أوضاعهم تزداد سوءًا، وعثورهم على وظيفة أصبح أمرًا في غاية الصعوبة، وعادة ما تكون اختياراتهم المتاحة «الفقر أو الهجرة أو الجهاد»، ومن المثير للدهشة وللسخرية في آنٍ واحد أنّ أعداد خريجي الجامعات العاطلين عن العمل أكثر من الأميين.
قال هذا تقريرٌ للإيكونوميست في 2016. وبعد عام منه أصبح الوضع أسوأ، بحسب صحيفة «ماركسيزم»، التي أرجعت ازدياد سوء الأوضاع إلى السياسات التي تبنتها حكومة عبدالفتاح السيسي وتحقيق مطامعها الشخصية على حساب الملايين من الشباب في مصر.
تقول الصحيفة، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، إنّ مصر تعد ثاني أكبر اقتصاد في إفريقيا وواحدة من أكبر اقتصاديات الشرق الأوسط، ويبلغ عدد سكانها الحالي مائة مليون نسمة، ويقيم 40% منهم في المناطق الحضرية الرئيسة، كما إنّ لديها مؤسسات تعليمية تحوز شهرة في محيطها الجغرافي. موضحة أنّ الشباب في مصر، البالغ عدهم 28 مليونًا، نزلوا إلى الشوارع في واحد من أعظم صراعات النضال الطبقي ما بين عامي 2011 و2013؛ فكيف لهم الآن أن يروا بلدهم ينزلق بشدة إلى الوراء وإلى مستويات غير معهودة من الفقر الذي لم يسبق لهم رؤية مثيل له في حياتهم.
ضرب شباب الطبقة الوسطى
وأضافت الصحيفة أنّ الشباب هم الفئة الأكثر تأثّرًا بما تمر به مصر الآن من أوضاع متدهورة؛ فأسعار البنزين فاقت حدود أجور الطبقات المتوسطة الدخل، التي يتشكّل معظمها من الشباب، كما أنّ الواردات الغذائية والطبية لم تعد متوفرة، والوظائف قليلة للغاية وشبه منعدمة، متسائلة: «هل توقّع الشباب الذين ناضلوا ضد الاستبداد مُددًا متتالية أن يتحملوا العبء الأكبر من فساد الأنظمة السابقة، والآفات الاقتصادية والاجتماعية نفسها التي خلّفوها؟».
ومنذ تحرير سعر الصرف في نوفمبر الماضي، شهدت هذه الطبقة أيضًا انهيار أساليب العيش في البلد، وهي طبقة تعتمد في مصادر دخلها أو أسرهم عمومًا على التجارة وأسواق الخدمات والاستثمار، مضيفة أنّ هذه الفئة الوحيدة الآن القادرة على إشعال فتيل ثورة ثانية.
وعلى الرغم من إغداق دول خليجية مصر بالأموال من بعد 2013، وتعافت احتياطات العملات الأجنبية في مصر؛ لم تظهر آثار الانتعاش على الطبقة المتوسطة حتى الآن، ولم تنتعش بهذه الآثار سوى الطبقة الحاكمة، في حين أزمات الإسكان مستمرة في القاهرة والإسكندرية، والتقلبات في نظامي التعليم والصحة مستمرة، وما زالت الأجور متدنية للغاية، ويزداد أيضًا معدل التضخم.
وقالت الصحيفة إنّ بيع شركات الدولة مستمر على قدمٍ وساق. وغير الشباب، تقلّصت معاشات الفئات الأكبر سنًا؛ مثل المحالين على المعاش، فهم أكثر حظًا: لديهم مساكن، وكانت لديهم خطط طويلة الأجل استطاعوا تنفيذها؛ بعكس الشباب الآن، الذين لم يعرفوا حتى الآن سوى الخصخصة وتدهور الاقتصاد، مضيفة أنّ «الأوضاع تدفعهم إلى الوراء منذ ولادتهم وحتى الآن، وما يقارب من نصفهم يكافحون من أجل وظائف لا توفّر لهم شيئًا».
يقول «عمرو»، 26 عامًا، خريج كلية حاسبات ومعلومات ويعمل حارس أمن، إنّ «في مصر لا توجد لدينا اختيارات؛ فأنت لا تختار عملك، وأقضي يومي أفكر دائمًا في مغادرة مصر». وأضاف ماجد علي، خريج جامعي ويعمل حارس أمن أيضًا: «ما نحتاجه فعلًا حاليًا مزيد من المقاهي لاستيعاب أعداد الشباب العاطلين التي تزداد».
وأضافت الصحيفة أنّ الظروف في ظل نظام عبدالفتاح السيسي أصبحت أسوأ من الأول بكثير، متوقعة ازدياد الأمور سوءًا؛ خاصة للشباب، ملخّصة مخاوفهم في «زيادة الأسعار في جميع مجالات الحياة»؛ ما يؤدي إلى تغيّر فواتير الكهرباء والمياه، وأسعار المنتجات الورقية، وحتى أسعار السيارات والمنازل، في حين أنّ الرواتب ثابتة ولا تتغير.
