في 12 سبتمبر، أثناء زيارته إلى «سيول»، في كوريا الجنوبية، أعلن وزير الدفاع صدقي صبحي، أن مصر ستقطع علاقاتها العسكرية مع جمهورية كوريا الشمالية، وجاء الإعلان المزعوم بعد أن دعت الولايات المتحدة وغيرها من أعضاء المجتمع الدولي مرارا الحكومة المصرية إلى قطع العلاقات مع كوريا الشمالية «المعزولة من قبل المجتمع الدولي».
وحاولت مجلة نيوزويك الأمريكية في تقرير لها ترجمته «شبكة رصد»،تفسير الأسباب التي تدفع مصر لشراء الأسلحة من كوريا الشمالية، فقد ذكرت وكالة أنباء كوريا الجنوبية الرسمية، أن مصر قطعت بالفعل علاقاتها مع كوريا الشمالية وفقا لما ذكره وزير الدفاع المصرى صدقي صبحى، وظهر ارتباك حول صحة هذه التصريحات، حيث لم تؤكدها أو تنفيها الحكومة المصرية، وأضافت الوكالة، أن مصر ستتعاون بشكل فعال مع كوريا الجنوبية ضد كوريا الشمالية التي تهدد السلام.
وقال العقيد تامر الرفاعي، المتحدث الرسمي باسم الجيش المصري، إن جميع التفاصيل المتعلقة بزيارة صبحي إلى كوريا الجنوبية مدرجة على صفحة الفيسبوك الرسمية للمتحدث الرسمي، بعد سؤاله من قبل «النيوزويك» عنها.
غير أن «بيان الفيس بوك» لم يتضمن أية معلومات عن حالة العلاقات بين مصر وكوريا الشمالية، فيما قامت وسائل الإعلام المصرية التي نشرت تعليقات صبحي ورحلته، بحذا تقاريرها لاحقا، ومن بين تلك الصحف صحيفة «المصري اليوم».
ضغط الولايات المتحدة
ويؤدي عدم الوضوح الذي يحيط بصحة التعليقات، يخلق مزيدا من الضغط على الحكومة المصرية، والتي تواجه ضغوطا أيضا متزايدة من الولايات المتحدة لتقليص علاقتها الاقتصادية مع كوريا الشمالية.
وفي 22 أغسطس أعلنت إدارة ترامب عن عزمها خفض 96 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية والعسكرية، وتأخير 195 مليون دولار أخرى، مشيرة إلى أن الإجراء جاء لمخاوف متعلقة بسجل حقوق الإنسان في مصر.
بيد أن تقارير أخرى تكهنت بأن هذه الخطوة هى جزء من استراتيجية إدارة ترامب، للضغط على مصر لقطع العلاقات مع كوريا الشمالية، لعزل الدولة عن أحد شركائها الرئيسيين.
وردا على سؤال حول هذا القرار، قال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، إن قضايا مثيرة للقلق أثيرت مع القاهرة، لكنه رفض التأكيد على ما إذا كانت علاقة مصر بكوريا الشمالية هي السبب.
العلاقات التاريخية
وقد حافظت مصر منذ فترة طويلة على علاقة مع النظام المعزول في «بيونج يانج»، وخاصة في تجارة الأسلحة.
واعتبر صناع السياسة المصريون أن كوريا الشمالية هي المصدر الرئيسي للتكنولوجيا العسكرية منذ السبعينات، وبعد دعم كوريا الشمالية لمصر في حرب أكتوبر، ووافق الرئيس السادات آنذاك، على بيع صواريخ سكود-B المنتجة من السوفيت إلى كوريا الشمالية من 1976-1981، فيما ردت كوريا الشمالية هذا الدعم من خلال تقديم مساعدات تكنولوجية إلى إنتاج مصر من الصواريخ.
وعلى الرغم من التغيرات في الحكومات المتعاقبة، حافظت مصر على تجارة الأسلحة مع كوريا الشمالية، وفي وقت قريب من عام 2015، أصدرت الأمم المتحدة تقريرا يؤكد أن شركة إدارة الملاحة البحرية الكورية الشمالية، لاعبا رئيسيا في ترتيب الشحن غير المشروع للأسلحة المهربة، عبر الأفراد والكيانات الموجودة في مصر، فضلا عن بلدان أخرى.
وأفاد التقرير بأن ممثلي شركة إدارة الملاحة البحرية الكورية، كانوا متمركزين في بورسعيد حتى عام 2011، وفي فبراير 2017، ذكر محققو الأمم المتحدة أنهم اكتشفوا أدلة على أن نشاط للتجارة في الأسلحة الكورية في الشرق الأسط وأفريقيا وشملت اتصالات عسكرية مشفرة أنظمة دفاع جوي وقذائف موجهة بالأقمار الصناعية، في الشرق الأوسط وأفريقيا، من بين مناطق أخرى.
