياه البالية الملتفة على الطاولات كأنها أفعى الكوبرا؛ ولكن شاحبة مريضة».

تقاوم «وسط البلد» في القاهرة دائمًا محاولات الأنظمة المتعاقبة للتقويض وتقليم الأظافر بالاستخفاف واللامبالاة. وفي المناطق المتداعية، تراخت قليلًا عادات صارمة؛ مثل ما كانت تقوم به هراوات الشرطة، التي حاولت إخضاع الجميع. في هذه المنطقة من المدينة تختلط الطبقات الاجتماعية، الشباب يصففون الشعر الطويل، والفتيات يشربن البيرة القوية، وغالبًا ما يكون وجودك هناك في حد ذاته الحماقة بعينها؛ إذ يعتريك شعور بعد منتصف الليل يجعلك تتخيل أنّ غدًا سيكون مختلفًا، غدًا سيتخلص من القمع والضغوط؛ حتى إن في هذا الغد ستختفي الشرطة.

رمز الأمل!

كان محمد ياسين غالبًا هناك، في هذا المناخ المتداعي، لا يعود إلى منزله إلا قليلًا؛ يعود ذلك جزئيًا إلى وجود مبرر قائم لاعتقاله من منزله. يظهر محمد كصبي متضارب، صغير ولديه عيون لامعة مع ابتسامة دائمة، كان يحب الضحك بينما الآخرون يحملقون بسخط، ولديه نوع من البراءة جعل الثوار الأكبر منه سنًا يعتبرونه رمزًا للأمل.

وفي ليالٍ، كان محمد ضمن دائرة الناشط السياسي أحمد حرارة على مقاهٍ في وسط البلد بالقاهرة. وأحمد حرارة ناشط سياسي فقد عينه في أحداث جمعة الغضب في 28 يناير 2011 أثناء إطلاق الشرطة النار على المتظاهرين، ثم فقد الأخرى في أحداث 19 نوفمبر بشارع محمد محمود. كان عمر أحمد أكبر بـ15 عامًا من محمد ياسين؛ ومع ذلك استقبل كلاهما الآخر بكرامة كبرى، مثل المحاربين القدامى، وليست كل جراحهما مرئية على أجسادهما.

الناشط السياسي أحمد حرارة – أرشيفية

في سجون السيسي الآن قرابة 60 ألف سجين سياسي، وأصبح محمد ياسين واحدًا منهم مرة أخرى قبل عام تقريبًا، في أكتوبر 2016؛ إذ يقضي حكمًا بالسجن في وادي النطرون، وقصته هي جزء كبير من قصة مصر في السنوات السبع الماضية.

مدافع عن الحق

يقول محرر الصحيفة: «لكي نكون صادقين، لا أعرف كثيرًا عن محمد ياسين قبل الثورة أو تاريخه العائلي. كان طفلًا من الطبقة المتوسطة، في بلد تتكون فيها الطبقة المتوسطة من الآباء المتعلمين والمهنيين، أو بمعنى أدق كان فقيرًا، وعمل في حرف كثيرة قبل اعتقاله؛ في متجر للأثاث على سبيل المثال، وتحدث كثيرًا عن رغبته في السفر؛ لكن لم تواتِه الفرصة».

كان عمره 16 عامًا حينما قُبض عليه للمرة الأولى، قبل عام 2010، أي قبل شهور قليلة من بدء الثورة؛ فبينما يجلس في مقهى رأى شرطيًا يعتدي على طفل يبلغ من العمر عشر سنوات، وعندما تدخل للدفاع عنه اعتقله شرطيان آخران وعذباه بشدة، وأمضى نحو شهر في السجن، قضاه في إذلال. وحسبما قال لصحفي قبل سنوات، تعلّم في هذه الفترة كيفية تحمّل الضرب، «أصيب ببرودة» على حد تعبيره.

وجاءت الثورة في يناير 2011. واعتقل محمد ياسين مرارًا وتكرارًا. وشارك في احتجاجات دفاعًا عن الحق في الاحتجاج، الذي قيدته الحكومة؛ وردّ المجلس العسكري، الذي استولى على السلطة من حسني مبارك، على هتافات المتظاهرين بالرصاص والدبابات.

من مظاهرات 2011 التي خلعت الرئيس حسني مبارك – أرشيفية

أقصى أمل المصريين!

