في عام 1985، أثّر الكاتب الكولومبي «جابرييل جارسيا ماركيز» في العالم بروايته الشهيرة «الحب في زمن الكوليرا»، وهي أحد أعظم الأعمال الأدبية التي كُتبت. وبعد ثلاثة عقود، وبينما يدمّر الصراع اليمن ويساهم في تفشي الكوليرا؛ حان الوقت الآن لـ«السلام في زمن الكوليرا»، حسبما قالت «ذا هيل».
وأضافت الصحيفة، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّه لا يمكن أن يكون السلام المشار إليه خيالًا مليئًا بالوعود الفارغة والأهداف المراوغة؛ فبدلًا من ذلك، يجب أن يكون بناءً صادقًا مشبعًا بأهداف وآمال ملموسة، ولا يمكن تركه يموت ضحية الكوليرا، كما مات معظم الأشخاص هناك.
إضافة إلى ذلك، يتأثر الصراع في اليمن بمحيطه، فضلًا عن ديناميته الداخلية؛ سواء كانت قرارات الأمم المتحدة والإشارات التي يبعث بها المجتمع الدولي، أو تدخل التحالف العربي الذي استجاب إلى نداء الرئيس «هادي»، أو التمويل والدعم الإيرانيين للحوثيين، أو التحالف بين الحوثيين وصالح؛ وكلها عوامل تحدد مسار الصراع، سواء للأفضل أو الأسوأ.
لذلك؛ من الضروري التراجع والنظر إلى الصورة الكبرى، وتوضيح نقاط حاسمة قبل محاولة تقديم أي حلول طويلة للصراع.
أولا: اليمن ليس سوريا
يرى البعض أنّ حل أزمة اليمن معقّد مثل سوريا؛ لكنّ اليمن مختلف تمامًا، واستفاد إلى حد ما من مزايا نظام تعدد الأحزاب منذ عام 1990، وكانت هناك صحافة حرة في الماضي، وأكثر من ذلك بعد ثورة الشباب عام 2011؛ حتى استولت مليشيا الحوثي وصالح على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، والمجتمع الدولي متحد على اليمن ويدعم حكومة الرئيس هادي، واتخذت الأمم المتحدة قرارات تتناول الصراع.
والأهم من ذلك أنّ اليمن كانت لديه خارطة طريق (مبادرة مجلس التعاون الخليجي). لم تكن في مرحلة التنفيذ عندما وقع الانقلاب فقط؛ لكن نالت الموافقق وأُيّدت أيضًا في استفتاء شعبي عام 2012، وأجريت انتخابات يمنية. إضافة إلى ذلك، اُتُّفاق على نتائج مؤتمر الحوار الوطني، التي أدت إلى صياغة دستور جديد من ممثلين من طائفة واسعة من المجتمع اليمني على جميع المستويات، بما في ذلك الحوثيون.
ثانيًا: الصراع في اليمن ليس طائفيًا في طبيعته، على الأقل ليس بعد.
على مدى قرون، كان الإسلاميون المتعايشون في اليمن «الزيديون والشافعيون»، ولم يكن هناك انقسام سني شيعي على عكس أماكن أخرى في المنطقة. إضافة إلى ذلك، صلّى الزيديون والشافعيون دائمًا في المسجد نفسه، تزوجا وتعايشا وغاب التنافس الطائفي. لم يبدأ الأمر إلا بعد انقلاب صالح والحوثيين؛ فبدأ النزاع الطائفي يتبلور، وإذا استمرت الحرب أكثر من ذلك فلن نفلت منها.
ثالثًا: الحل أقرب مما يعتقد كثيرون
اتفقت جميع الأطراف في اليمن على «ثلاثة مراجع» للسلام أقرّها المجتمع الدولي؛ أولًا: مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلية تنفيذه، ثانيًا: نتائج مؤتمر الحوار الوطني، ثالثًا: قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لا سيما القرار 2216. وتشكّل هذه الإشارات إطارًا لثلاث جولات من محادثات السلام (2015-2016) تحت رعاية الأمم المتحدة وبرعاية 18 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة.
وأثناء محادثات السلام التي عُقدت في الكويت واستمرت 115 يومًا، كان الحل في متناول اليد؛ إذ تمكّن مبعوث الأمم المتحدة «إسماعيل ولد الشيخ أحمد» بمهارة من التوصّل إلى خطة تعالج قضايا جميع الأطراف ومخاوفهم؛ فاقترح أن تُناقش الترتيبات الأمنية والجانب السياسي على حد سواء، وأن يُتفق عليهما بصفتهما صفقة، وهو شرط مسبق وضعه الحوثيون، وأن يُنفّذ الأول قبل الأخير، وهو الذي يرضي الحكومة، ووافقت عليه دون تحفظات؛ لكنّ الحوثيين تراجعوا كما يفعلون دائمًا.
إذًا؛ كيف نعود إلى المسار الصحيح؟
نحن بحاجة أولًا إلى عقد جولة جديدة من محادثات السلام، وأن تكون الحكومة مستعدة وداعمة لجهود السلام التي يبذلها مبعوث الأمم المتحدة. لكن السؤال الآن: كيف يمكن إقناع الحوثيين بأن الوقت قد حان للحديث من جديد؟
على مبعوث الامم المتحدة الاستمرار في دعم اقتراحه الأخير المتعلق بمدينة وميناء الحديدة الذي قبلته الحكومة وتجنبت التدخل التدخل العسكري. فلم يعد من المسموح للحوثيين الاستمرار في استخدام ميناء الحديدة على نحو سيئ؛ كتهريب السلاح، واستغلال المساعدات، والتعاطي مع السوق السوداء.
ويعد فتح مطار صنعاء الدولي مجددًا بداية طيبة أخرى، والأمر برمته في أيدي الحوثيين وحلفائهم. وأوضحت الحكومة مرارًا أنها لا تعترض على إعادة فتح مطار صنعاء؛ بشرط السماح للمسؤولين في المطار وموظفيه بالعودة إلى مزاولة وظائفهم تحت إشراف الأمم المتحدة. ولن تسمح الحكومة للمليشيات أن تصبح بديلًا لإدارة مدنية دولية.
ومن دون الضغط على الحوثيين والرئيس السابق صالح، لن يكون هناك سلام أبدًا.
ويأمل الجميع أن يسود السلام ويعود اليمنيون مرة أخرى إلى الحرية في بلدهم؛ فعلى مر التاريخ تبدأ الصراعات وتنتهي، بطريقة أو بأخرى، والصراع في اليمن لا يختلف عنها، وسينتهي يومًا مًا؛ لكنّ الأمل في أن يكون قريبًا وبسلام مستدام.