شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

«ميدل إيست آي»: بعد الحرب من سيتحمل تكليف إصلاح الدمار الذي أصاب سوريا؟

غارات سوريا على حلب - أرشيفية

نشرت صحيفة «ميدل إيست آي» تقريرًا مطوّلًا عن ملف إعادة إعمار سوريا ومن سيتحمل تكاليفها، ونتائج الحديث في هذا الموضوع حتى الآن، وتناولت موقف كل الدول التي كان لها تدخّل مباشر أو غير مباشر في سوريا منذ بدء الحرب؛ متوقعة أن تستغرق إعادة الإعمار وقتًا أكثر مما هو متوقع، في ظل الأزمة المالية التي تمر بها دول الآن.

وبجانب الأزمات المالية، فالمواقف السياسية المتداخلة للوضع في سوريا بعد الحرب، وكيفية نظر الدول الممكن أن تساهم في الإعمار والفوائد التي ستجنيها، وهي قليلة للغاية؛ فهناك عوامل أخرى ستؤثر في هذا الملف، إضافة إلى غياب استراتيجيات واضحة من الحكومة السورية فيما يتعلق بإعادة الإعمار.

وأدّت دول روسيا والولايات المتحدة وتركيا وإيران والصين والاتحاد الأوروبي دورًا في الصراع السوري، متساءلة: «هل ستساعد أيّ منها على إعادة بنائها؟»؛ فالبنية التحتية للدولة دُمّرت تمامًا، وبلغت التكلفة التراكمية التقديرية لإعادة الإعمار قرابة 226 مليار دولار، وهناك اعتقاد دولي واسع الانتشار بأنّ حكومة الرئيس بشار الأسد وحلفاءها سيطالبون في مرحلة ما بعد بالانتصار بإعادة البناء.

لافتة من متظاهري حمص في سوريا ينددون بما فعلته روسيا وإيران والصين في بلدهم

ومن المتوقع أن يفوز حلفاء بشار، سواء في الداخل أو الخارج، بعقود إعادة الإعمار، ودول مجاورة -مثل لبنان- ستستفيد أيضًا، وقد يستفيد أيضًا المقاولون ورجال الأعمال والممولون؛ لكن ليس بطريقة مباشرة. فالدولة السورية معطلة ماليًا حاليًا، وليس من الواضح كيف تمكنت من تمويل الحرب التي دامت ست سنوات، وتبلغ الميزانية الوطنية لعام 2017 قرابة خمسة مليارات دولار فقط، وانخفض الاحتياطي النقدي الأجنبي من 21 مليار دولار عام 2010 إلى مليار دولار فقط في 2015.

كم ستتكلف إعادة بناء سوريا؟

تتراوح معظم التقديرات بين مائة مليار دولار و350 مليار دولار، وهناك تقديرات بأنها ستصل إلى تريليون دولار. ويقول «جهاد يازجي»، المحرر في صحيف «إندبندنت السورية»، إنّ تقديرات البنك الدولي تقول إنها ستتكلف مائة مليار دولار.

جهاد يازجي

وفي المراحل المبكرة من الحرب، قدّرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم (الأونروا) أنّ الاقتصاد السوري سيعود إلى مستوى ما قبل عام 2011 لمدة 30 عامًا، وقد تطول المدة أكثر من ذلك.

كم تحتاج سوريا؟

تشهد بلدان في العالم أزمات مالية، أكثرها اليمن الذي يعاني من أسوأ أزمة إنسانية منذ عام 1945 وفقًا للأمم المتحدة، ويبلغ الدين العالمي قرابة 217 تريليون دولار. ووسط هذا الإرهاق، هناك قدرات قليلة على تمويل مشروع يتمثل في إعادة إعمار سوريا.

