في الأسابيع القليلة الماضية، أدلى المسؤولون البريطانيون ببيانات وتحركات، قدمت في الغالب دعما قويا للنظام المصري الحالي – وتجاهلت الانتهاكات المتزايدة التي يرتكبها النظام بشكل مستمر ومنهجي ضد المواطنين المصريين، وبدلا من ذلك، وجه المسؤولون البريطانيون اتهامات ضد الإسلام السياسي بشكل عام و«الإخوان المسلمين» بشكل خاص، ويبدو أن هذه التحركات تشير إلى نهج جديد من جانب الحكومة البريطانية الحالية تجاه مصر يستحق التحليل، بحسب صحيفة «ميدل إيست آي».
سياسة بريطانيا عقب الإطاحة بمرسي
وبحسب ما ترجمت «شبكة رصد»، في أعقاب الإنقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، كانت السياسة الخارجية البريطانية تجاه النظام المصري متحفظة نوعا ما، وعلى الرغم من أن المسؤولين البريطانيين فشلوا في تسمية إسقاط أول رئيس مدني منتخب في مصر بـ«الإنقلاب»، إلا أنهم كانوا حذرين في التعامل مع النظام الجديد، ولم يتم استقبال السيسي رسميا في لندن ولم يلتق رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون حتى نوفمبر 2015.
ولكن في أوائل عام 2014م، قررت الحكومة البريطانية تشكيل لجنة برئاسة «جون جنكينز» الذي عمل بعد ذلك سفيرا لبريطانيا في المملكة العربية السعودية، لإعداد تقرير عن منهجية الإخوان المسلمين وتفكيرهم، ومدى ارتباط الجماعة بالمنظمات الإرهابية، ومدى التهديد الذي تتعرض له المملكة المتحدة.
وفي ديسمبر 2015، أعلنت حكومة المملكة المتحدة أن المراجعة قد اكتملت، وفي اليوم الأخير للبرلمان قبل عطلة عيد الميلاد، أصدر «ديفيد كاميرون» بيانان أعقبه إصدار ملخص من 11 صفحة باستنتاجات التقارير والذي أشار إلى أن الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين أو الارتباط بها يمكن اعتباره مؤشرا محتملا التطرف، ولم يتم ماقشة الإستنتاجات في البرلمان حينها؛ بسبب العطلة الرسمية.
وكان من المثير للاهتمام أن الاستنتاجات المعلنة لا ترتبط بأي حال من الأحوال بأي تدخل محتمل للإخوان المسلمين في أعمال العنف أو الإرهابن وحتى الآن، لم يتم نشر التقرير الأصلي بعد، مما يثير الشكوك حول مصداقية بيان كاميرون وملخص التقرير، خاصة في ضوء المعلومات المسربة التي أشارت إلى أن التقرير لم يكن عادلا فقط لجماعة الإخوان، بل اتهما أيضا بعلاقتها بالتطرف في بريطانيا.
وفي نهاية المطاف، لم تتخذ الحكومة البريطانية أي تدابير ضد جماعة الإخوان المسلمين، ولا ضد أي من أعضائها في بريطانيا، على الرغم من الاستنتاجات التي تم تقديمها إلى مجلس العموم.
وعلاوة على ذلك، قررت سلطات الهجرة البريطانية في أغسطس 2016 أنه من الممكن لأعضاء جماعة الإخوان طلب اللجوء في بريطانيا، وهو اعتراف واضح بأن الشركات التابعة للمنظمة تتعرض للاضطهاد من قبل النظام المصري ولا تشكل أي خطر على بريطانيا، وعلاوة على ذلك، اعتبر هذا تأكيدا على أن الحكومة البريطانية لا تعتزم اتخاذ مزيد من التدابير ضد الإخوان.
