يعتبر الاقتصاد في إقليم كتالونيا، أحد أهم الأسباب للتمسك الإسباني الشعبي والحكومي بالأقليم، في الوقت الذي لا تتوقف محاولاتة عن الانفصال، حيث تعد منطقة كتالونيا أحد أكثر الأقاليم الاسبانية ثراء، وهي منطقة صناعية، ذات نزعة استقلالية، وتعتز بهويتها ولغتها الخاصة.
ويمتد تاريخ الإقليم إلى العصور الوسطى، ويعتقد كثيرون من أهالي الإقليم أنهم أمة مستقلة عن بقية اسبانيا، حيث يتمتع بالحكم الذاتي ويعتبر «ذا قومية تاريخية».
ويقع الإقليم في أقصى شمال الشرقي لإسبانيا وتفصله جبال البرانس عن منطقة جنوب فرنسا الذي يرتبط بها الإقليم بعلاقات وثيقة.
وأغلب سكان الإقليم يعيشون في عاصمته برشلونة، التي تمثل مركزا اقتصاديا وسياسيا مهما، فضلا عن أنها نقطة جذب سياحية تحظى بشعبية كبيرة.
ويشتهر الإقليم أيضا بالصناعات التقليدية وصناعة الكيماويات والأغذية المصنعة والمعادن، فضلا عن ازدهار قطاع الخدمات به.
الفتح الإسلامي
في عام 718 الميلادي فتح مسلمو الأندلس كتالونيا، وبقيت في أيديهم بكاملها حتى عام 760 عندما بدأ الفرنجة القادمون من الأراضي الفرنسية في انتزاعها منهم شيئا فشيئا إلى أن استولوا عليها بالكامل عام 801، وكوّن الفرنجة إقطاعيات في إقليم كتالونيا من مواطنيه الأصليين تتمتع بحكم ذاتي وسلحوها جيدا لتكون تلك الإقطاعيات بمثابة حاجز دفاعي تنكسر عليه محاولات الغزو الإسلامية الأندلسية.
وكان حكام كتالونيا خاضعين لملوك الفرنجة إلى أن تمرد عليهم كونت برشلونة ويلفريد الملقب بـ«المُشعِر (كثيف الشعر)» واستقل بإقطاعيته في عام 978 وتلاه من سلالته في الحكم ابنه سونيير ثم حفيده بوريل الثاني وآخرون من نسل الأسرة.
النزاع الفرنسي الأسباني
وفي عام 1137 عرض ملك «أراغون» راميرو الثاني على كونت برشلونة رامون بيرينغير الرابع أن يزوجه ابنته بترونيلا التي ستصبح ملكة أراغون فوافق الحاكم الكتالوني على العرض وخضع بذلك لتاج أراغون الذي تكفل بعد هذا الزواج بحمايته من محاولات غزو الفرنجة.
وأصبحت كتالونيا منذ ذلك الحين محل نزاع متواصل بين تاج أراغون والتاج الفرنسي، وفي عام 1479 كان زواج الملوك الكاثوليك إيزابيل ملكة قشتالة وفرديناند ملك أراغون النواة الأولى لتكوين مملكة إسبانيا، وأصبحت كتالونيا بذلك جزءا من المملكة الإسبانية.
وثار الكتالونيون بمساعدة من الفرنسيين على التاج الإسباني في الفترة من 1640 إلى 1652 بدعوى تعديه على حقوق كتالونيا التقليدية في الحكم الذاتي خلال حرب الثلاثين عاما، بيد أن العرش الإسباني استعاد الأراضي الكتالونية ما عدا مقاطعة رسيون التي احتفظت بها فرنسا، واعترف التاج الإسباني بعد ذلك بحقوق الحكم الذاتي الكتالونية.
وفي عام 1700 توفي ملك إسبانيا كارلوس الثاني من دون وريث، وكان قد اختار وريثا له فيليبي الخامس ذا الأصول الإسبانية من أسرة بوربون الفرنسية، إلا أن مناطق كانت خاضعة لتاج أراغون -ومن بينها كتالونيا- تمردت لصالح كارلوس سليل أسرة هابسبورغ النمساوية الذي أراد أن يصبح ملك إسبانيا كارلوس الثالث فنشبت حرب الخلافة على العرش الإسباني بين أنصار فيليبي وكارلوس.