وقالت مصادر في البنك الدولي إنّه لن يصدر أيّ شيكات لسوريا، وقالت حكومات غربية إنها لن تموّل أيّ إعادة إعمار دون انتقال للسلطة، وليس واضحًا ما إذا كانت دول مثل روسيا والصين ستنفق مليارات الدولارات على إعادة الإعمار؛ فالعوائد لها غير مؤكدة.

وتساءل «رشاد القطان»، زميل في المركز الأطلسي وباحث في القطاع المصرفي السوري: هل سيكون بمقدورهم إقناع رجال أعمالهم الخاصين بالدخول إلى سوريا؟ قائلًا إنّ رجال الأعمال السوريين سيحاولون الحفاظ على أعمالهم.

ما الذي يمكن أن تقدمه سوريا للمستثمرين؟

ليس كثيرا، خاصة وأنها تفتقر إلى عناصر رئيسة مهمة لجعلها جذابة للمستثمرين:

1- نقص الموارد الطبيعية، فسوريا ليست لديها احتياطيات نفطية مثل العراق، رابع أكبر مصدر للنفط في العالم، والتي جعلها جذابة لأموال إعادة الإعمار منذ عام 2003.
وتراجعت احتياطات سوريا النفطية لسنوات ووصلت إلى 375 ألف برميل يوميا قبل النزاع، وهو ما يمثل 0.2٪ فقط من الإنتاج العالمي، كما أن احتياطيها من الغاز غير هامة، وتصل نسبتها إلى 0.1% من الإنتاج العالمي.

2- فرضت دمشق رسوما عالية على الواردات الغربية، وهو ما جعل منتجاتها غير قادرة على المنافسة، مقارنة بالواردات من البلدان التي لديها اتفاقيات للتجارة الحرة.

كما أن الشركات المتعددة الجنسية لم تكن موجودة هناك قبل الحرب، وتحتاج سوريا الآن إليها أكثر من أي وقت مضى، للوصول بمستويات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مستويات ما قبل الصراع، عندما ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر من 110 مليون دولار في عام 2001 إلى 2.9 مليار دولار في عام 2010.

3- العقوبات المفروضة على سوريا منذ عام 2011 من أميركا والاتحاد الأوروبي، واستهدفت العقوبات الأولية أعضاء الحكومة السورية والمؤسسات المملوكة للدولة والجيش والأفراد والشركات ذات الصلة.

من مؤتمر للاتحاد الأوروبي لمناقشة إعادة إعمار سوريا

ومنذ ذلك الحين، تم تقييد وصول السوريين إلى البنوك الأجنبية واستخدام شبكة سويفت – وهي نظام دفع عالمي – مما أدى إلى قطع سوريا بشكل فعال عن القطاع المالي الدولي.
وقال كمال علام وهو زميل زائر في معهد «RUSI» في لندن، «سوريا طالبت برفع العقوبات الأساسية، لكنني أشك في أن ذلك سيحدث في القريب العاجل، وستكون تلك العقوبات عائقا أمام جهود إعادة الإعمار».

4- لا توجد استراتيجية حكومية، فلم تجتمع أي من الوزارات السورية منذ عام 2012، إلا لأول مرة في أكتوبر الماضي، حينما تم تشكيل لجنة من الوزارات كافة لوضع استراتيجية لإعادة البناء.

وأوضح «يازجي» أن ما يحاول إيصاله، هو «الحكومة السورية ليست لديها استراتيجية للتنمية الاقتصادية»، فهل ستركز على قطاعات محددة وأي المدن والمناطق التي ستبدأ بها، وما هي سياستها الاقتصادية والمالية؟ لا أحد يعرف.

5- لا يوجد مال: حيث تكبدت المصارف المملوكة للدولة و14 مصرفا خاصا خسائر كبيرة خلال الحرب ولا تملك السيولة للاستثمار الجدي في إعادة الإعمار، حيث انخفضت الودائع في المصارف التجارية الخاصة إلى 3.5 مليار دولار في عام 2016 من 13.8 مليار دولار في عام 2010، وفقا للبنك الدولي.
وقد أثار ذلك تساؤلات حول جدوى الشراكات بين القطاعين العام والخاص، التي طرحتها الحكومة كاستراتيجية لإعادة البناء.

