نشرت صحيفة «ميدل إيست موينتور»، مقالا، «لثيمبيسا فاكود»، الباحث بمركز الجزيرة للدراسات السياسية والاستراتيجية، سلط فيه الضوء على تورط السعودية في مآزق عدة، جراء سياستها الأخيرة، مؤكدا أنها ورطت نفسها ولن تسنطيع الخروج منها بسهولة أو بأي وسيلة، فعوضا عن الانتقادات الداخلية والخارجية لحرب اليمن، والاعتقالات الجماعية بحق شخصيات بارزة في الجتمع السعودي، فإن أزمتها مع لبنان مكنت حزب الله وإيران من اكتساب أرضيات جديدة على حساب الرياض.
تحركات فاشلة ومربكة
وأضاف الكاتب، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، من بين القضايا التي ورطت السعودية نفسها فيها دون داع، دعوتها إلى عقد اجتماع لوزراء الخارجية العرب في القاهرة؛ لبحث «السياسة الإيرانية المدمرة» في المنطقة، على حد وصفها، إضافة إلى ما وصفته الصحيفة بالاستقالة الواهية لرئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري»، والتي ألقاها من الرياض وليست بيروت، وكذلك منع الرئيس اليمني المعترف به دوليا «عبدربه هادي منصور» وابنيه ووزرائه ومسؤولي الجيش من التحرك.
ومن المعروف أيضا أن هناك عداوة بين الإمارات وهادي، ويعتقد أن القيود المفروضة على تحركاته له علاقة كبيرة بها، مضيفا أن مثل تلك الإجراءات كالدعوة لمؤتمر في بلد أجنبي وإجبار رئيس وزراء دولة ذات سيادة على الاستقالة ومنع رئيس معترف به دوليا من التحرك مع الوفد المرافق له، كلها أمور تعكس السياسة الجديد داخل السعودية.
وكان سعد الحريري ادعى في بيان استقالته، أنه تلقى تهديدات من حزب الله بالقتل، واتهمت جماعة حزب الله السعودية بإجبار الحريري على الاستقالة، وتكررت تلك الادعاءات من السياسيين في لبنان، بما في ذلك «حزب المستقبل»، حزب الحريري نفسه، كما رفض رئيس الجمهورية ميشال عون قبول تلك الاستقالة، غير أن الحريري رفض في لقاء تلفزيوني آخر بالسعودية، الأقاويل بأنه تم إجباره على الاستقالة، وقال إنه سيعود إلى لبنان قريبا، وأجرى للتو محادثات مع الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون.
وتزامنت استقال الحريري مع اعتقال «ابن سلمان»، لعشرات من الأمراء السعوديين ورجال الأعمال والسياسيين، بتهم تتعلق بالفساد، بينهم رجل الأعمال محمود العمودي، الممول الرئيسي لسد النهضة.
ابتزاز الحريري
وعن كيفية استطاعة السعودية ابتزاز الحريري، قال الكاتب، إن شركته في السعودية «أوجيه» واجهت، صعوبات مالية لعدة أشهر، وفي عام 2016 عجزت عن دفع رواتب موظفيها، وتركت فواتير غير مدفوعة قيمتها مليارات الدولارات، وهي الآن تتأرجع وعلى وشك الإفلاس، وتدخلت الحكومة في نهاية المطاف مع تفاقم محنتها، تجنبا للحرج الدبلوماسي، ووفقا لـ«هيندوستان تايمز»، في أغسطس 2016، وعد السفير في نيودلهي بأن جميع العمال المتضررين سيتقاضون رواتبهم من الحكوم السعودية.
وأدى ذلك إلى وقوع الحريري تحت ضرس الحكومة السعودية، وأصبح عميلا للرياض، وهناك مزاعم تقول بأنه مدين لها بمليارات الدولارات، ولأنه يحمل جنسية أخرى غير السعودية، كانت هناك تخوفات من الهروب من التهم المتعلقة بالفساد، فثروته الهائلة تؤهله أن يلقى مصير رجال الأعمال الآخرين المتهمين بالفساد.
