شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

«الجزيرة»: بعد سقوط داعش في الرقة.. المنتصرون يتنافسون على الخراب

قصف مدينة الرقة

يبدو أن الحرب على تنظيم «داعش» في نهاياتها، إذ أعلنت القوات السورية الديمقراطية، وهي تحالف مكون من القوى الكردية والعربية المدعومة من الولايات المتحدة، أمس الثلاثاء، السيطرة على الرقة بالكامل، بعد معركة حاسمة فى ملعب رياضى، ضمن عملية عسكرية دامت أربعة أشهر لطرد تنظيم داعش، وبهذا يكون مقاتلو داعش قد خسروا معركتهم الأخيرة في الرقة، حسبما نشرت «الجزيرة».

ووفق ما ترجمته «شبكة رصد» وقال هاشم أهلبارا، مراسل الجزيرة، بتركيا، إن عمليات التطهير تجري الآن بعد المعركة الدامية، وأضاف «اهلبارا» أن «مئات من مقاتلي القوات الديمقراطية الذين يلوحون بالأعلام الصفراء، ينتشرون حاليا بمدينة الرقة، حيث قضوا على عشرات المقاتلين من داعش، و ينشرون مزيدا من القوات فى المدينة لمحاولة إزالة الالغام والمتفجرات».

وشنت قوات سوريا الديمقراطية هجومها على الرقة، يونيو الماضى، وقد أدى القصف الجوي المكثف والعمليات البرية التى قام بها التحالف الدولى بقيادة الولايات المتحدة الى قطع المدينة عن بقية الأراضى التى تحتلها الدولة الإسلامية، وسقط أكثر من 3 آلاف قنبلة على الرقة منذ يناير، مما أدى إلى تدمير المدارس والمستشفيات والمباني السكنية، وفي منتصف أكتوبر، قدرت مبادرة «ريتش» الإنسانية أن أقل من 1 بالمئة من سكان الرقة البالغ عددهم ثلاث مائة ألف نسمة ما زالوايعيشون في المدينة، ولا يوجد في المدينة كهرباء أو مياه صالحة للشرب، وقد دمر آخر مخبز يعمل فيها مؤخرا.

ووفقا لما أوردته الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإنه قتل أكثر من تسعمائة مدني في أعمال العنف، منذ بدء العملية، بما في ذلك 570 على الأقل في غارات التحالف الجوية.

وتتعرض الرقة لعمليات تدمير، والسكان المهجورين معرضون لمستقبل سياسي غير واضح المعالم، وتعهدت الولايات المتحدة وقوات الدفاع الذاتى، التابعة لسوريا الديمقراطية بتسليم المدينة الى الحكم المدنى، بيد أن شكل هذا الكيان المدنى وتكوينه السياسى مازال مبهما، ومن شأن العوامل العرقية والقبلية والجيوسياسية المختلفة أن تعقد عملية التسليم

مجلسان متنافسان

وهناك في الرقة يوجد مجلسان يتنافس كلاهما على الحق في تولي المدينة، مجلس الرقة المدني الذي تأسس في أبريل بدعم من قوات الدفاع الذاتى. ومجلس محافظة الرقة، بدعم من الهيئة السورية المعارضة الرئيسية التي تتخذ من تركيا مقرا لها، والتابع للائتلاف الوطني السوري.

ويزعم حزب المؤتمر أنه الخليفة للمجلس المدني الذي بدأ في إدارة الرقة، عام 2013 بعد أن استولى الجيش السوري الحر والجماعات الإسلامية المسلحة على المدينة من النظام السوري، ويرفض شرعية مجلس قيادة الثورة الذي على صلات بوحدات حماية الشعب، وهي جماعة مسلحة كردية في قلب قوات الدفاع الذاتى. جنبا إلى جنب مع ذراعها السياسي، حزب الاتحاد الديمقراطي، فإنه يسيطر على معظم شمال شرق سوريا، وهو حليف وثيق للولايات المتحدة.

عاصمة داعش

وكما هو الحال مع المجالس الأخرى التي ترعاها قوات الدفاع الذاتى، فإن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لديه قيادة عربية كردية مشتركة. والرئيس المشارك العربي هو الزعيم القبل،ي محمود البرسان، والرئيس المشارك الكردي هو ليلى محمد، الرئيسة المشتركة السابقة لبلدتها تل أبيض، الواقعة على الحدود السورية التركية.

