بأيدٍ مخابراتية، أفردت أذرع النظام الإعلامية مساحات عبر وسائلها، وحملات على مواقع التواصل الاجتماعي؛ للترويج لحملة بعنوان «عشان تبنيها» لدعم ترشح عبدالفتاح السيسي إلى الرئاسة مجددًا، وتوزّع استمارات لهذا الغرض على غرار حركة «تمرد» التي موّلتها الإمارات واستخدمها النظام غطاء لتبرير الإطاحة بحكم الدكتور محمد مرسي.
وسلّط إعلام النظام الضوء على توقيع نواب ومشاهير ونجوم كرة وممثلين على استمارة الحملة بالموافقة على استمرار السيسي لولاية ثانية مدتها أربع سنوات أخرى.
وسبق هذا فعاليات كحملة «معك من أجل مصر»، التي انطلقت في أغسطس الماضي بمشاركة 18 حزبًا وهيئة، وكذلك حملة «مؤيدون» التي أطلقها رئيس حزب «الغد» موسى مصطفى وأعلنت عزمها تنظيم أكثر من 120 مؤتمرًا لدعم «السيسي» في الانتخابات المقبلة.
كل هذا على الرغم من أنّ «السيسي» لم يعلن موقفه من الترشح لولاية ثانية؛ غير أنه قال في أكثر من مناسبة إنه سيترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة «لو أراد المصريون ذلك».
ومن المقرر أن تُجرى الانتخابات الرئاسية في 8 فبراير المقبل، ولم تُعلن تفاصيلها حتى الآن؛ بيد أن وزير العدل انتهى من إعداد البيئة التشريعية والقضائية اللازمة لتتحكم دائرة عبدالفتاح السيسي في الهيئة الوطنية للانتخابات حال إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري المحدد.
وبحسب المادة 140 من الدستور، «تبدأ إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء مدة الرئاسة بـ120 يومًا على الأقل، ويجب أن تعلن النتيجة قبل نهاية هذه المدة بثلاثين يومًا على الأقل».
تمويل مخابراتي
وأعلن النائب كريم سالم انتهاء حملة «عشان تبنيها» من تجهيز مقرات لها في محافظات مثل الوادي الجديد وأسيوط وكفر الشيخ والفيوم والأقصر والإسكندرية وقنا والمنيا والإسماعيلية والسويس وسوهاج ومرسى مطروح؛ دون أن يُعلن عن مصادر تمويل الحملة.
لكنّ مصدرًا مطلعًا أكّد لصحيفة «العربي الجديد» أنّ الحملة مدعومة كاملًا من جهاز المخابرات، وأنها ستكون على غرار الحملة الانتخابية للسيسي في العام 2014، وحملة «تمرد» التي دعت إلى التظاهر ضد حكم الدكتور محمد مرسي في 2013، المدعومتان ماديًا ولوجيستيًا من جهاز الاستخبارات الحربية.
وتولي الأذرع الإعلامية لنظام السيسي اهتمامًا بالغًا ببيانات الحملة المزعومة وأسماء النواب والشخصيات العامة الموقعين عليها، والتي أطلقها حزب «مستقبل وطن» المنضوي تحت لواء الائتلاف الذي جُهزت مقاره وقت تأسيسه بأموال جهاز الاستخبارات الحربية في أعقاب الثالث من يوليو 2013، وفق روايات متطابقة لأعضاء سابقين.
ومؤخرًا، أعلن ائتلاف «دعم مصر»، المُشكّل بمعرفة الاستخبارات وصاحب الأغلبية في مجلس النواب بواقع 317 نائبًا من أصل أعضاء المجلس البالغ عددهم 596 نائبًا، دعمه لخوض السيسي الانتخابات الرئاسية.
جس نبض
وفي سبتمبر الماضي، استدعى اللواء خالد فوزي، رئيس جهاز المخابرات، صحفين وإعلاميين إلى مقر الجهاز بمنطقة كوبري القبة في القاهرة، وتحدث معهم عن أهمية دور وسائل الإعلام في ظل «التهديدات» التي تواجهها البلاد؛ أخطرها قضية «الإرهاب»، بحسب قوله.
وأكّدت مصادر أنّ السمة الغالبة للقاء خالد فوزي بهم كانت استطلاع رأيهم بشأن إجراء الانتخابات، ومدى رضا الشارع عن أداء السيسي، ولكن بطريقة غير مباشرة؛ «وكأنها محاولة لتقدير الموقف وقياس الأفكار والأجواء العامة».
وأضافت أنّ الحضور استشعروا أنّ رئيس المخابرات على يقين من أنّ هناك قطاعًا كبيرًا من المجتمع غير راضٍ عن أداء السيسي وأجهزته، وما زال الجهاز يدرس أكثر من سيناريو للانتخابات المقبلة؛ خصوصًا بعد تراجع سيناريو تأجيلها وتعديل الدستور من أجل مد فترة الرئاسة إلى ست أو سبع سنوات، ليستفيد منها عبدالفتاح السيسي.
