«سيقود اتجاه ابن سلمان إلى تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني حتمًا إلى مقاومة الدول العربية والإسلامية له، باستثناء أربع دول أو خمس مؤيدة له، من ضمنها مصر؛ وهو ما سيعطي إيران الفرصة لنزع الشرعية السعودية من المنطقة العربية واكتسابها نفوذًا حتى في قلوب المسلمين والعرب. ويواجه الرئيس محمود عباس الآن ضغوطًا من السعودية لقبول خطة كوشنر للسلام، التي تعطي إسرائيل امتيازات كثيرة».
هكذا قدّم «إبراهيم فريحات»، أستاذ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا وجامعة جورجتاون، مقاله لـ«شبكة الجزيرة»، وترجمته «رصد»، عن مساعي ولي العهد السعودي إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني.
خطة لإنهاء المقاطعة
بفضل خططه للخلافة واستراتيجيته لمواجهة نفوذ إيران في المنطقة العربية، تورّط «ابن سلمان» في خطوات خطيرة؛ أبرزها اعتقال عشرات الأمراء والوزراء، وتطبيع العلاقات -على الأقل جزئيًا- مع «إسرائيل». لكنّ اتخاذ إجراءات ملموسة لإنهاء المقاطعة العربية معها دون التوصّل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية أولًا سيضر بفلسطين والسعودية.
وأجرى رئيس أركان الجيش الإسرائيلي «غادي ايزنكوت» لقاءً مع مصدر إخبارى سعودي، قال فيه إنّ «إسرائيل» مستعدة لتبادل المعلومات مع السعودية عن إيران. كما شارك الاحتلال للمرة الأولى في الوقوف مع المملكة ضد قرار مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي في سوريا. إضافة إلى ذلك، وجّه وزير الاتصالات الإسرائيلى «ايوب كارا» دعوة إلى مفتي السعودية «عبدالعزيز الشيخ» لزيارة «إسرائيل» بعد تعليقاته الودية عن دولة الاحتلال.
لعبة «عباس»
ومن أجل إضفاء الشرعية على خطوات التطبيع مع «إسرائيل»، استدعت السعودية «محمود عباس» إلى الرياض الأسبوع الماضي لإقناعه بقبول خطة السلام التي قدمها المستشار الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب «جاريد كوشنر». والتعاون السعودي الإسرائيلي جزء لا يتجزأ من هذه الخطة.
ووفقًا لصحيفة «نيويورك تايمز»، يمكن أن يتضمن الاقتراح إجراءات أخرى للتطبيع؛ مثل استئناف الرحلات إلى تل أبيب، ومنح تأشيرات لرجال الأعمال مع السعودية ومصر والأردن والإمارات.
وتعاون عباس ضروري للتطبيع السعودي الإسرائيلي، ومن دونه سيُنظر إلى الخطوة السعودية على أنها خيانة للموقف العربي والإسلامي فيما يتعلق بفلسطين. وعلى الرغم من أنّ ما حدث بالفعل أثناء زيارة عباس إلى الرياض لم يُكشف؛ تحدّثت تقارير عن ضغط القيادة السعودية على عباس لقبول خطة كوشنر أو الاستقالة.
والآن، «عباس في موقف لا يُحسد عليه؛ فمن المرجح أن يزداد الضغط عليه بعد خروج خطة كوشنر إلى النور في وقت قريب، ويحتاج في الوقت نفسه إلى دعم مالي سعودي وأميركي من أجل مواصلة السلطة الفلسطينية العمل».
ومع ذلك، لن تضمن صفقة كوشنر حتى الحد الأدنى من العدالة للمشروع الوطني الفلسطيني، بينما تقدّم مكاسب استراتيجية لـ«إسرائيل»؛ مثل إنهاء المقاطعة العربية السعودية، ومكاسب تكتيكية للفلسطينيين، مثل المساعدات المالية والإفراج عن السجناء والتجميد الجزئي للأنشطة الاستيطانية.