مجهودات ضمن أعمال إعادة البناء في سوريا

6- لا توجد شفافية: قال «يازيجي» إن العديد من المستثمرين يخشون من أن قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، الذي تم إقراره في يناير 2016، يمكن أن يضفي الشرعية على نقل أصول الدولة إلى مستثمرين من القطاع الخاص مقربين من الحكومة.
إنه استنتاج طبيعي: فالعديد من القوانين التي صدرت خلال الصراع كانت لصالح النخبة مثل مخلوف، وفقا لما ذكره يازيجي.
وقال يازيجى «إن إحدى الاستراتيجيات هى منح الأولوية لمحافظى النظام»، وأضاف «لكنهم لا يعلنون ذلك، فما فعلوه هو خفض التعريفات الجمركية والدعم للقطاعات الصناعية والزراعية، لذلك دمروا الإنتاج المحلي».
الشركات المرتبطة بإعادة الإعمار، مثل مجلس المعادن السورية، الذي أنشئ في عام 2015، تديره شخصيات قوية ومقربة من السلطة مثل «محمد حمشو».

إيران: سوريا البيدق الجيوسياسي

طهران أيضا والتي واجهت مشاكل اقتصادية خاصة بها، اكتشفت أن سوريا ليست شريكا سهلا، حيث حصلت على ترخيص للهاتف المحمول في يناير لتصبح ثالث مزود للخدمة في سوريا، كمكافأة لدعمها خلال الحرب، لكن تم تأخير الاتفاق لصالح شركة سيريتل، وهي شركة اتصالات يملكها حليف الحكومة رامي مخلوف.

بشار الأسد ورستم قاسمي رئيس لجنة تنمية العلاقات الاقتصادية الإيرانية السورية

كما مُنحت إيران حقوق فوسفات المنجم بالقرب من تدمر، ولكن بعد ذلك بدأت شركة روسية التعدين في نفس المنطقة، وقال مصدر في «لجنة الإمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا»، إن إيران اشتكت، لكن قيل لها «انتما الاثنان صديقان لنا»، مضيفا أن الإيرانيين ليس لديهم الكثير من النفوذ الاقتصادي، وقد وقعت ايران وسوريا خمس مذكرات تفاهم منذ مطلع العام، لكن كم تم تنفيذها؟
«خودرو وسايبا»، هما مصنعان إيرانيان لصناعة السيارات في حمص ودمشق، لم يمنحا معدلات ضريبية تفضيلية كما كانا يأملان، مما جعلهما أقل قدرة على المنافسة من العلامات التجارية الصينية والأوروبية المنافسة، وبالإضافة إلى ذلك كانت هناك مذكرة تفاهم مع إيران لنقل الغاز الطبيعي إلى سوريا عبر العراق، موقعة عام 2011، ولم تطبق حتى الآن.
وركز تدخل طهران في سوريا، أكثر على الأهداف الاستراتيجية الإقليمية، وقال «عماد كيائي»، مدير في مجموعة إيغد الاستشارية في نيويورك، إن إيران تلعب لعبة طويلة الأمد مع حليف رئيسي في المنطقة، وليس من المفترض أن تكون سوريا بقرة حلوب بالنسبة لها، فسوريا لا تمتلك لديها الموارد اللازمة للحليب.
وأضاف «كيمائي»، أن سوريا لها مكانة جيوسياسية في إيران، وبصرف النظر عن سوريا، فإنها تشارك أيضا في حرب اليمن وتزداد صراعاتها مع الخصوم الإقليميين، وأبرزهم المملكة العربية السعودية.
وقال كيائي «بالنسبة للعراق، فإن عائد الاستثمار ليس فقط من حيث القيمة الرأسمالية ولكن من خلال التأثير الاستراتيجي لتكون موطئ قدم لإيران».
وكانت روسيا أفضل من طهران في الاستيلاء على بعض غنائم الحرب، فافتقارها للتنويع الاقتصادي العام يعني أنها تمتلك سلع وخدمات محدودة للتجارة مع سوريا، وقال «يازيجي»، إن هذا لا يعني أنه لا توجد مفاوضات لكن يبدو أن الروس يحصلون على غنائم أكثر من الإيرانيين.
وفي أكتوبر 2017، أفيد بأن موسكو ستقدم تمويلات لبعض مشاريع الكهرباء، وهي أول حالة تمويل مباشر من موسكو خلال السنوات الماضية.
وقال «أندرو بوين»، أحد المتخصصين الروسي والعضو في مبادرة دراسة التهديدات الناشئة في جامعة نيويورك، إن إعادة إعمار سوريا بالنسبة لروسيا ستكون انتقائية للتأكيد على أنها جزء من مهمتها الإنسانية.
وأضاف، أن الأمر يتعلق بتقديم صورة أكثر ليونة لروسيا في الشرق الأوسط، واذا استثمرت، واستثماراتها المتوقعة هي حيلة دعائية لها.
ويتوقع «بوين» أن تتبع روسيا النموذج المستخدم في مسرح الصراع الحالي الآخر، أوكرانيا.