واليوم، من الممكن لحفنة من المجتمعين السلميين في أي مكان أن يحصلوا على حكم بالسجن ثلاث سنوات أو أكثر أو القتل؛ مثل «شيماء الصباغ»، الشاعرة والمحامية التي عملت ناشطة وكانت أمًا، قُتلت بالرصاص على يد الشرطة وهي في طريقها لوضع الزهور في ميدان التحرير عشية الذكرى السنوية الرابعة للثورة. أما محمد ياسين، آمن بالنضال؛ لأنّ الفضاء العام يقف أمام الحرية، وأقصى أمل للمصريين اليوم أن تكون أجسامهم ملكًا لأنفسهم لا للشرطة المصرية.

وفي نوفمبر 2013، بعد خمسة أشهر تقريبًا من سيطرة السيسي على السلطة بعد انقلاب عسكري، اُعتُقل «محمد ياسين» من أمام مجلس الشورى، أثناء تظاهرة ضد قانون التظاهر. واستمر إخضاع المدنيين للمحاكمات العسكرية بعد ضبط العشرات منهم، وسُحبت النساء من ملابسهن، وجُررن إلى عربات الشرطة، وحاول محمد وغيره الدفاع عنهن؛ لكن قُبض عليه.

الشرطة تقبض على النساء والفتيات المتظاهرات في مصر – أرشيفية

وبعد إطلاق سراحه بكفالة، قُبض عليه مرة أخرى بعد شهرين في تظاهرة أخرى مناهضة للجيش، أثناء الدعوة إلى الإفراج عن السجناء، وعُذّب بالكهرباء، واُحتجز في السجن 42 يومًا؛ تعرّض فيها أيضًا إلى الاعتداء الجنسي.

وتنقّل محمد ياسين بين سجني طنطا وطرة، الذي يوصف بالسلخانة، وهو السجن الذي أودع فيه معظم المعتقلين بعد انقلاب 2013. وقال محمد لصحفي بعد كان يفكّر في قتل نفسه؛ لكن في سبتمبر 2015 أُطلق سراحه ضمن عفو ​​رئاسي سنوي.

وفي يناير التالي، توجّه ياسين إلى مظاهرة أخرى تطالب بالإفراج عن المعتقلين؛ فقُبض عليه. وهذه المرة، وفقًا لمحاميه مختار منير، من مؤسسة حرية الفكر والتعبير، احتجزوه ثلاثة أشهر قبل أن يُطلق سراحه بكفالة. وحضر بعدها احتجاجات أخرى، بما في ذلك مظاهرات تيران وصنافير في أبريل 2016 ضد قرار السيسي بإعطاء جزيرتين مصريتين في البحر الأحمر إلى المملكة العربية السعودية؛ كمكافأة لأحد الأنظمة القليلة التي توفر للديكتاتورية دعمًا ماليًا منتظمًا «السعودية». وعذبته الشرطة ثانية، ثم أُفرج عنه مرة أخرى أثناء فتح قضية ضده.

لو رأى أشعة الشمس لأحبها

بعد ذلك، اختبأ محمد، وكان ينشر أخباره بشكل دوري على صفحته في فيس بوك؛ في محاولة لشرح ما يعنيه أن يكون ناشطًا في مصر في ظل نظام صارم أشدّ من مبارك.

وفي أكتوبر 2016، سُلّم محمد إلى الشرطة. وبحلول ذلك الوقت صدر حكمان بارزان ضده غيابيًا: عامان مع الأشغال الشاقة؛ للاحتجاج دفاعًا عن المحتجزين، وخمس سنوات للتظاهر ضد تسليم الجزر المصرية. وقبل ستة أسابيع، حصل محاميه على تعليق للحكم الأخير؛ ومن المرجح أن يظل «محمد» في السجن لمدة تصل إلى سنة أخرى.

وبمرور السنوات، بدا أنّ محمد ياسين يكبر أكثر؛ لكنه كبر بانعدام للثقة في نفسه. وقال إنه قلق بسبب هذا الضعف الذي حدث له بسبب السجن، وقلق أيضًا بشأن مصيره القانوني القادم، وكتب ذلك عبر رسائله التي استطاع تهريبها لأصدقائه خارج السن ونُشرت على «الفيس بوك»، وقال في إحداها أيضًا إنه بدأ يكره أشعة الشمس؛ لحرمانه منها؛ فلو رآها سيقع في حبها، لكنّ هذه الصفحة أغلقتها الشرطة المصرية.

ديكتاتورية مغلفة بالميداليات

قالت الصحيفة إنّ ديكتاتورية السيسي المغلّفة بالميداليات «تلتهم شباب مصر»، وضربت جيلًا بأكمله؛ فمعظم أصدقاء «محمد ياسين» قُتلوا أو يحاولون المغادرة خارج مصر، وهم الذين أصابهم اليأس؛ كما لو أنّ الأمل مات في مصر وأصبح من الذكريات.