وأضاف المحققون أن مصر وصلتها في أغسطس 2016 سفينة كورية شمالية محملة بثلاثين ألف قنبلة صاروخية من طراز بي جي-7 مخبأة في صناديق خشبية.
وبالإضافة إلى علاقاتها العسكرية المستمرة، حافظت مصر على علاقة اقتصادية قوية مع جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، وشملت الاتفاقات الاقتصادية والأمنية والإعلامية والتكنولوجية والتي مازالت مستمرة مع النظام.
وفي عام 2008، ساعدت شركة الاتصالات المصرية «أوراسكوم» المملوكة لرجل الأعمال نجيب سايرس، على إنشاء أول شبكة للهاتف المحمول من الجيل الثالث 3G في كوريا الشمالية، وبينما شكك النقاد في ما إذا كانت هذه الترتيبات تنتهك عقوبات الامم المتحدة وحظرها، وأكد «ساويرس» أنه التزم بجميع قرارات الأمم المتحدة ولم ينتهك العقوبات المفروضة، وتفيد التقارير بأن الصفقة قدمت 300 ألف عميل جديد لكوريا الشمالية، وحفزت المزيد من الاستثمارات المصرية في اقتصادها.
وقال التلفزيون الرسمي المصري، إن حجم الاستثمارات المصرية المباشرة لمجموعة «أوراسكوم» في جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، تجاوزت النصف مليار دولار؛ مما يضع الاستثمارات المصرية في مقدمة هرم الاستثمارات الأجنبية في كوريا، ومن جانبها، تصدر كوريا الشمالية سلع مختلفة إلى مصر بما في ذلك السيارات والبلاستيك والمطاط وغيرها.
كما حافظت القاهرة على علاقات دبلوماسية وثيقة مع كوريا، وهى إحدى الدول العربية الثلاث (بما فيها سوريا وفلسطين) التى لها سفارة فى «بيونج يانج»، كما أن مصر واحدة من خمس دول عربية تستضيف سفارة كوريا الشمالية على أراضيها والدول الأخرى هي سوريا والجزائر والكويت وليبيا.
وفي عام 2015، دعا عبد الفتاح السيسي، الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون إلى حضور حفل افتتاح قناة السويس الجديدة، وأرسل «كيم» رئيس مجلس الشعب الكوري، للحضر بالنيابة عنه.
وفي الوقت الذي أدانت فيه الحكومة المصرية العديد من التجارب النووية الأخيرة التي قام بها النظام الكوري الشمالي، عزا المتحدث العسكري في مقابلة تلفزيونية عام 2016 الإدانات إلى دور مصر في مجلس الأمن الدولي وضرورة اتخاذ موقف مبدئي ضد انتشار الأسلحة النووية.
وقال «أحمد أبو زيد»، المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، ردا على سؤال حول استمرار المطالب الأميركية لمصر بقطع علاقاتها مع جمهورية كوريا الشمالية، إن مصر تدير علاقاتها مع الدول الأجنبية على أساس مصالحها وأولوياتها دون مراعاة أي ضغوط قد تعرقل استقلال قرارها الوطني.
إلا أن مجلس الأمن الدولي أصدر قرار العقبات على كوريا بالإجماع، بواقع 2371 صوت من بينهم مصر، مؤكدا أن مصر تدعم عقوبات أكثر صرامة ضد كوريا الشمالية رغم العلاقات الاقتصادية والعسكرية القائمة منذ فترة طويلة بين البلدين.
وفى الوقت نفسه فإن زيارة وزير الدفاع «صبحي» الأخيرة لكوريا الجنوبية؛ تهدف إلى إظهار التزام مصر تجاه كوريا الجنوبية بتعزيز العلاقات العسكرية بين البلدين.
ومع عدم وجود تأكيد حتى الآن بشأن احتمال قطع العلاقات مع كوريا الشمالية، فقد تحاول مصر الحصول على «الكعكة وتناولها أيضا»، ومع ذلك، فإن القرار الأخير الذي اتخذته «إدارة ترامب» بحجب وتأخير المساعدات النقدية قد يكون له الأثر الأكبر على اقتصاد مصر «الهش».
ونظرا لقوتها التفاوضية الضعيفة نسبيا واعتمادها الكبير والطويل الأمد على تحالفها مع الولايات المتحدة، فقد تستسلم مصر قريبا لضغوط الولايات المتحدة بتأكيدها رسميا قطع العلاقات مع كوريا الشمالية.