لبنان: يجب أن تمر من خلال حزب الله أولا

وحارب حزب الله، الذي يتخذ من لبنان مقرا له، وحليف إيران، إلى جانب الجيش السوري. ويريد الآن هو الآخر الاستفاد من إعادة إعمار سوريا، لكن هناك عقبة أمامه، فالقانون يمنع التمويل الدولي لحزب الله، ومنع التشريع الأمريكي حزب الله المدرج على قائمته السوداء، من الوصول للنظام المالي العالمي.وكذلك لبنان نفسها.

جنود من حزب الله اللبناني يرفعون راياتهم في سوريا

ويعتقد البعض في بيروت أن الصين قد تقدم المزيد من الأمل ويحاول لبنان إقناع بكين بالاستثمار في ميناء طرابلس الشمالي الذي يتم بيعه كمركز لوجستي محتمل للسلع والمواد لدخول سوريا.
وقال مصدر سياسي لبناني لصحيفة «فاينانشال تايمز»، في يوليو، إن لبنان في مكان استراتيجي مهم من حيث البحث عن الفرص في سوريا ما بعد الحرب، مضيفا «إننا نتحدث عن مليارات الدولارات هنا».

لكن السفير الصيني في لبنان «وانغ كيجيان» قال من قبل، في سبتمبر، إن شركات الشحن الصينية لديها علاقات محدودة مع لبنان ولا تفكر في طرابلس بعد بسبب عوامل اقتصادية ربما بعد انتهاء الأزمة السورية سيكون هناك روابط بين لبنان والمنطقة، ف إشارة إلى شبكة نقل محتملة.

الصين: المصالح الأمنية

دعمت «بكين» دمشق فى الأمم المتحدة، وقدمت قوات ومساعدات انسانية، ولها تاريخ فيما يتعلق بإعادة الإعمار في الخارج، حيث انخرطت من قبل فى أنجولا بعد انتهاء الحرب الأهلية المستمرة منذ 27 عاما فى عام 2002، كما أن أكثر من 50 شركة صينية مملوكة للدولة و 400 شركة خاصة على استعداد لخوض تلك التجربة.

لكنها لم ترد حتى الآن فيما يخص عملية الإعمار في سوريا، كل ما يهمها حاليا هناك هو النفط، وبجانب ذلك تعد سوريا جزءا من مبادرة «الحزام والطريق» التي تبلغ قيمتها تريليون دولار، وتشمل 60 بلدا، لكن سوريا ليست عضوا فى البنك الآسيوى للاستثمار «الإسكوا»، الذى تدعمه بكين، لذا لا يمكنها تقديم التماس للحصول على أموال بالرغم من أهمية البلاد الاستراتيجية للصين فى الشرق الأوسط.