وأشار أيضا إلى أنه ربما يكون الحريري المعتقل أكثر قيمة للسعوديين، وربما الإسرائيليين أيضا، فاتهامه لحزب الله وإيران بزعزعة استقرار لبنان، عامل أساسي في محاولة فهم الفشل السياسي الحالي، لأنه ذريعة لحرب أخرى في لبنان، وهو أمر من شأنه أن يخدم إسرائيل في سعيها لرد المكاسب التي أحرزها حزب الله، وتدمير البنية التحتية لجارته الشمالية، حيث اكتسب حزب الله أرضا واسعة ورسخ لنفسه باعتباره الحركة السياسية الأكثر تنظيما في لبنان، وتفهم إسرائيل بأنها إذا لم تستطع كنسها تماما فعلى الأقل تضعفها.
خطة السعودية للبنان
ولم تكن الزيارة السرية لصهر الرئيس الأمريكي «جاريد كوشنر»، إلى السعودية الشهر الماضي مصادفة، وعلاوة على ذلك فإن تأكيد مسؤول إسرائيلي بأن ولي العهد السعودي «الأمير محمد بن سلمان» زار تل أبيب سرا، يضيف مصداقية إلى التكهنات بأن خطط زعزعة استقرار لبنان تم فحصها بعناية ووافقت عليها الولايات المتحدة وإسرائيل.
ولا يمكن تحقيق أي خطة للهجوم على حزب الله دون تدخل الحريري؛ وادعاءاته حول تهديد الحزب له وحول إيران توفر ذريعة مثالية لهذا الهجوم، لكن المملكة العربية السعودية قللت من الخبرة السياسية لزعيم حزب الله «حسن نصرالله» بتفكيرها في هذا، حيث دعا نصر الله في خطابه المصاغة بعناية إلى الوحدة اللبنانية وتجنب الخطاب الانقسامي، باختصار، «أصبح قائدا للجميع». وفي الواقع، وخرجت تصريحات مماثلة من قادة حزب حركة المستقبل، وألقوا جميعهم باللوم على السعودية.
أسبوع سيئ
وغير ذلك بالغت السعودية وحلفائها في تقدير الانقسام بين السنة والشيعة بلبنان، وتلقى الإدعاء السعودي بأنها «حارسا للإسسلام السني» ضربة قوية، بعد إعلان اللبنانيين السنة بصوت عال وواضح «أنت لا تمثلنا»، وتغاضت السعودية أيضا عن عامل آخر أكثر أهمية، فشعب لبنان ببساطة بجميع طوائفه أرهقته الحرب الطائفية، لذا فإنهم يرفضون الدخول في لعبة السعودية، وعدم وعي الرياض بتلك النقاط أدى لأن تكسب إيران يدا جديدة.
وأشار الكاتب، إلى أن هذا الأسبوع كان أسبوعا سيئا على السعودية، حيث فشلت في كسب الرأي العام، حول حربها في اليمن، ولم تستطع تجنب سيل الانتقادات التي طالتها من أطراف داخلية وخارجية، وفي الداخل السعودي أيضا، أدت الاعتقالات الجماعية للمواطنين السعوديين البارزين إلى تصاعد الاستنكارات، وبجانب هذا هناك أيضا أزمة الحصار القطري، والتي تلقت عنها انتقادات كثيرة.
وأشار الكاتب في نهاية مقاله، إلى أن عودة الحريري إلى لبنان وسحبه لاستقالته، ستشكل ضربة أخرى قاصمة للسعودية، ولهدفها بأن يحل شقيقه بهاء الحريري محله، وقد يحبط ذلك أيضا صعود أشرف ريفي، وهو سياسي سني استقال من منصبه كوزير للعدل، تحدى الهيمنة السياسية للحريري في لبنان، ولن تستطيع السعودي إدارة تلك الفوضى بأي سويلة.