قالت صحيفة «العربي الجديد» إنّ حادثة الواحات، التي أودت بحياة ضباط أواخر الشهر الماضي، كشف عن أكبر فشل لمصر في حربها ضد الإرهاب؛ وأصبحت علامات الاقتتال السياسي بين الشخصيات الرئيسة داخل الجيش واضحة للعيان.
ففي أعقاب الهجوم، انتقد ثلاثة مسؤولين بارزين بارزة محسوبين على النظام التعامل مع الحادثة، ووصوفها بأنها سوء تخطيط، متحدثين عن إمكانية وجود «خيانة».
بدوره، أزاح عبدالفتاح السيسي الفريق محمود حجازي من قيادة الأركان دون تفسير؛ ما يمكن وضعه ضمن سياق تصريحات عنان وشفيق ومنصور نفسها، التي تشير جميعها إلى تحوّل كبير في التماسك داخل صفوف الجيش المصري والنظام.
رياح التغيير
ويشكل الثنائي العسكري «عنان وشفيق» التهديد الوحيد الموثوق فيه للسيسي من حيث الاستيلاء على السلطة، وتشير تصريحاتهما إلى أنهما تخليا عن طيب خاطر عن «السندات العسكرية» التي تلزم ولاءهما للسيسي؛ إذ استخدم كلاهما لفظ «خيانة»، كما يكشف وزن السيسي المحتمل في المستقبل.
وقال مصدر مقرب من «عنان» إنّ الفريق السابق لا يزال يدرس إمكانية الترشّح ضد السيسي في انتخابات عام 2018، مضيفًا أنه يعتقد أنّ السيسي يخشى نفوذ عنان؛ ما دفعه إلى تطهير القوات الجوية من قيادات يعتقد أنها مخلصة له.
وفى رده على هجوم الواحات، حثّ سامي عنان المواطنين على طرح مشاعرهم وعواطفهم جانبًا وطالبهم بالبحث عن الدوافع والأسباب ووضعها في سياقها الصحيح؛ لإدراك حجم الكارثة التي نعيشها حاليًا، ثم طرح سؤالًا عليهم: «هل أبناؤنا، أعزّ وأكفأ ما نملك، ضحية الخيانة وضعف التخطيط وسوئه، وعدم دقة المعلومات؟»، واختتم بيانه بتوجيه رسالة إلى النظام بنبرة حادة لم يسبق لها مثيل، قائلًا: «احترموا عقولنا تكسبوا قلوبنا».
وردّ شفيق بلهجة مماثلة في تصريحات رسمية، تساءل فيها: «ماذا حدث لأبنائنا؟ تدربوا على أعلى مستوى وكانوا مؤهلين تمامًا، هل هم ضحايا لخيانة أم ضعف التخطيط، أم كليهما؟».
وقالت الصحيفة إنّ عرض شفيق هذه التصريحات مصحوب بطموحات رئاسية. وعلى عكس عنان، فإنّ فرصه ضئيلة؛ بسبب اتهامات بالفساد وُجّهت إليه عقب ثورة يناير، التي أطاحت به من منصبه رئيسًا للوزراء»؛ لكنّ البيان الذي أصدره دليل واضح على أنّ الوحد السياسية داخل الجيش انتهت.
الأقدمية والنفوذ
كان سامي عنان الرجل الثاني داخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد الإطاحة بمبارك، وبرز أثناء الثورة وصوّر على أنه الشخص الذي ضغط على مبارك ليتنحى. وعلى عكس السيسي، شارك عنان في حرب أكتوبر، وكسب لنفسه وضعًا داخل الجيش؛ وهو ما لا يتطابق مع السيسي.
أما أحمد شفيق، وعلى الرغم من خدمته رئيسًا للوزراء أثناء الثورة؛ فإنه يتمتع بالمكانة نفسها التي يتمتع بها سامي عنان داخل الجيش؛ إذ شارك في حرب أكتوبر، وترأّس السلاح الجوي، ولا يمكن إنكار نفوذه داخل الجيش، كما حصل على تأييد 48% من المصريين أثناء الانتخابات الديمقراطية الوحيدة التي أجريت في البلاد.
وفي مؤسسة بنيت على الديكتاتوربة والأقدمية، تلفت معارضة الجنرالات إلى أنّ الجيش المصري لم يعد متجانسًا كما كان، والآثار المترتبة على الاقتتال الداخلي في صفوف الرتب العليا له عواقب وخيمة، وقد يكون للسيسي السيطرة الكاملة على الشعب المصري عبر القمع المستمر؛ لكنّ عنان وشفيق بعيدان عن متناول قبضة يده.
معركة على جبهتين
يشارك الجيش المصري حاليًا في حرب على جبهتين: خارجيًا مثل مواجهة التمرد في سيناء والصحراء الغربية، وداخليًا الصراع على السلطة مع الشرطة. ففي أثناء عهد مبارك، تمتّعت الشرطة بنفوذ كبير بعد تراجع الجيش، وشغلت مشاريع التنمية، وأصبحت لها عضلات اقتصادية. وبجانب ذلك، كانت عاملًا أساسيًا في نظام مبارك، وهي سبب ثورة يناير في الأصل وليس مبارك.
ومن غير الواضح لماذا زُجّ بكتيبة تابعة للشرطة في منطقة يسيطر عليها الجيش، بجانب أنّ الصحراء الغربية مقفرة وذات كثافة سكانية قليلة؛ ما يصعّب من تبرير وجود الشرطة بدلًا من الجيش.
ولا يعرف أحد مستوى التنسيق بين الجيش والشرطة، لكنّ تصريحات «عنان وشفيق» تشير إلى أنّ هناك خلافًا بين أكبر مؤسستين في البلد. وقال أحمد جاد منصور، الرئيس السابق لأكاديمية الشرطة، إن هناك «فجوة بين الجيش والشرطة».
وقادت أخطاء الجيش في الصحراء الغربية إلى احتلال المقعد الخلفي للقتال في سيناء، وبالرغم من هذه الأخطاء الكبرى؛ فإنها تتجاهل بشكل روتيني.
وقُتل ثلاثة مصريين و12 سائحًا مكسيكيًا عن طريق الخطأ في يوليو من العام قبل الماضي، بعدما اعتقدت القوات خطأ أنهم إرهابيون؛ فهل يمكن أن يشير شفيق وعنان ومنصور إلى أنّ اغتيال قوات الشرطة كان خطأ عسكريًا آخر للمؤسسة التي يسيطر عليها السيسي ونظامه؟