وقال علام: «إن أثر النقود فيما يتعلق بسوريا والصين يتأثر بنقص الموارد السورية»، مضيفا أن مصلحة الصين الحقيقية في سوريا هي الأمن، وليس الاقتصاد.
حيث تخشى بكين من تطرف المسلمين «الإيغور» فى مقاطعة شينجيانغ التى لم يتم تسويتها حتى الآن، وتخشى من أن بعض مقاتلين سوريا سيهربون إلى الصين لدعمهم هناك، كما حدث مع المقاتلين الذين انضموا إلى «تنظيم الدولة» لدعمه.

وزير الخارجية الصيني وانغ يي ووزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمر صحفي في بكين 2015

ويذكر أن تركيا كانت داعما تاريخيا للإيغور، مما زاد من حاجة الصين إلى معلومات موثوقة فى الشرق الأوسط، وأضاف علام، أن الأتراك لم يكونوا حلفاء موثوق بهم عندما يتعلق الأمر بالإيغور لذا فان سوريا هي مراقب مهم للوضع المحلي، وإذا كان من نتائج ذلك هو إنفاقها أموالا على سوريا، فإنها لن تتردد.
وتجئ النداءات السورية للصين من أجل الاستثمار هناك في شكل مبادرات خاصة، مثل الاتفاق على تصنيع ماركة «دونغفنغ» الصينية للسيارات في سوق حمص.
وفي وقت سابق من هذا العام، رفضت بكين إصدار تأشيرات للمسؤولين السوريين، على الرغم من أنها منحت الإذن لرجال الأعمال، وقال «أندرو تابلر» من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إن ذلك يعبر عن آلام الأسد خلال زيارته الأولى للصين في عام 2004، والتي قطعت بصورة مفاجأة؛ لأن بكين رغبت في إعطاء الأولوية لزيارة وزير التجارة الإسرائيلي آنذاك .
ويحاول عماد مصطفى، السفير السورى لدى الصين، الحصول على مزيد من الدعم من بكين.
لكن «قطان» حذر من أن الصين لم تبد أي نية حقيقية للاستثمار في سوريا، ليس فقط بسبب النظام، ربما بسبب المحسوبية والفساد، وربما تعلموا الدرس بأنه الحكومة السورية ليست قوية.

الولايات المتحدة: دفتر شيك مغلق بإحكام

ومن غير المرجح أن تمول واشنطن أي جهود لإعادة الإعمار، رغم دعمها لمجموعات المعارضة خلال الحرب، وفي حين كانت هناك ضغط على الولايات المتحدة «لدفع ثمن ما خربته» في العراق بعد غزو عام 2003، إلا أن سوريا مختلفة.
وقال مصدر في «الإسكوا»، إن تمويل الأميركيين غير وارد.
وصرحت كل من إدارتي أوباما وترامب بأن الأسد يجب أن يرحل، وتاريخيا كانت هناك رغبات ضئيلة في عملية تمويل إعادة الإعمار في أعقاب الفضائح في العراق وأفغانستان وسط حديث عن أموال مختلسة والتي قدرتها لجنة الكونجرس الأمريكي ما بين 31 مليار دولار و 60 مليار دولار فقدت من أصل 160 مليار دولار بسبب الاحتيالات.