ويتساءل الشباب، وخصوصًا الطلاب منهم: ماذا بإمكانهم أن يفعلوا عندما يتخرجون؟! لن يكونوا قادرين على العيش، ولا أن يقدموا تعليمًا جيدًا لأطفالهم أو حتى التخطيط للعطلات والعيش بصورة مستقرة. لا يوجد شيء مضمون لهم، والأمر يزداد سوءًا.
الرغبة العامة
وقالت الصحيفة إنّ ما يمر به الشباب في مصر جزءٌ من حالة عامة أصابت كثيرًا منهم في بلدان أخرى، وهو سيناريو متكرر؛ في جنوب أوروبا على سبيل المثال، ومأزق الشعب اليوناني مع سياسات حكوماتهم، وهو الوضع الأقرب مشابهة لمصر؛ فمزيج اليأس بين الطبقات الوسطى أصبح واضحًا للغاية.
وأوضحت أنّ معظم ما يفكر فيه الشباب في الدولتين الهجرة في أقرب وقت ممكن. وفي استطلاع أجراه جهاز التعبئة العامة والإحصاء المصري في عام 2013، وجد أنّ نصف الشباب أعلنوا عن نيتهم في الهجرة إذا سنحت لهم الفرصة؛ بالرغم من أنّ معظم من شملهم الاستطلاع يعملون في وظائف.
ولنتذكر أنّ السيسي صعد إلى السلطة عقب انقلاب عسكري قاده في يونيو 2013، أطاح فيه بمحمد مرسي، وبعد إعادة إجراء الاستطلاع بعد توليه السلطة أجري مسحٌ آخر، ووجد أنّ العدد الذي أعلن عن رغبته في المغادرة نهائيا من مصر ارتفع إلى مستويات مقلقة حقًا.
وتوضح الصحيفة أنّ فكرة الهجرة تراود الشباب الفقراء في بلدان أوروبية مثل إسبانيا واليونان وإيطاليا والبرتغال، وغالبًا ما يعملون في وظائف لساعات طويلة دون أجور عادلة، وكثير ممن تمكّنوا من الهجرة يواجهون ظروفًا أخرى أصعب؛ فمعظمهم لا يتمكن من إرسال الأموال إلى ذويه في الوطن.
وأضافت أنّ معظم المصريين، ونظرًا للسياسات العنصرية التي أصبحت منتشرة لدى الدول الأوروبية تجاه القادمين من الشرق الأوسط؛ فإنّ هؤلاء المهاجرين يواجهون عقبة أخرى تضاف إلى العقبات التي واجهوها سابقًا، وكيف سيصارعون للبقاء وسط أجواء مثل هذه، متوقعة أنهم سيواجهون أيضًا تدني الأجور بسبب هذه السياسات. والاختيار الوحيد أمامهم الآن البقاء في بلدهم الأصلي مصر، والمكافحة ضد النظام الاستبدادي الموجود هناك.
أين المَخْرَج؟
قالت الصحيفة إنّ المواطنين في مصر لن يقبلوا نهب خدماتهم أو ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، والضغوط الإضافية التي تمارس على أساليب معيشتهم؛ متوقعة حدوث انفجار طبقي ضخم، سيكون أشد وطأة مما حدث في ثورة يناير، موضحة أنّ معظم من غادروا مصر لديهم هذا الاعتقاد، ويدركون جيدًا أنّ شيئًا ما قادمًا.
وأضافت أنّه إذا استمرت سياسات النظام على نهجها الحالي فالإحباط الناجم عن سياساتها لن ينتج عنه سوى حرب أهلية مشابهة لتلك التي تجري في سوريا الآن منذ عام 2011.
في حين لا يُظهر النظام المصري أيّ إيمان بالطبقة العاملة المصرية، وهناك سوء فهم كبير من الدولة لمكونات شعبها. والأهم من ذلك أنّ تجاهل هذه المؤشرات سيؤدي حتمًا إلى وجود الصراع؛ فينبغي على الحركات السياسية والقيادات الثورية التحضير لبرنامج ثوري جاد مجهز بهياكله، وبرنامج قادر على تحويل الأوضاع لصالح المصريين.
وأوضحت أيضًا أنّ مصر لديها طبقة كبرى من الشباب المحرومين وطبقة عاملة أكبر، وجميعهم يتشاطرون المصالح المشتركة؛ ومن المهام الضخمة التي يجب تنفيذها توحيد جهود هذه القوة الجبارة في الدولة على أساس صالح المجتمع، وتوجيه غضبهم ضد الرئيس الحالي والإطاحة به كما فعلوا من قبل؛ فلا بديل لهذا سوى الهجرة.
وختمت الصحيفة بأنّ الشباب المصري أظهر من قبل قدرته الرائعة على حمل عاتق النضال ضد جهاز الدولة الضخم والفاسد، وما عليهم الآن إلا أن يحملوا الشجاعة نفسها التي حملوها من قبل ويستعيدوا أنفسهم؛ لكنّ العامل الأهم المفقود في هذه الحلقة «القيادة الذاتية». لذا؛ لا بد أن تكون ثورة منظمة لها أهداف وبرامج وخطط وقيادات واضحة.