ضغوط مصر والإمارات لإدانة الإخوان
في نوفمبر 2016، انتقدت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم، التي كانت في ذلك الوقت برئاسة النائب «كريسبين بلنت»، وزارة الخارجية البريطانية ونهجها في مراجعة الإخوان التي أجراها جنكينز. ولم تستبعد اللجنة احتمال أن يكون لأي بلد أجنبي تأثير غير مقبول على اللتحقيق خلال إجرائه، وكان تلك إشارة غير مباشرة إلى الضغوط التي تمارسها كل من الإمارات العربية المتحدة ومصر لكي ينتهي استعراض جنكين بإدانة جماعة الإخوان المسلمين.
وفي نهاية المطاف، خلص الاستعراض الذي أجرته اللجنة البرلمانية، والذي حصل حتى على دعم وزارة الخارجية البريطانية، إلى أنه لا ينبغي تسمية جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية أو تصنيفها على أنها جماعة تدعو إلى العنف أو تتبنى منهجية متطرفة.
تغيير بريطانيا نهجها تجاه مصر
وقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية عدة تطورات جديدة، شملت سلسلة من الرحلات الأجنبية والمقالات والبيانات الصحفية من قبل المسؤولين البريطانيين الحاليين والسابقين، والتي تشير بوضوح إلى حدوث تغيير في النهج البريطاني الحذر تجاه نظام ما بعد الانقلاب في مصر. ويبذل الجانبان خطوات نحو إقامة علاقة أكثر انفتاحا، ومواصلة الاستثمارات، وإقامة شراكات مستقبلية.
قبل كل شيء، كان هناك ميل واضح ضد ما يسمى بالإسلام السياسي، وبشكل أكثر تحديدا ضد الإخوان. واتضح هذا التحول الجديد في سلسلة الأحداث المتتالية.
أولا، في أوائل يونيو 2017، نشرت «جينكينز» مقالا ، تخلى فيه عن ملاحظاته المتوازنة والموضوعية حول الإخوان المسلمين.
وبدلا من ذلك، وجه اتهامات إلى جميع أشكال الإسلام السياسي، واتهمهم بأنهم يشكلون تهديدا للدولة القومية الحديثة، بل سعى إلى إقامة صلة بين الأفكار والمبادئ التي تتبناها جماعة الإخوان والمنظمات الإرهابية، لكن ما استرعى انتباه أحدهم في مقالته هو عدم وجود أي إشارة إلى المذابح والجرائم التي ارتكبت في أعقاب الانقلاب العسكري ضد المتعاطفين مع الإخوان والانتهاكات التي أعقبت ذلك، ومازالت مستمرة حتى الآن.
الزيارات إلى القاهرة
في الشهر الماضي، زار «أليستير بيرت»، وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بل وصوله بوقت قصير، نشر مقالا باللغة العربية في جريدة الأهرام المصرية، دعا فيه بوضوح إلى التعاون البريطاني مع النظام المصري.
كما وجه اتهامات فاحشة ضد الإخوان وأصدر تهديدات لأعضاء الجماعة المقيمين داخل المملكة المتحدة قائلا: «سيتم فرض إجراءات صارمة لمراقبة سلوك وأنشطة الإخوان المسلمين بما في ذلك طلبات الحصول على التأشيرة، كما سيتم رصد مصادر تمويل جمعياتهم الخيرية».
واحتفل السفير البريطاني لدى مصر، جون كاسون، بمقالة بيرت في تغريدة بتاريخ 24 أغسطس.
بالنسبة لمسؤول بريطاني، فإن نشر مقال باللغة العربية دون نشر النسخة الأصلية باللغة الإنجليزية هو غريب، ويبدو أن بيرت سعى إلى إخفاء محتويات عن القراء البريطانيين عمدا بسبب لغة الاسترضاء المستخدمة في التعامل مع النظام المصري.
وفي الوقت نفسه، فإن التصريحات الواردة في هذه المادة تتعارض مع السياسة العامة التي اعتمدتها الحكومة البريطانية حتى وقت قريب نسبيا، وتتناقض مع القيم والمبادئ البريطانية التي تدعم الديمقراطية.