الكونجرس الأميركي – أرشيفية

واعتبارا من عام 2013، خصصت واشنطن حوالي 60 مليار دولار لإعادة الإعمار في العراق، في حين أن الاستثمارات الإضافية نشأت عن طريق الإفراج عن الأموال العراقية المجمدة خلال عهد صدام حسين.
وعلى الرغم من المشاكل الأمنية المستمرة، ما زالت بغداد قادرة على جمع أموال إعادة الإعمار من احتياطياتها الضخمة من النفط، وفي عام 2016، أنتجت الشركة ما يقدر ب 3.6 مليون برميل يوميا لتمويل ميزانيتها السنوية البالغة 100 مليار دولار أمريكي.
وبالمقارنة، كانت سوريا تنتج 375 ألف برميل يوميا في عام 2010، وهي آخر الأرقام المتاحة قبل النزاع، وهي 0.02% من الإجمالي العالمي. وقد انخفض هذا الرقم الآن.

مصر: لديها مشاكلها الخاصة بها
وعانت القاهرة من علاقات مضطربة مع سوريا خلال السنوات القليلة الماضية، حيث تدهورت العلاقات بينهما في عام 2013 عندما دعمت مصر المعارضة السورية، وأغلقت السفارة السورية في القاهرة، واستدعت القائم بأعمالها من دمشق وحاولت جمع الأموال للمتمردين.

لكن تحسنت العلاقات بعدما أطيح بالرئيس محمد مرسي في عام 2013 وتولى عبد الفتاح السيسي السلطة بعد انقلاب عسكري، ومنذ ذلك الحين، اضطرت القاهرة إلى القيام بعمل متوازن، كما هو الحال بين دمشق والحلفاء، بما في ذلك الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي، الذي يضم السعودية والإمارات بين أعضائها.

وأرسلت مصر وفودا تجارية إلى سوريا في أغسطس 2017، وهي حريصة على تطبيع العلاقات التي من شأنها أن تساعد دمشق/ ولكن مع اقتصادها الذي يكافح والدين المرتفع يمكن لمصر أن تقدم دعما فقط عن طريق الاستثمار الخاص.

صورة لجزء من صاروخ التقطه المعارضون في سوريا من تصنيع الهيئة العربية التابعة للسيسي يدعم به بشار الأسد

وقد حاولت القاهرة نفسها عبثا جذب المستثمرين بعد ثورة عام 2011، على الرغم من الدعم المقدم من صندوق النقد الدولي ودول مجلس التعاون الخليجي، وفي عام 2015، نظم المؤتمر المصري للتنمية الاقتصادية في شرم الشيخ، في سبيل هذا الهجف، لكنه فشل.
وقال «قطان»، حتى لو حاولت سوريا اتباع نهج مصر في تنظيم مثل تلك المؤتمرات والقيام بمبادرات مشابهة فإنها ستفشل أيضا، واضاف «حتى لو وصلت سوريا الى المرحلة نفسها، مع مؤتمر التنمية في إبريل 2018، سنسمع مليارات التعهدات، لكننا سنجد سجل التنفيذ خاليا».
بقية العالم العربي: نريد التغيير أولا
تركيا وأعضاء مجلس التعاون الخليجي أرادوا الإطاحة بالأسد، وإذا كان أطيح به فعلا ربما كانوا سيفكرون في عملية التمويل لإعادة الإعمار، وقال مصدر في الإسكوا، «لا يوجد سوى دول مجلس التعاون الخليجي التي أعلنت عن نيتها في تقديم من 10 مليارات إلى 15 مليار دولار، إذا حدثت عملية انتقال سياسي هناك.
وأضاف المصدر، إن دول مجلس التعاون الخليجي لن تعطى أي عقود أو تمويل لأي كيان مثل الحكومة السورية في ظل علاقاتها الوثيقة مع إيران وحزب الله.
فيما قال «علام»، إن الحجة المضادة هي أن دول مجلس التعاون الخليجي قد تقدم، بكل وضوح، الأموال والاستثمارات الخاصة لمواجهة تأثير طهران والشيعة في سوريا، ولكن إذا كان ذلك سيحدث، فإن مجلس التعاون الخليجي سيتعين عليه أن يغير موقفه من الأسد.
وينطبق الأمر نفسه على أنقرة التي عارضت دمشق، بينما دفعت 12.5 مليار دولار خلال النزاع لاستضافة 3.2 مليون لاجئ سوري داخل حدودها.
وقال «اتيلا يسيلادا»، المحلل المقيم فى اسطنبول، إنه بينما كانت تركيا خيارا طبيعيا لقيادة إعادة الإعمار الاقتصادى، إلا أن العقبات السياسية ما زالت قائمة، فتركيا ليست لديها مصلحة في إنهاء الحرب السورية.
أوروبا: مشكلة اللاجئين
ويحرص الاتحاد الأوروبي على احتواء تدفق اللاجئين إلى أوروبا من سوريا وجيرانها، ويوجد حاليا أكثر من 970 ألف لاجئ سوري في دول الاتحاد الأوروبي.
كما أن الاتحاد الأوروبي شريك تجاري رئيسي لسوريا، وفي عام 2016، بلغت قيمة التجارة بين الاتحاد الأوروبي وسوريا 500 مليون دولار، أي أقل بقليل من سبعة في المائة مما كان عليه قبل الحرب في عام 2010 عند 7.2 مليار دولار.