ويرأس البرسان قبيلة والده التي أرغمت على الانتقال إلى محافظة الحسكة من المنطقة القريبة من مدينة الطبقة في محافظة الرقة بعد أن غمرت أراضيها أثناء بناء سد الفرات.

وبحسب عبد العزيز الحنيدي، ناشط سوري من الرقة هرب إلى ألمانيا بعد أن استولى تنظيم داعش في العراق والشام على المدينة، 2014، فإن مجلس قيادة الثورة ليس ممثلا لشعب الرقة، ولكن قوتها الرئيسية هي أنها تعمل على الأرض وتوفر الخدمات ، بدلا من منافسه ريك، الذييعيش الآن في المنفى في تركيا.

وفي أواخر سبتمبر، بذلت الولايات المتحدة جهدا للتوفيق بين المجالس وإنشاء مجلس مشترك، ودُعي أعضاء المجلس ونشطاء من المجتمع المدني السوري إلى روما للقاء ممثلي حكومة الاتحاد الأوروبي، وفق نوح بونسي، باحثة بارزة في مجموعة الأزمات الدولية، فإن دول الاتحاد الأوروبي مترددة في التعامل مع مجلس قيادة الثورة، لأنهم عملوا مع المجلس الوطني السوري في السنوات القليلة الماضية.

ولكن محاولة المصالحة فشلت عندما رفض حزب المؤتمر التقدمي حضور الاجتماع. وقال بونسى إن اعتماد ريك على تركيا، جنبا الى جنب مع انتماء حزب المؤتمر الوطنى المعارض مع وحدات حماية الشعب، التى تعتبرها تركيا منظمة «إرهابية» يجعل الاندماج بين الاثنين مستحيلا، قد يكون تسليم الرقة إلى مجلس قيادة الثورة صعبا إذا ما كانت وحدات حماية الشعب تحتفظ بنفوذها الكبير على المجلس.

في المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب، غالبا ما يكون المسؤولون المحليون الذين يقومون بأدوار رئيسية على الورق، عمليا، ليس لديهم في الواقع الكثير من النفوذ والسلطة، وقد رأينا جوانب من الحكم تدار بشكل أساسي من قبل الكوادر داخل وحدات حماية الشعب بيد أن ذلك كان مصدرا للتوتر فى بعض المناطق.

الصلح مع النظام السوري

وهناك منافس آخر لشرعية ما بعد تنظيم داعش، في الرقة، وهو من مواليد القامشلي، أحمد جربا، وهو رئيس سابق للمجلس الوطني السوري، وعضو في قبيلة شمار في شرق سوريا، أسس حركة الغد وذراعها العسكري، قوات النخبة السورية، بدعم من السعودية في 2016، وفي فبراير، أعلن جربا أن مجموعته المسلحة المدربة من قبل الولايات المتحدة والبالغة 3 آلاف جندي ستشارك في معركة الرقة، ولكن وفقا للحنيدي، فإن قوات الدفاع الذاتى لم تكن متقبلة وجودها، وانسحبت المجموعة.

يحاول جربا تجنيد شبان من قبائل الرقة للإنضمام إلى حركة الغد، والقوات النخبة، وقال الحنيدي إنه على الرغم من أنه لا يتمتع حاليا بشعبية كبيرة في الرقة، إلا أنه قد يكون له دور في إدارة الرقة، في المستقبل القريب للمدينة عقب سقوط تنظيم داعش، وهناك لاعب محتمل آخر على الساحة السياسية في الرقة بعد داعش هو النظام السوري. ولم تسعى قوات الدفاع الذاتى إلى محاربة قوات النظام علنا، على الرغم من أن مواجهات دامية حدثت مؤخرا.

ووفقا لما قاله بونسي، فإنه في حين أنه من غير المحتمل أن يكون للنظام وجود عسكري في الرقة، فإنه قد يدفع لبعض الخدمات أو رواتب موظفي الدولة، كما فعلت في مناطق أخرى تحت سيطرة وحدات حماية الشعب، التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، وقد وافق مجلس قيادة الثورة بالفعل على استخدام الكتب المدرسية المطبقة على النظام في المدارس في المناطق الخاضعة لسيطرته.