تجديد ولاء
وتزايد عقد المؤتمرات وتكوين التحالفات الداعمة لاستمرار «السيسي» مدة ثانية في منصبه؛ آخرها مؤتمر «في حب الوطن» منذ أيام بمشاركة «الاتحاد العام لنقابات عمال مصر» و«ائتلاف القبائل العربية» و«نقابة الفلاحين» وبرلمانيين وسياسيين.
تأييد صهيوني
وقالت ورقة بحثية إسرائيلية إنّ مصلحة تل أبيب تكمن في أن يبقى «السيسي» مستمرًا في منصبه رئيسًا لجارتها مصر؛ لافتقاد أيّ أحد أفضل منه لهذا المنصب لمصالح «إسرائيل».
وأضافت أنّ «السيسي» في نظر معارضيه يقود مصر نحو الظلام والحكم الاستبدادي، والغلاء والتنازل عن حقوق مصر وأنه ينتهج سياسة القبضة الحديدية بملاحقة جماعة «الإخوان المسلمين» والتنظيمات الجهادية؛ واعتقلت أجهزة الأمن منذ انقلابه في 2013 عشرات الآلاف من معارضيه السياسيين ومؤيدي «الإخوان».
إجراءات قمعية
وسردت الدراسة الإسرائيلية إجراءات أمنية اتّخذها «السيسي» ضد معارضيه؛ بحظر جماعة «الإخوان المسلمين» وتصنيفها تنظيمًا «إرهابيًا»، وأغلق عشرات المواقع الإلكترونية، وسنّ قانون الكيانات الإرهابية الذي يمنح الأمن المصري حرية عمل أوسع لملاحقة معارضيه، بجانب قانون الجمعيات الأهلية لتقييد نشاط المنظمات غير الحكومية ومؤسسات حقوق الإنسان.
وأضافت أنّ خطوات «السيسي» القمعية الأخيرة أثارت غضب الولايات المتحدة، ودفعتها لتجميد مساعدات اقتصادية لمصر بقيمة 290 مليون دولار؛ لأنها لم تحرز تقدّمًا في قضايا حقوق الإنسان، وكل ذلك يؤكّد أن «السيسي» أعاد مصر عشرات السنين للوراء، وتحوّل إلى مستبد وديكتاتور.
الشرطة تقبض على النساء والفتيات المتظاهرات في مصر – أرشيفية
وختمت الدراسة بالقول إن المعارضة المصرية تخشى أن يؤدي غياب منافس لـ«السيسي» في انتخابات الرئاسة 2018 إلى تحويل مصر على يديه إلى ديكتاتورية كاملة، وتوقّعت دخول جنرال متقاعد لمنافسة «السيسي»؛ إذ سيعمل أيّ مرشح للحصول على تأييد «الإخوان المسلمين» الذين يحظون بتأييد كبير بين المصريين.
كما قالت منظمة العفو الدولية إنّ الحكم بحبس المرشح الرئاسي السابق في مصر «خالد علي» دليل على اعتزام النظام إزاحة أيّ منافس من طريق «السيسي» في انتخابات العام المقبل، في تعليق على معاقبة «خالد» في سبتمبر الماضي بالحبس ثلاثة أشهر وكفالة مالية قدرها ألف جنيه في قضية اتهامه بارتكاب فعل فاضح، أثناء احتفاله بحكم الإدارية العليا المتعلق بتيران وصنافير في يناير الماضي.
اقتحام المجالات
واقتحمت المخابرات العامة في مصر مجالات بداية من استيراد اللحوم والسلع الغذائية وبيعها للمواطنين، مرورًا بإنشاء شركات للأمن والمقاولات، ووصولًا إلى الاستحواذ على كيانات إعلامية في داخل مصر. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ بل امتد نشاط المخابرات العامة إلى مجال عمل الخارجية المصرية، ويشرف الجهاز الأمني على قطاعات بالوزراة إشرافًا كاملًا.
وفي هذا العام، تعاقدت المخابرات مع شركة ضغط أميركية كبرى لـ«تحسين صورة مصر في الخارج»، كما أشرفت المخابرات على تشكيل مجلس النواب في مصر برئاسة علي عبدالعال، واختارت جميع أعضاء ائتلاف الأغلبية «دعم مصر»؛ بإشراف من نجل السيسي بنفسه، وهو ما كشفه الناشط السياسي عضو حملة السيسي السابق حازم عبدالعظيم، وأوضح تفاصيل هذه الخطة عندما اعترف بوقوف جهاز المخابرات العامة وراء إنشاء قائمة «دعم مصر» الانتخابية، وسرد وقائع قال فيها إن الإعلام يدار من طرف المخابرات.