بعث الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، رسالة إلى ابنته «علا» بعد مرور مائة يوم على اعتقالها وحبسها احتياطيًا في مصر على ذمة قضية سياسية؛ طالبها فيها بالصبر والدعاء.
اعتقلت «علا» (55 عامًا) وزوجها «حسام خلف» (58 عامًا) في 30 يونيو الماضي؛ لادعاء اتهامهما بـ«الانتماء إلى جماعة أُسست مخالفة للقانون والتخطيط لتنفيذ أنشطة إرهابية تستهدف الأمن ومؤسسات الدولة»؛ على الرغم من نفيها من المحامين.
وقال يوسف القرضاوي في رسالته التي نشرها على «فيس بوك»: «علا ابنتي، شاء الله أن يجعل لك من اسمك نصيبا، فيعلي من قدرك في الدنيا والآخرة، ويثقل ميزان حسناتك، وإنك وأنت في زنزانتك الضيقة لأعلى قدرا من ظالمك في قصره المنيف، وأحب إلى الله وإلى قلوب عباده منه، وكم من مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة في أقاصي الأرض، يستغفر لك، ويسأل الله لك، ويدعو لك ولإخوانك وأخواتك المظلومين بفرج قريب، وانتقام عاجل من ظالميك، ولن تضيع هذه الدعوات في الدنيا ولا في الآخرة».
وأضاف: «أنت زوجة وأم وجدة، وامرأة مسالمة، وموظفة في سفارة بلدك، التي تحملين جنسيتها، لا علاقة لهم بعملك، ثم أنت لا تشتغلين بالسياسة، يشتغل بالسياسة زوجك، من خلال حزب الوسط، المرخص والمعترف به قانونا، ورغم ذلك اعتقلوه سنتين أو أكثر، وحوكم فلم يوجد عليه شيء، فبرأوه وأفرجوا عنه، ثم أعادوه مرة أخرى؛ لأنه زوجك».
وتساءل القرضاوي في رسالته: «لماذا يعاملونك هذه المعاملة القاسية؟! ولماذا هذا الحبس الانفرادي في زنزانة ضيقة، لا يعرف فيها ليل من نهار؟! بل لماذا الحبس أصلاً؟ ولماذا التشهير بالصحف والأخبار في أثناء المحاكمة؟ ولماذا المنع من الحقوق الأساسية، من زيارة ورعاية صحية ودواء؟!».
وتابع: «فلا ارتكتبتِ كبيرة ولا صغيرة، لا دينية ولا دنيوية، ولا شاركتِ في مظاهرة ولا مغامرة، وقد مرَّ عليك سنوات، وأنت تخرجين وتدخلين، وتسافرين وتعودين، ولم يقل لك أحد أي كلمة، فما الذي جرى اليوم؟! وكأنهم تذكروا فجأة أنك بنت القرضاوي!».
وتحدث القرضاوي عن مسيرته بقوله: «وأبوكِ يا ابنتي، قد سار بين الناس طول عمره بالدين، وتعليم الدين، فقيهاً ومفتياً، وداعياً ومعلماً، وشاعراً وكاتباً، ما خان أمته، ولا أضاع رسالتها، ولا كذب عليها في حياته منذ عرفه الناس إلى أن جاوز التسعين».
وأضاف: «زار القارات كلها، وزار البلاد المهمة، ولم يتخلف عن قضية للأمة، ولم يتكاسل عن واجب للمسلمين، وإذا كان هذا لم يعجبهم، لأنهم لا يهمهم أمر الإسلام، ولا أمته، ولا حضارتها، ولا دينها وثقافتها، فما ذنبك أنت؟ لماذا يعاقبونك أنت؟ أو لماذا يعاقبون أباك في صورتك؟!».
تهم باطلة
وهوّن عنها بالقول: «لقد حاكموا أباك، وهم لا يرونه إلا مشاركا في تجمعات الأزهر الكبرى، وهو رئيس للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ولعدد من المؤسسات العلمية والدعوية، وعضو وخبير بالمجامع الفقهية الكبرى».
وتابع: «لقد كان حين وجهوا له هذه التهم عضوا في هيئة كبار العلماء، ومجمع البحوث الإسلامية بمصر، ثم استقال منهما حين رأى أنهما لا يجتمعان من تلقاء أنفسهما لمناقشة الملمات العظمى التي تمر بها مصر، فودعه مراجعا إلى موطنه الاختياري».
وتساءل: «فلماذا يحاكمونه بتهمة غريبة: أنه شارك وهو فوق الخامسة والثمانين –آنذاك- في اقتحام السجون، وإخراج المسجونين من سجن لم يسمع به إلا حين سمع هذه التهمة، والتي لم يعلموه بها، لا في مصر ولا في قطر».
وقال مخاطباً ابنته: «فقرِّي عيناً، وانشرحي صدراً، وابتسمي ثغراً، أنتِ وزوجك، وثقي بأن دعوة صالحة تصدر من المظلومين المضيَّق عليهم في سجونهم- جديرة بأن تفسد على الظالمين دنياهم، وتجعلهم خائبين، وما ربكِ بغافل عما يعملون، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون».
ولفت إلى أنه «ما أطول أيام الظلم على المظلوم، حتى لكأن اليوم بسنة، ستنقضي إن شاء الله أيام الظلم هذه، وتعودين وزوجك لأهلك وبيتك، سالمة غانمة».
تدهور حالتها الصحية
ويوم الأحد الماضي، جدّدت نيابة أمن الدولة العليا حبس علا القرضاوي احتياطيًا 15 يومًا، وأجّلت نظر تجديد حبس زوجها حسام خلف إلى 11 أكتوبر الجاري.
وقالت أسرة القرضاوي (الاثنين) إنّ ابنته «علا» تعاني تدهورًا حادًا في حالتها الصحية، وتعرّضت إلى حالة إغماء شديدة أثناء تجديد حبسها الأخير أمام نيابة أمن الدولة العليا، وأنها تشعر بقلق شديد على حياتها بسبب ظروف احتجازها غير الآدمية والمعاملة اللاإنسانية التي تتعرض لها.
وفي أغسطس الماضي، اتخذت السلطات المصرية قرارًا بالتحفظ على أموال ستة من أبناء القرضاوي؛ بينهم «علا».
إدانات حقوقية
وسبق وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية إنّ السلطات المصرية تنتهك حقوق «علا» وزوجها حسام خلف وانتهكت مرارًا حقوقهما منذ توقيفهما في 30 يونيو الماضي، ويجدّد لهما على ذمة التحقيق منذ ذلك الحين.
وأضافت المنظمة أنهما «اُحتُجزا في الحبس الانفرادي 70 يومًا على الأقل، ورفضت السلطات السماح لذويهما ومحاميهما بزيارتهما… في ظروف سجن لاإنسانية، في زنازين انفرادية ضيقة دون نوافذ أو تهوية على مدار 24 ساعة، ولا يتلقيان الغذاء الكافي، وبدت علا وكأنها فقدت كثيرًا من وزنها».
وأصدرت منظمات حقوقية دولية بيانات أفادت بأنّ علا وحسام محتجزان في ظروف قاسية، وفي الحبس الانفرادي المتواصل تتاح لهما خمس دقائق مرة واحدة في اليوم لاستخدام الحمام خارج الزنزانة؛ فـ«مساحة زنزانة علا 1.6 متر × 1.8 متر ومن دون سرير ولا تصلها أشعة الشمس أو تتعرض إلى التهوية»، وفقًا للبيان.