وفي الوقت نفسه، أغلقت الشرطة معظم المقاهي في وسط المدينة؛ حيث يلتقي «المعارضون ذوو الشعر الطويل»، إلى جانب إغلاق المنظمات غير الحكومية وحجب المواقع الإخبارية، وتختطف قوات الأمن المعارضين وتقتلهم، بجانب الفقر المتزايد، الذي يعزز العذاب السياسي. في عام 2016، ساعدت الولايات المتحدة وأوروبا على فرض قرض من صندوق النقد الدولي على مصر. وشملت ظروف التقشف هبوطًا كبيرًا في قيمة العملة، في بلد يعتمد على الواردات من أجل البقاء. وفي العام الماضي، بدأت المواد الغذائية الأساسية والأدوية في الاختفاء من الرفوف، وتحملت الأسر المصرية العبء من أجل الحصول على الطعام.

غلق الأمن المصري مقاهي وسط البلد – أرشيفية

ووسط حنين الأميركيين إلى الماضي، من المهم أن نتذكر أن إدارة أوباما كانت لديها طريقة خطابية ذكية حينما تتحدث عن حقوق الإنسان في مصر؛ بينما ترامب يؤيد علنًا ​​أيّ نظام يعتقد أنه يمكن أن يوفّر الاستقرار، ويغفر ضمنًا أيّ سجن أو قتل يفترض أنه قد يتطلب الاستقرار.

ورفض أوباما تأييد الإنقلاب الذي قاده السيسي في 2013، الانقلاب المتحدي لكل المدافعين عن حقوق الإنسان والحقائق الواضحة، وأخّر تسليم مصر أسلحة؛ لكن المساعدات الأخرى المتمثلة في 1.30 مليار دولار كانت مستمرة ولم تتأثر.

وفي الشهور الأخيرة، أشاد ترامب بالسيسي وقواته الأمنية، وقال إنه قام بعمل رائع، بينما علقت الخارجية الأميركية 300 مليون دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر. ولكنّ «ترامب» ليست له سياسة خارجية أصلًا؛ بل لديه «بارانويا خارجية»، وكانت أسباب التخفيضات متضاربة؛ فبينما ذكر مسؤولون في وزارة الخارجية أنها بسبب مخاوف متعلقة بحقوق الإنسان، قال محللون آخرون إنها بسبب علاقة مصر بكوريا الشمالية.

وسرعان ما ذهب «جاريد كوشنر» لطمأنة السيسي، واتصل ترامب بـ«الديكتاتور» شخصيًا للتعبير عن «حرصه» على «التغلب على أي عقبات»؛ وهو ما يذكرنا بأن ثلثي التخفيضات كانت مجرد تأخيرات على غرار أوباما يمكن استعادتها بسهولة. ومع ذلك، يدل الحادث على أنّ «الهراء» الأميركي تجاه مصر يمكن أن يتغيّر، وأن الرومانسية مع القمع حقًا يمكن أن تتعثر.

السيسي و«جاريد كوشنر» في قصر الرئاسة

وأبدى أعضاء في الكونجرس، من الجمهوريين والديمقراطيين، اهتمامًا حقيقيًا بحقوق الإنسان في مصر وأعطوها أولوية؛ مثل«باتريك ليهي وكريس ميرفي» من الحزب الديمقراطي، ومن الجمهوريين «جون ماكين وليندسي غراهام»؛ لكنّ اهتمامهم جاء بعد عقود من الأضرار التي لحقت بالولايات المتحدة في الشرق الأوسط؛ فمن الحماقة أن نفترض أنّ هذا البلد يمكنه «إنقاذ» حقوق الإنسان في مصر. ومع ذلك، فإنه يمكن، على الأقل، أن يحرم الجيش من أموال وأسلحة يستخدمها لذبح شعبه.

وختمت الصحيفة بأنّ اللامبالاة هي العائق الرئيس؛ بعدما أصبح المشهد بعد الربيع العربي محيرًا جدًا لمعظم الأميركيين لفهمه. وفي الوقت نفسه، يهدد ترامب بتحويل اليسار في الداخل وجلبه إلى صراعات محلية، والذين طالبوا بأن تتقلص العواقب العالمية للسياسة الأميركية (ما لم تكن الحرب النووية في الظل). وفي حالة مصر، قالت الصحيفة: «عندما نتحدث عن الكارثة في مصر نشعر بالحنين إلى التحذيرات العاجلة؛ لكنّ ما يحدث أنّ الأمور تعود إلى الوراء، وتخرج الكلمات متشابكة ومتداخلة، ومع ذلك أعطانا محمد ياسين الأمل.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023