نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا لكل من نيكولاس كوليش وديفيد كيرباتريك، يكشفان فيه عن مصادر أموال عائلة الملك سلمان وابنه محمد بن سلمان، الذي يحاكم أفرادا من العائلة بتهمة الفساد.
ويكشف التقرير، الذي ترجمته “عربي21“، عن أن شركة استثمارية كبيرة أنشأها واحد من أبناء الملك، ويديرها آخر، ولديها حصص كبيرة في مجموعة من الشركات، لها عقود مع الحكومة، وتشمل على شراكة بناء سفن مع شركة فرنسية للتعهدات الدفاعية، بالإضافة إلى شركة أصغر أنشاها أحد أبنائه، وتدير أعمالا في الاتصالات والصحة والتعليم وغير ذلك من القطاعات الحكومية.
ويقول الكاتبان: “يبدو أن الأمير، الذي يحاكم 11 أميرا، غير مهتم بتضارب المصالح بين أعمال إخوته ومراكزهم في الدولة، فهو يقود حملة مكافحة الفساد”.
وتشير الصحيفة إلى أن القوانين التي صدرت من خلال مراسيم ملكية أو القانون الإسلامي لم تشمل حتى الآن تشريعات تشمل العائلة المالكة الكبيرة، أو حتى المقربين منها، لافتة إلى أن العائلة المالكة لم تكشف عن أي من حساباتها أو ممتلكاتها، ولا ما تحصل عليه من موارد النفط، ولا ما تحصل عليه من العقود التي توقعها الدولة، وكيف تستطيع الحصول على حياة مرفهة.
ويلفت التقرير إلى أن “الملك سلمان مثلا لم يكشف عن المال الذي استخدمه لشراء بيوت فاخرة في لندن قيمتها 28 مليون دولار، مثلما لم يوضح ابنه كيف استطاع شراء يخت بثمن زاد على 500 مليون دولار”.
ويعلق الكاتبان قائلين إن مشكلة الفساد تنهش في الدولة منذ عقود، ولن تقضي عليه محاكمات انتقائية، حيث تقول الباحثة في منظمة “الشفافية الدولية” كاثلين ديكسون، معلقة على ما جرى: “هو من فذلكات المستبدين”، مشيرة إلى أن الفساد في السعودية يستخدم من أجل تبرير القمع، “فاستخدام مصادر الدولة خدمة لمصالحك الخاصة ليس خطأ، هذا إن كنت جزءا من المجموعة أو الشلة المعنية، لكن لأن الفساد هو ما يهم الرأي العام فإنه استخدم لتبرير القمع”.
وتضيف ديكسون أن حملة ابن سلمان لا تختلف عن تلك التي شنها الرئيس الصيني شي جينبنغ لمكافحة الفساد، التي كانت غطاء لتعزيز سلطته، وكذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي تظل المحاكمات التي يجريها مسيسة.
وتنوه الصحيفة إلى اعتقال أكثر من 500 شخص في أفخر سجن في العالم “ريتز كارلتون”، حيث قالت الحكومة إن الاعتقالات استندت إلى أدلة، وبأن من حق المعتقلين الحصول على محاكمة عادلة، مستدركة بأن المسؤولين السعوديين لم يكشفوا عن طبيعة الاتهامات ولا الأدلة.
ويذكر التقرير أن الاعتقالات جاءت بعد ساعات من مرسوم الملك سلمان لإنشاء لجنة مكافحة الفساد، تحت إشراف ابنه، بشكل ترك مجالا قليلا للتحقيق، فيما يسيطر الملك وابنه على النظام القضائي، مشيرا إلى أنه ليس من الواضح أي من الأنظمة التي ستتولى القضايا، محاكم الشريعة أم المحاكم المتخصصة.
ويورد الكاتبان أن ديفيد أوتاوي من مركز “ويلسون” قال إن الاعتقالات تفتح باب المشكلات “صندوق باندورا”، متسائلا: “أين سيتوقف هذا داخل العائلة المالكة؟ وهل هناك من الأمراء من ذوي الأيدي النظيفة؟”.