وتزامن زيارة بيرت إلى القاهرة مع زيارة أخرى من نوعها قام بها وزير الخارجية البريطاني «بوريس جونسون» إلى بنغازي، حيث التقى «خليفة حفتر» رئيس ما يسمى بالجيش الوطني الليبي، واتهم حفتر، الذي هو حليف قوي للنظام المصري الحالي، من قبل العديد من منظمات حقوق الإنسان الدولية والكيانات القانونية بارتكاب جرائم حرب ضد الليبيين.
وخلال اجتماعهم، طلب جونسون من حفتر أن يلعب دورا في العملية السياسية الليبية، وينظر إلى هذه الزيارة على أنها شكل من أشكال الاعتراف السياسي لحفتر، وتمهد الطريق لمزاولة الأعمال معه.
بالإضافة إلى الدعم العسكري والسياسي الذي يستقبله حفتر من مصر والإمارات العربية المتحدة، فإن زيارة جونسون تمنحه اعترافا دوليا إضافيا كشريك في أي تسوية سياسية مقبلة للأزمة الليبية على الرغم من انحرافه عن الإجماع الوطني الذي تمثله الحكومة الوطنية ولدت من اجتماعات الصخيرات التي ترعاها الأمم المتحدة.
وبعد يومين من زيارة «بيرت» لمصر، زار «تشارلز فار»، رئيس رئيس جهاز الاستخبارات البريطاني، مصر في 26 أغسطس. وقد بدا واضحا أن الزيارة كانت جزءا من المبادرة الجديدة التي أطلقها «بيرت»، وذكر أن التعاون الأمنى بين الجانبين المصرى والبريطانى قد نوقش خلال الزيارة.
ومن الجدير بالذكر أن «فار» كان جزءا من اللجنة، جنبا إلى جنب مع جنكينز، التي استعرضت أنشطة الإخوان ومدى تشكيلها خطرا على بريطانيا، وكان القسم المسؤول عنه فار، أشاد من قبل بجماعة الإخوان والدور الذي لعبته داخل بريطانيا في جهود مكافحة التطرف واستشهد بحوادث محددة وموثقة.
وأخيرا، أعلن السفير البريطاني في القاهرة «جون كاسون» في بداية الشهر الجاري أن وفدا تجاريا بريطانيا سيزور القاهرة في الأسابيع المقبلة لفتح آفاق جديدة للاستثمار في مصر، وأضاف أنه سيتم الإعلان خلال الزيارة عن مجموعة جديدة من الاستثمارات البريطانية في البنية التحتية المحلية بما في ذلك الشركات التي ستستثمر في البلاد للمرة الأولى.
وتفتح الحكومة البريطانية أبواب الصفقات والعقود وتحصد مكاسب مادية من دعمها، فيما تتجاهل تماما الجرائم والانتهاكات التي يرتكبها النظام.
تأرجح السياسة البريطانية
في ضوء التصريحات والزيارات التي قام بها المسؤولون البريطانيون الذين زاروا مصر مؤخرا، يمكن للمرء أن يكتشف العديد من الدوافع المحتملة التي قد تفسر الاتجاه الجديد في السياسة الخارجية البريطانية تجاه النظام المصري، وبالتالي نحو الشرق الأوسط بشكل عام.
في البداية، أدت الهجمات الإرهابية في «مانشستر ولندن» في مايو ويونيو إلى موجة من الانتقادات بشأن الطريقة التي تعاملت بها الحكومة البريطانية مع الإسلاميين بشكل عام. وهو ما يفسر تصريحات المسؤولين البريطانيين حول ارتباط الإسلام السياسي بالهجمات الإرهابية في جميع أنحاء أوروبا، وعلى نطاق أوسع في العالم؛ وقد لجأوا إلى هذا الخطاب لتبرير تحسين العلاقات مع الحكومات الاستبدادية في المنطقة، وخاصة في مجال الأمن.
وبالإضافة إلى ذلك، من خلال عدة قنوات مختلفة من عام 2012 إلى عام 2014 وقبل الاستعراض المعلن، ذكر أن المواطنين الإماراتيين فرضوا ضغوطا كبيرة على بريطانيا للقضاء على جماعة الإخوان مقابل صفقات مربحة للأسلحة والزيوت.