لاجئون في أوروبا

فهل ستشجع عملية الإعمار على إعادة اللجئين إلى بلادهم؟ هذا المنطق الذي تفكر به أوروبا حاليا.
وهو ما يعطي سوريا بطاقة للعب بها في عملية إعادة الإعمار، وفقا لقطان، حيث يرغب الاتحاد الأوروبي في عودة اللاجئين لبلادهم ولهذا السبب ترسل ألمانيا الكثير من المساعدات، وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع الكيانات الإرهابية، كما حدث بعد 11 سبتمبر 2001.
وقال الاتحاد الأوربى إنه يريد الإسهام فى تحقيق الاستقرار والانتعاش المبكر للمناطق التى انخفض فيها العنف.
وقال قطان: «الانتعاش المبكر» هو إعادة الإعمار، لكن هناك تخوف واحد، فالاتحاد الأوروبي هو الآخر يريد الانتقال السياسي أي تخلي الأسد عن السلطة في سوريا، وهي القضية التي دفعت موسكوا لاتهام بروكسل بـ«تسييس المساعدات».
كما نصت منظمات الإغاثة الغربية على نفس الشروط الخاصة باجتماع بروكسل في إبريل 2017. وقالت منظمة «كير» الدولية ولجنة الإنقاذ الدولية والمجلس النرويجي للاجئين ومنظمة أوكسفام وإنقاذ الطفولة، في بيان مشترك، ينبغي أن يكون الدعم الدولي مشروطا بإيجاد حل سياسي متفق عليه، واحترام حقوق الإنسان، وحماية المجتمع المدني المستقل، وبغض النظر عن هذه الظروف، فإن التحرك نحو المساعدة في إعادة الإعمار يخاطر بمزيد من الضرر أكثر مما ينفع.
وبالمثل، قال الأسد إن الاتحاد الأوروبي ليس له دور يلعبه في إعادة إعمار سوريا.
وكما هو الحال، يبدو أن الاستثمارات الأصغر حجما من أوروبا هي أفضل أمل بالنسبة لسوريا، وكانت وزارة المالية السورية أعلنت في أكتوبر الماضي أنها تستعد لإعادة إطلاق المجالس التجارية الثنائية مع العديد من الدول التي تعتبرها صديقة.
وقال علام: «سوريا لا تحتاج إلى كميات هائلة من الخارج كما يتوقع الناس، ويمكنهم الحصول على مشاريع البنية التحتية الصغيرة من الخارج والقيام بالبقية أنفسهم.
وأضاف «أندونيسيا تبرعت بعدد قليل من المستشفيات وسيارات الاسعاف وفعل الماليزيين نفس الشئ، وهو نشاط اقتصادى صغير يحافظ على الحكومة، وفرنسا وأوروبا مخطئتان إذا اعتقدتا أنهما يمكنهما ابتزاز سوريا بشروطهما.
الشركات متعددة الجنسيات: متضررة من قبل أن تقرر
فقوة الإنفاق بين المستهلكين السوريين ضعيفة بشكل غير متوقع بعد ست سنوات من الصراع، وبلغ إجمالي الناتج المحلي في عام 2016، 15 مليار دولار فقط، أي ربع ما كان عليه في عام 2010، ويعيش أكثر من 80 % من السوريين تحت خط الفقر، وفقا للأمم المتحدة، حتى قبل النزاع، كانت القوة الشرائية منخفضة للغاي.
