يحاول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان التأثير بورقة «حقوق المرأة» ضمن خطته «2030»؛ عبر إدخالها في سوق العمل، بعد إعطائها هامشًا من الحرية، كالسماح بقيادة السيارة؛ بعدما كانت المملكة الوحيدة في العالم التي تحظر على المرأة قيادة السيارة.
وبدأت معالم التحوّل الاجتماعي في المجتمع السعودي تتغيّر بمجرد إعلان رفع الحظر عن القيادة النسائية للسيارات في سبتمبر الماضي؛ على أن يُطبّق بدءًا من يونيو 2018؛ ما أثار مخاوف كثيرين من خرق ما هو معتاد، خاصة في ظل تراجع سلطة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
خطة «أجنبية»
ويرى الباحث السعودي «عبدالله ليلي» في مقابلة تلفزيونية أنّ «المسألة تتمحور في الطريقة التي يتصور بها السعوديون التغيير»، مُشبّهًا «رؤية 2030» بالريح وأنه ينبغي التعامل معها كما يقول المثل: «الباب الذي قد يجلب لك الريح أغلقه واسترح».
وأضاف أنّ «الناس لا يؤمنون بالتغيير، وليست لدى الحكومة خطة لبيع رؤية 2030». وبالإضافة إلى ذلك، صاغها الأجانب،وكل هذه عوامل مهمة؛ وبالتالي تطبيق الإصلاحات على الأرض لن يكون سهلًا.
مملكة الخوف
ويدعي ابن سلمان أنّ هدفه من هذه الرؤية تحقيق إنجازات وتقديم صورة مغايرة عن المملكة؛ ولذا لجأ إلى إسكات المعارضين لسياسته؛ عبر نهج قمعي بملاحقة الصامتين عن الترويج لسياسته واعتقالهم؛ وهذا ما تمثّل في حملة الاعتقالات الأخيرة التي طالت العشرات من رجال الدين والكتّاب والصحفيين، بحسب معارضين.
وقال الكاتب السعودي جمال خاشقجي إنّ «المملكة لم تكن أبدًا مجتمعًا مفتوحًا»، ووصف هذا التغيّر بالـ«مخيف»، وأنها أصبحت في عهد الملك سلمان وابنه «مملكة الخوف». بموازاة ذلك، تعتمد رؤية محمد بن سلمان الخارجية على سياسة متشدّدة سلطوية، تنعكس في حصار دولة قطر، الدولة العضو في مجلس التعاون الخليجي، والحملة العسكرية في اليمن، التي ضّخمت السجل الحقوقي السيئ للمملكة.
تحجيم الحقوقيين
وقال أربعة سعوديين لوكالة «بلومبيرج» إنّ السلطات اتصلت بمدافعين بارزين عن حقوق المرأة عشية إعلان قرار السماح بقيادة السيارة وحذرتهم بألا يحتفلوا علنًا أو سيواجهون عواقب. ورجّح أحدهم أنّ السلطات لا ترغب في أنّ يُنسب فضل القرار إلى الناشطين، وتفضّل تسليط الضوء على «دور القيادة» في التوصّل إلى ذلك.
ولكنّ «مركز الاتصالات الدولية» الجديد التابع للحكومة نفى ذلك فيما بعد، وقال إنّه «لم يُراقب أي شخص أو يُحذر من التعبير عن آرائه».
ويتضح أن المحافظين والكبار في السن أقل تقبلًا للتغييرات ومظاهر الرؤية السلمانية، وتقول صحيفة «فاينانشيال تايمز» إنّ الخطوات المبدئية التي يبذلها ولي العهد تجاه تخفيف القيود المجتمعية تحمل مخاطر الصدّ من المحافظين الذين لا يزالون يشكّلون شريحة كبرى من المجتمع السعودي.
تأييد وترحيب
وفي المقابل، قالت صحيفة «عرب نيوز»، التي تتخذ من السعودية مقرًا لها، إنّ 80% من النساء أبدين رغبتهن في القيادة والحصول على رخصة سياقة، وفق استطلاع للرأي أجرته وكالة «يوجوف» في الشرق الأوسط.
ووجد استطلاع للرأي شمل 500 سعودي أنّ النساء السعوديات يعتقدن أنّ قرار القيادة «سيغير» حياتهن، وفقًا لموقع مجلة «نيوزويك» الأميركية.
وكشف الاستطلاع أنّ 95% من السعوديين علموا بقرار السماح للنساء بالقيادة، وحصدت هذه الخطوة رد فعل إيجابيًا بشكلٍ عام.
ورحّب 77% من السعوديين الذين شملهم الاستطلاع بهذا القرار؛ على الرغم من أن هذه الخطوة لاقت رواجًا أكبر لدى النساء. ورحب 70% من الذكور بالقرار الذي سمح للمرأة بقيادة السيارة.
قيود على المرأة
وتخضع النساء في المملكة العربية السعودية إلى تشريعات أكثر قمعية في العالم؛ بحيث يُفرض على المرأة أن تطلب الحصول على إذن من قريبٍ ذكرٍ لاستكمال المهام الأساسية، مثل قبول وظيفة أو فتح حساب بنكي.
وظلّ حظر قيادة النساء للسيارات وغيره من القيود على المرأة السعودية أمرًا منتقدًا من منظمات حقوق الإنسان عبر العالم لسنوات، وأطلقت سعوديات حملات متكررة لإسقاط الحظر، وقادت بعضهن السيارات علنًا في شوارع السعودية؛ لكنهن أوقفن قبل أن يُفرج عنهن بعد تعهّد رجال من عائلاتهن بألا يُكرر الأمر.
وبدأ حراك مجتمعي واسع في السعودية في العقد الأخير للتخلّص من قوانين كثيرة مكبلة لحقوق النساء، وفي مايو الماضي أصدر الملك سلمان أمرًا بألا تُطالب المرأة بالحصول على موافقة ولي الأمر في حال تقديم الخدمات لها؛ ما اعتبرته ناشطات سعوديات نصرًا لمطالباتهن المتواصلة بإسقاط نظام الولاية عن المرأة في المملكة.
وسبق ودعت منظمة «هيومن رايتس ووتش» السلطات السعودية بألا تفرض أيّ قيود إضافية على المرأة، وإنهاء التمييز المنهجي الذي تجرعته لعقود، وضمان السماح لها بأن تتساوى مع الرجل؛ حتى لا تحرم من الاستفادة من هذا «الإصلاح».