وفي عام 2014 حذر سفير المملكة المتحدة لدى دولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس نادي «مانشستر سيتي»، من أن المملكة المتحدة «لا ترى الإخوان كما نفعل: تهديدا وجوديا ليس فقط لدولة الإمارات العربية المتحدة ولكن للمنطقة بأكملها» تقول الصحيفة «فهل بهذا تواجه بريطانيا ضغطا من الإمارات؟»
وبطبيعة الحال، لا يمكن للمرء أن يتجاهل الضغط الذي يمارسه اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا. وبطبيعة الحال أيضا، فإن النظام المصري الحالي هو أحد أهم حلفاء إسرائيل في المنطقة.
وقد يفسر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أيضا الاتجاهات الجديدة في سياستها الخارجية، وخاصة في الشرق الأوسط، وكجزء من أولوياتها خلال الفترة القادمة ستسعى بريطانيا إلى تحقيق مصالح وصفقات جديدة لتعويض الخسائر التى من المحتمل أن تتكبدها نتيجة مغادرة الاتحاد الأوروبي، في التخلي عن نهجها الحذر تجاه النظام المصري ومنح الاعتراف السياسي لحفتر، وقد تكون المملكة المتحدة تأمل في الحصول على اتفاقات والمزيد من الصفقات والاستثمارات في المنطقة.
العوامل المحفزة
في نهاية المطاف، فإن العلاقات الاستراتيجية بين بريطانيا ودول الخليج – تمثل امتدادا لدور بريطانيا الاستعماري التقليدي بكل أبعاده التاريخية والأيديولوجية والجيوستراتيجية، والتي تجعل عودة بريطانيا إلى المنطقة ودعمها الصريح لأنظمة التسلط، حتى لو كانت هذه العلاقات بعيدة كما يمكن للمرء أن يتصور من المبادئ والقيم الديمقراطية التي تدعي بريطانيا أن تلتزم بها.
ومع ذلك، يمكن فهم هذا في ضوء مسعى بريطانيا للحفاظ على مصالحها ومكاسبها ونفوذها في المنطقة، وهو أمر لم تتخلى عنه أبدا منذ أيامها الاستعمارية في منطقة الشرق الأوسط.
يبدو أن التغيير في السياسة البريطانية تجاه مصر قد أغفل حقيقة أن دعم بريطانيا المباشر والصريح للنظام الاستبدادي الذي يرتكب مستوى غير مسبوق من الانتهاكات، بما يتعارض مع القيم البريطانية المشار إليها في تقرير جنكينز وأيضا في لجنة العلاقات الخارجية قد يوفر فرضية في المستقبل لاتخاذ إجراءات قانونية ضد من يقدم الدعم لهذا النظام الاستبدادي.
قمع السيسي
وقد صدرت مؤخرا عدة تقارير دولية تؤكد ارتكاب النظام المصري لأعمال إجرامية، أحدث هذه التقارير الصادرة عن «هيومن رايتس ووتش» هذا الشهر، والذي وصف التعذيب المنهجي الذي تمارسه الأجهزة الأمنية المصرية بموجب سياسات أمر بها عبد الفتاح السيسي نفسه، ولم تكن هذه مجرد أدوات استجواب، بل أساليب للسيطرة على الشعب المصري والتعامل معه، لإبقاء السيسي في السلطة.
وقبل ذلك، أصدرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تقريرها المتعلق بمكافحة التعذيب، والذي أكد أيضا أن التعذيب يستخدم بطريقة منهجية في مصر، وينبغي ملاحقة كل من يشارك مباشرة في ارتكاب هذه الجرائم أو حتى يشجعها أو يدافع عنها.
ومن أجل المصالح والأعمال التجارية، يسعى السياسيون الدوليون، إلى توفير غطاء دولي لتلك النظم، لارتكاب جرائم تسبب معاناة هائلة لكثير من المصريين، وهي الجرائم التي تعتبرها منظمات حقوق الإنسان الدولية جرائم ضد الإنسانية.