وأدى سقوط برشلونة يوم 11 سبتمبر عام 1714 في يد فيليبي الخامس إلى القضاء على آمال أسرة هابسبورغ في اعتلاء عرش إسبانيا، خاصة بعد التوقيع على معاهدة أوتريخت، وأصبح فيليبي الخامس ملكا لإسبانيا، ولكنه كان يشعر بأن سلطات كتالونيا قد خانته بعد أن أقسمت له على الولاء عام 1701 ثم تحالفت لاحقا مع غريمه فأعلن خضوع تاج أراغون وكل مقاطعاته بما فيها كتالونيا إلى تاج قشتالة عام 1716 وألغى كل المؤسسات وحقوق الحكم الذاتي الكتالونية.
وفي النصف الأخير من القرن الـ19 تحولت كتالونيا إلى مركز صناعي وأصبحت منذ ذلك الحين وباستمرار أهم المراكز الصناعية في إسبانيا وأكثرها تقدما، وبعد إعلان قيام الجمهورية الثانية في إسبانيا (1931-1939) استعادت كتالونيا مؤسسات الحكم الذاتي في عام 1932 وأصبحت اللغة الكتالونية لغة رسمية إلى جانب اللغة الإسبانية.
وفي عام 1939 استولت قوات الجنرال فرانكو على برشلونة بعد ثلاث سنوات من الحرب الأهلية، ونتيجة لذلك ألغيت المؤسسات الكتالونية وتم حظر استخدام اللغة الكتالونية في المعاملات الرسمية حتى عام 1975، وهي السنة التي توفي فيها الجنرال فرانكو الذي حكم إسبانيا بيد من حديد عبر نظام دكتاتوري.
الحكم الذاتي
وفي عام 1978 جرى استفتاء شعبي لإعادة الحياة الديمقراطية إلى إسبانيا صوت خلاله 90% من مواطني كتالونيا لصالح الدستور الإسباني الجديد الذي ينص على«وحدة الأمة الإسبانية التي لا تنفصم» و«يضمن ويعترف بحق الحكم الذاتي للقوميات والأقاليم التي تتكون منها إسبانيا» ومن بينها كتالونيا.
وفي المحصلة، فإن انفصال إقليم كتالونيا عن سلطة الحكومة المركزية الإسبانية حلم يراود سكان الإقليم، حيث نظمت سلسلة استفتاءات أكدت مطالب الأغلبية بالانفصال، غير أن مدريد كانت دائما ترفض تلك المطالب وتسعى لعرقلتها.
السياسة واللغة
مع ظهور الديمقراطية فى أسبانيا بعد وفاة فرانكو أصبح لإقليم كاتالونيا البرلمان الخاص به مع حكم ذاتى واسع النطاق.
وأدى تراجع الاقتصاد الاسباني في السنوات الأخيرة إلى تأجيج النزعة الانفصالية في كاتالونيا حيث يعتقد الكثيرون أن الإقليم يدفع أكثر مما ينبغي لمدريد.
وأجرت الحكومة الإقليمية، التي تتولى السلطة منذ انتخابات نوفمبر 2012 والمدعومة من الحزبين الانفصاليين الرئيسيين، استفتاء غير ملزم على الاستقلال عام 2014 حيث صوت 80 بالمئة بنعم، فيما اعتبرت الحكومة الأسبانية أنه ليس من حق كاتالونيا دستوريا الانفصال.
وتعد اللغة الكاتالونية لغة رسمية في الإقليم إلى جانب الاسبانية ويتم التشجيع على استخدامها في التعليم والإعلام. وأغلب سكان الإقليم يتحدثون اللغتين.
كما تنتشر اللغة الكاتالونية أيضا في فالينسيا في الجنوب وجزر البليار ومنطقة روزالين في فرنسا لذلك يعتبر القوميون في كاتالونيا أن هذه المناطق تشكل « دولا كاتالونية».