وهذا ما جلعل سوريا أقل جبا لمثل تلك الشركات، وأشار قطان إلى التعريفات الجمركية وصعوبات العمل في سوريا كعقبات أمام الاستثمار الأجنبي المباشر الغربي. فعلى مستوى الأعمال، وبالنظر إلى المنظور الاقتصادي قبل عام 2011، لم يكن هناك أي شركات غربية باستثناء الطاقة.
وأضاف القطان، أن على سوريا الآن إقناع تلك الشركات متعددة الجنسيات بالمجيء من أجل الحصول على الأموال، لكنهم لن يستجيبوا فالحكومة السورية تستطيع مصادرة الاستثمارات أو حقوق الملكية بسهولة، فالهيمنة المستمرة لألأعضاء النظام رادعة، وكذلك العقوبات الدولية.
السوريون في الخارج: هل هم موضع ترحيب؟
تأسست جمعية الأعمال الدولية السورية «سيبا» في يوليو في مرسيليا، برعاية البنك الدولي، وهي مبادرة لتشجيع رجال الأعمال السوريين المغتربين على العودة والاستثمار في إعادة الإعمار.
وقال رياض الخوري، باحث سياسي، إن هناك ما يقرب من 100 مليار دولار من الأموال السورية خارج البلاد، مضيفا أن الكثير من هذه الأموال ستعود، حيث أن الحكومة تحتاج إلى «الشتات» الآن أكثر من ذي قبل، لذلك هناك فرصة، وسيأتي التمويل أسرع بكثير مما يتوقعه الناس.
ومن شأن هذا الاستثمار أن ينسجم مع استراتيجية دمشق الواضحة المتمثلة في جذب الاستثمارات الصغيرة من جهات فاعلة متعددة. بيد ان البلاد ترسل رسائل مختلطة وفقا لما ذكره «يازيجى».
وفي الوقت الذي ناشد فيه بعض أعضاء الحكومة المغتربين على العودة وإعادة الاستثمار وتقديم حوافز لهم مثلما فعلت مصر، إلا أن الصحافة المحلية المملوكة للدولة، جائما ما تصف رجال الأعمال هؤلاء الذين فروا من سوريا بأنهم «خونة»، وقال يازيجي «ناك الكثير من المصالح المتضاربة».
وفي أكتوبر، جمدت دمشق أصول «عماد غريواتي»، رجل الأعمال الذي كون ثروته من العلاقات مع الحكومة لكنه فر إلى الإمارات بمجرد اندلاع الصراع، وقال يازيجي «رسالة أرسلت من الحكوم إلى المستثمرين: أي شخص لا يدعمنا لا يمكن أن يلعب معنا».
إذا ما وضع عملية إعادة الإعمار الآن؟
ما لم يكن هناك سياسة رئيسية من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتركيا تجاه حكومة الأسد، فإن سوريا لن تحصل على عشرات المليارات من الدولارات اللازمة لإعادة البلاد إلى سابق عهدها، وقال قطان «إن الحديث عن مليارات الدولارات القادمة، مجرد أمنيات».
وبدلا من ذلك، سيتعين على سوريا الاعتماد على الاستثمارات الصغيرة وتطوير البنية التحتية لدفع نفسها بنفسها، ولن يتحقق ذلك إلا إذا وضعت دمشق استراتيجية قابلة للتطبيق



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023