سلط الكاتب الإيراني، أستاذ الدراسات الإيرانية «حامد دباشي»، الضوء على مقال «الإيكونوميست الأخير»، الذي أكد على أن الديكتاتوريين العرب يقومون الآن بالترويج لقلة التدين والعلمانية لخدمة مصالحهم الذاتية، موضحا أن ما يفعله القادة العرب الآن كالسيسي وابن سلمان وابن زايد، ما هو إلا صناعة للإستعمار الأوروبي والإمبريالية الأميركية التي ساهمت في توطين الاستعمار الصهيوني، ووإعطاء الفرص لنشوء الإستبداد في الدول العربية، ومن ثم اختراع كذبة «الجماعات المتطرفة».
وأضاف الكاتب، في مقاله الذي نشرته «شبكة الجزيرة»، أنه تلاحظ في الفترة الأخيرة، أن «حركة زايتجيست»، وهي منظمة شيويعة هدفها زيادة وعي المجتمع بالضرورات المقترحة للتغيير الاجتماعي العالمي، كما تدعي، ينضم إليها كتب اقتصاديين وكتاب ذوى رأي حكيمـ، مشيرا إلى أنهم يدفعون من خلاله إلى مجتمع علماني قوي من شأنه أن يتفوق على المعارضة الإسلامية، ويعتمدون على وعود بالسماح بمزيد من الحريات كالسماح بإزالة الحجاب في الأماكن العامة.
وأوضح الكاتب أن تلك الدعوات في المقابل، تدعوا إلى ترسيخ القبضة الاستبدادية بشكل أكبر، مشيرا إلى أن الحكام العرب الآن، أيضا، اعتبروا أنفسهم أصحاب السلطة المطلقة، لتمكنهم من القضاء على الإسلاميين، ومن خلال كبح نفوذ رجال الدين، يستطيع هؤلاء تقليل القيود والضوابط المفروضة على سلطتهم، مؤكدا أن العديد من القادة العرب، مهتمون حقا بصياغة مجتمعات أكثر علمانية ومتسامحة، حتى لو كانت إصلاحاتهم لا تمتد إلى المجال السياسي.
وأشار الكاتب إلى أن البشرى التي زفتها مجلة «الإيكونوميست»، الأسبوع الماضي، في تقريرها عن الاستبداديين العلمانيين، تعد دعوة لقرائها أن يكونوا حريصين على استغلال الفرص الاقتصادية التي يعد بها الاستبداد العلماني، وهو ما يتفق أيضا مع ما قالته «الجارديان» بأن الأمير محمد بن سلمان، تعهد بإعادة بلاده إلى الإسلام المعتدل؛ من أجل طلب دعم عالمي للملكة المتشددة، وإغراء المستثمرين بأنها لم تعد كذلك.
وقال الكاتب متهكما «وبروح من المحبة الجيدة بين المسلمين، فإن الأمير السعودي بالطبع ألقى اللوم على إيران، باعتبارها المسؤولة عن الإسلام الراديكالي القديم المقرف».
وأشار أيضا إلى تصريح ابن سلمان، الذي قال فيه: «ما حدث في الثلاثين عاما الماضية ليس بسبب السعودية، ما حدث في المنطقة خلال الثلاثين عاما الماضية ليس بسبب الشرق الأوسط، فبعد الثورة الإيرانية عام 1979، أراد الناس نسخ هذا النموذج بمختلف الدول العربية، وكانت إحداها هي المملكة العربية السعودية، ولم نكن نعرف كيفية نتعامل معها، وانتشرت المشكلة في جميع أنحاء العالم، وحان الوقت الآن للتخلص منها».
ووصف كاتب المقال، إلقاء اللوم على إيران والإيرانيين، عادة مبتذلة للغاية، انتشرت بين العديد من الأمراء والحكام العرب وحتى بعض العلماء أيضا، فهناك بعض علماء الدين الذين يلقون باللوم على فكرة تعدد الزوجات، على إيران، واتهم بعض المفكرين الإيرانيين بالدعوة إلى المثلية بين العرب.وأضاف الكاتب، أن هؤلاء تركوا أجهزتهم العربية، سواء الإعلامية أو الأمنية، لتعميق الكراهية ضد الأجانب.طغاة العلمانية والإسلام المعتدلوأوضح كاتب المقال، أن هناك صلة بين ما يسميه الأمير السعودي «الإسلام الوسطى» و«الطغاة العلمانيون»، الذين تحدث عنهم تقرير «الإيكونوميست»، مؤكدا أن فهم ولي العهد السعودية للإسلام المعتدل يعني «إسكات الأصوات المعارضة»، والزج بالنشطاء خلف القضبان.