وتنقل الصحيفة عن ناثان براون من جامعة جورج تاون، قوله إن “القانون لا يشمل العائلة المالكة بأي طريقة من الطرق، ولا يحدد العلاقة بين العائلة والدولة”، ويضيف أنه في النهاية سيقوم الملك وأعضاء العائلة المالكة بعمل ما يريدونه أن يظهر قانونيا، إلا أن غياب التنظيمات التي تنظم تعاملات العائلة، قد يفتح الباب في النهاية إلى “ما يمكن اعتباره فسادا في الأنظمة الأخرى”.
ويفيد التقرير بأن هناك قضايا واضحة، مثل فيضانات الصرف الصحي في جدة، التي خصصت لإصلاح بنيتها الملايين، لكنها ضاعت، حيث كتب الصحفي جمال خاشقجي في “واشنطن بوست”: “كلنا كان يعرف ولم نتفوه بكلمة”، بالإضافة إلى قضية رئيس الحرس الوطني ونجل الملك السابق عبدالله، وأهم معتقل الأمير متعب، المتهم بناء على تقارير غير ثابتة وتسريبات بالاختلاس وإثراء نفسه من خلال الجنود الوهميين، أما شقيقه تركي بن عبدالله، حاكم الرياض فمتهم بإثراء نفسه من خلال العقود لإنشاء مترو الأنفاق تحت الإنشاء.
ويستدرك الكاتبان بأنه في بلد تختفي فيه الخطوط بين المال العام والخاص، فإنه يمكن للأمير محمد ومن معه “سجن أي شخص يتهمونه بشيء يرونه فسادا”، بحسب السفير الأمريكي السابق في الرياض روبرت جوردان.
وترى الصحيفة أن أهم المعتقلين هو الأمير الوليد بن طلال، وهو رجل أعمال معروف، ولديه استثمارات حول العالم، وليس بحاجة الفساد، مستدركة بأنه يعد من أكثر الناقدين لممارسات العائلة، فإن الوليد أخبر في برقية تعود إلى 1996 السفير الأمريكي كيف تقوم حفنة من الأمراء البارزين بالسيطرة على مليارات الدولارات خارج الميزانية.
وبحسب التقرير، فإن الوثائق التي سربها موقع “ويكيكليس” قبل 7 أعوام، تكشف عن الطرق التي يحصل من خلال الأمراء على أموالهم، إما من خزينة الدولة، أو من مصالحهم الخاصة أو من طرق غير معروفة، لافتا إلى أن مسؤولا من السفارة الأمريكية حصل على صورة عن الطريقة التي يحصل فيها الأمراء وأبناؤهم على رواتبهم، عندما زار مكتبا في المالية، حيث حصل بعض الأمراء على 270 ألف دولار في الشهر، فيما حصل الأحفاد على ثمانية آلاف دولار شهريا، وعلاوة على هذا كله، فإن الأمراء منحوا علاوات أخرى تتراوح ما بين مليون إلى ثلاثة ملايين لبناء قصور خاصة بهم، وعرف عن الأمراء أنهم يقترضون المال ولا يدفعونه، ما أدى إلى انهيار البنك التجاري، حيث يعمل الأمراء وكلاء للشركات الأجنبية في المملكة.
ويبين الكاتبان أنه عادة ما تقوم وزارتا المالية والشؤون البلدية والقروية ببيع الأراضي للأمراء، الذين يقومون ببيعها إلى شركات العقارات، مشيرين إلى أن الأمير بندر بن سلطان انتفع ملايين الدولارات من صفقة اليمامة مع بريطانيا.
وتختم “نيويورك تايمز” تقريرها بالإشارة إلى أن الأمير بندر معروف بخدمته الطويلة سفيرا في واشنطن، وقال في تصريحات لشبكة “بي بي أس” عام 2001: “لو طلبت مني بناء البلد كله وإنفاق 350 مليار دولار من 400 مليار دولار، واستخدمنا 50 مليار بطريقة سيئة، أقول لك إنني سأقبل في أي وقت”.