كما ستقسّم الصفقة خطة السلام العربية 2002، التي ترعاها السعودية وعرضت التطبيع الكامل مع «إسرائيل» مقابل الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وما تفعله السعودية الآن يعد تقويضًا لمبادرتها؛ بتطبيع العلاقات جزئيًا مقابل تحالف ضد إيران. ومن المرجح أن تعقد خطة التطبيع السعودية المصالحة الفلسطينية الداخلية.
ضعط سعودي أميركي
وللضغط على عباس، استدعت المملكة السعودية عدوه المرير «محمد دحلان» إلى الرياض أثناء وجوده هناك. ويُفترض أنّ الغرض من هذه الخطوة مناقشة الطرفين «المصالحة الداخلية». وبعبارة أخرى، جلبت السعودية دحلان إلى المشهد في حال رفض عباس خطة كوشنر، وفي ما يمكن تفسيره على أنه علامة على مقاومة الضغوط السعودية؛ إذ لاحظ متابعون في الضفة الغربية وقطاع غزة أنّ عباس بعد عودته إلى رام الله بدأ يقضي على مؤيدي دحلان.
وبعد أيام قليلة، وُجّهت ضربة أخرى إلى السلطة الفلسطينية؛ إذ أعلنت الإدارة الأميركية يوم الأحد أنّ ترخيص مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن لن يُجدد، وهو أمر ليس صدفة. في الواقع، قد يكون علامة قوية على أنّ عباس لا يزال يقاوم الضغوط السعودية الأميركية. وتماشيًا مع هذه الحجة، قال «محمد أشتية»، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وأحد المرشحين خلفًا عباس، إنّ «المصالحة لن تكون ممرًا لمشروع سياسي إقليمي على حساب القضية الفلسطينية».
ووضعت مطالب السعودية محمود عباس في موقف صعب؛ لأنّ شعبه سيرفض بشكل قاطع شروط «اتفاق كوشنر»، وهو ما يذكّر بمعضلة سلفه «ياسر عرفات» في كامب ديفيد عام 2000، بعدما واجه ضغوطًا أميركية لقبول خطة «إيهود باراك» بالانسحاب الجزئي من الضفة الغربية وغزة. وبعد اتفاقات كامب ديفيد مباشرة هُمّش عرفات، وبعد عامين توفي بشكل غامض؛ فإلى أي مدى سيكون عباس قادرًا على مقاومة الضغوط الأميركية السعودية.
لكن، من الواضح أنّ المملكة ستمضي قدمًا في جهود التطبيع مع «إسرائيل» في وجود عباس أو من دونه. فالطريقة التي يدير بها «ابن سلمان» الخلافة في الداخل والتصعيد مع إيران في الخارج يشيرات إلى أنه مستعد لاتخاذ قرارات جذرية؛ لكنّ تحرّكه بخصوص «إسرائيل» قد لا يؤتي ثماره، وكذلك سياسات جريئة أخرى له.
مخاطرة
في الواقع، الأمر سينتهي بإطلاقه النار على قدمه؛ فالدفع بصفقة كوشنر يعني العمل ضد إجماع الدول العربية والإسلامية التي ترفض التطبيع مع «إسرائيل» دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية.
وقد تحصل السعودية على دعم من دول مثل الإمارات والبحرين ومصر والأردن؛ لكن ليس من بقية الدول الـ57 الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، مثل الكويت على سبيل المثال، التي تقوم بالفعل بأنشطة مكافحة للتطبيع مع الكيان الصهيوني.
فإذا ما نُفّذت خطة ابن سلمان فإنه بذلك يخاطر بمكانة المملكة العربية السعودية الرائدة في العالم الإسلامي. ويبدو أنه ووالده الملك سلمان، خادم الحرمين الشريفين، سيفقدان الحرم الثالث في القدس؛ فإذا استمر في التطبيع مع الكيان الصهيوني فإنه بذلك يعطي إيران يدًا قوية لاستخدامها ضد الرياض في جهودها لنزع الشرعية السعودية من العالم الإسلامي.