كما أشار الكاتب أيضا، إلى أن ابن سلمان يقصد بالإسلام المعتدي، أيدولوجية قديمة تسعى إلى الهيمنة المطلقة على الإقتصاد النيوليبرالي، دون أي مقاومة، مؤكدا أن قبوله وغيره من الحكام العرب، لفرض السيادة الصهيونية على فلسطين والتنافس على إقامة علاقات دبلوماسية مفتوحة مع إسرائيل والتسامح مع القمع المنهجي الذي تمارسه بحق الفلسطينيين، بجانب تعبئة الجيوش العربية من أجل قصف دولة عربية شقيقة «اليمن»، وتحولها من مدينة قديمة عريقة إلى مكان خصب لأحلام الرأسمالية والموارد الوطنية إلى معدات عسكرية متقدمة، ويعد مفهومهم ومفهوم ابن سلمان عن «الإسلام الوسطي أو المعتدل».
وتحت ستار طغاة العلمانيين، المخفي تحت غطاء الإسلام المعتدل، والمختبأ خلف أيدولوجيات التعصب والجهل التي ساهمت في صعود تنظيم الدولة في العراق والشام، تقف كتل كبيرة من الملايين من الناس الذين لا يؤمنون سواء بـ«أبو بكر البغداي» رجل الدين الرجعي أو «عبدالفتاح السيسي» الجنرال السفاح الذي قوض الثورة المصرية.
كما أن هناك مثال جيد على ما أسماه الكاتب بـ«الديكتاتورية الخيرية»، وهي دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث وصفتها «الإيكونوميست» بأنها الدولة التي قادت الطريق نحو تخفيف القيود الدينية والاجتماعية، وفي الوقت الذي قادت فيه حملة إقليمية ضد الحركات الإسلامية، قام «محمد بن زايد»، ولي عهد أبوظبي والزعيم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، بتمويل إنشاء فروع لجامعات غربية ومعارض فنية.
وقال كاتب المقال، إن هذا يعد نوعا من «خيال الاستشراق» الذي عفا عليه الزمن، وهو يدور دائما حول «أوروبا خيالية»، ويعتبرون أن كلمتا «علمانية ومعتدل»، تعني أنهم بذلك سيصبحون كأوروبا، وكلما كانت علمانية ومعتدلة فمن الممكن الوثوق بها والترحيب بها، فيما يترك «المسلمون» في تلك البلدان، إلى الأجهزة «غير الغربية»، تتعامل معهم.من وراء هذا تاريخيا؟
وأشار كاتب المقال، إلى أن مصير الأمم في العالم العربي والإسلامي، الذي يقع خارج نطاق هذا التخيل الأوروبي المركزي والمسلم، يحدده المنطق الداخلي والخطاب الديني بدينامية مختلفة تماما.فلم تعد صراعات العرب الجميلة، تنحصر في الحقوق والحريات المدنية، بل تحولت إلى صراعات على «علمانية وهمية»، أو بمعنى آخر «علمانية» مقابل «انقسام ديني» أو «إسلام معتدل» مقابل «إسلام راديكالي أصولي»، موضحا أن مجتماع الفكر في الولايات المتحدة وأوروبا، تتغنى بشكل جماعي على تلك النغمة، وهي المراكز التي تمول من قبل تلك الدول كالإمارات أو السعودية.
وأشار إلى أن الاستعمار الأوروبي والإمبريالية الأمريكية (اللتين تجمعتا الآن في جذور الصهيونية في فلسطين)، أدى إلى تأطير وتأصيل صعود واستمرار ما وصفه بـ«الاستبداد الوطني»، موضحا أنهم العاملان الرئيسيان في التفكير النقدي بالعالم العربي والإسلامي، ومن ثم رسما مستقبل جماعات ومصائر وطنية، دون الاهتمام المتزامن بتاريخ هذه القوى.ووصف الكاتب العصر الحالي في المنطقة، بعصر «ما بعد الإسلاموية»، لكنه مختلف عن نظرية «جورغن هابرماس»، عن «العلمانية/الدينية» في العصر الأوروبي المسيحي، مشيرا إلى أنها لم تتدخل فيما يفعله الآخرين سواء الإسلام أو اليهودية، أو أي دين آخر، فالعلمانية، كما قال «جيل أنيدجار»، تعني إقناع الآخرين بها بطريقة لطيفة أو رقيقة دون إجبار، كما فعل المجتمع الأوروبي.وأوضح الكاتب أيضا، أن الديناميات الداخلية للإسلام في مواجهتها مع الحداثة الاستعمارية الأوروبية وتأثير المجتمعات الإسلامية في السياقات العالمية المتجددة، تحدد عالم مختلف اختلافا كبيرا عما كان يتصوره الأمير السعودي أو تنبؤات «الإيكونوميست».
فالملوك القبليين والجمهوريات الزائفة والعصابات العسكرية وطغاة العلمانية والتطرف المسلح الذي تسببت في وجوده وتحاربه الآن، كلها مصنوعة من القماش نفسه، موضحا أن مصير 1.6 مليار مسلم، لن يُحدد من قبل أوهام أي أمير عربي أو طاغية علماني، ولا حتى عدوهم المشترك المخيف، داعش.
ودعا الكاتب في نهاية مقالته الأمير السعودي ابن سلمان، إلى التوقف عن الاستماع إلى مستشاريه اليهود والأميركان، وأن يوقف إهدار موارد أمته بمليارات الدولارات على مشاريع غير مجدية.