مصير الرقة

ومن غير الواضح ما إذا كانت الرقة، بمجلسها المدعوم من قوات الدفاع الذاتى، ستصبح جزءا من مشروع الحكم الذاتى الكردى فى روج آفا الذى أثار قلق تركيا، وقد تورطت أنقرة في صراع دموي مع حزب العمال الكردستاني الذي قتل فيه أكثر من 1700 شخص، مابين 2015 و 2016. ويعتبر حزب العمال الكردستاني وحدة حماية الشعب من المنظمات الشقيقة.

وفي مارس، قال صالح مسلم، الرئيس المشارك السابق لحزب الاتحاد الديمقراطي، لـ «رويترز» إنه من المرجح أن ينضم الرقة إلى روجافا، وردا على سؤال حول هذا الموضوع، قال مصطفى بالي، رئيس العلاقات الإعلامية لقوات الدفاع الذاتى، لـ «الجزيرة» يوليو، إن «الرقة جزء من سوريا، كما أن روج آفا جزء من سوريا، والمجالس المشكلة فى تلك المناطق المحررة تشكل إدارتها بنفسها».

ووفقا لبونسي، فإن وحدات حماية الشعب لم تدرج حتى الآن، في روج آفا، بعض المناطق ذات الأغلبية العربية التي أخذتها من تنظيم الدولة الإسلامية، مثل منطقة «منبج».

في إطار السعي لتأمين الرقة، تقوم الولايات المتحدة بتدريب قوات الأمن الداخلي، وقال بيان صادر عن الائتلاف الدولي في عملية التسوية المتأصلة، الذي أرسل إلى «الجزيرة» في يوليو، إن قوات الدفاع عن النفس تتألف من 500 من الضباط المدربين على أيدي التحالف، ومن المتوقع أن يرتفع عددهم إلى 3500 ضابط مدرب.

وفي الأسابيع المقبلة، ستواجه هذه القوات، جنبا إلى جنب مع قوات الدفاع الذاتى، المهمة الصعبة المتمثلة فى إزالة الألغام من الرقة. ومن المعروف أن تنظيم داعش هو من وضع الفخاخ المتفجرة والألغام ليس فقط في مواقع ذات أهمية استراتيجية أثناء القتال، وإنما أيضا في المساكن المدنية وحقول المزارع.

وهناك تحد أكبر بكثير يتجسد في إعادة إعمار الرقة. وبحسب الحنيدي، فإن المدينة اليوم غير قابلة للحياة، وستبقى كذلك لسنوات، ولا يزال من غير الواضح من سيقدم مشروع القانون المتعلق بالدمار الهائل الذي سببته آلاف القنابل التي أسقطها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على الرقة.

في حين أن التحالف ينفق حوالي 13 مليون دولار يوميا لتفعيل العمليات الاستهداف العسكري، فإنه لم يخصص رسميا الأموال الضرورية لإعادة إعمار المناطق التي قصفت في سوريا.

وقال وزير الخارجية الاميركي «ريكس تيلرسون» في مارس، في اجتماع للائتلاف يضم 68 دولة، إن «باعتبارنا ائتلاف، فنحن لسنا مسؤولون عن أعمال بناء الدولة أو إعادة الإعمار».

وقال «بريت ماكجورك»، المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لقضاء على داعش، في أغسطس، إن الولايات المتحدة ستحقق ما أسماه «الاستقرار» في الرقة، وإلى جانب إزالة الألغام، فإن «الاستقرار يعني أيضا إزالة الأنقاض حتى تتمكن الشاحنات والمعدات من الوصول إلى المناطق التي تحتاج إليها لإعادة الحياة ، وهذا يعني الكهرباء الأساسية، والصرف الصحي، والمياه، والضروريات الأساسية للسماح للسكان بالعودة إلى ديارهم».

ولازال هناك نحو 3 مائة ألف من سكان الرقة يأملون العودة إلى مدينتهم، غير أنهم يراقبون كيف ستصبح المدينة قادرة على استعادة حياتهم مرة أخرى بعد كل هذا الدمار الضخم الذي خلفته آلة الحرب.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023