نشرت صحيفة «ميدل إيست آي»، مقالا للناشط والكاتب الفلسطيني «عزام تميم»، حول التقارب السعودي الإسرائيلي، موضحا أنه لم يكن تقاربا جديدا، بل بدأ بشكل متقطع وسري منذ عام 1981، حينما أرادت السعودية توقيع اتفاقية سلام مع دولة الكيان، مقابل التراجع إلى حدود ما بعد 1967 وتطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني، وفي السنوات الأخيرة، كانت هناك زيارات من مسؤولين سعوديين بصفتهم الشخصية، لاختبار أمر تطبيع العلاقات معها.
ووفق ما ترجمت «شبكة رصد»، قال الكاتب، إن «ابن سلمان»، لم يفشل أبدا في إصدام الرأي العام المحلي والعالمي، سواء عن قصد أو دون قصد، مشيرا إلى المقابلة التي أجراها قائد الجيش الإسرائيلي «الجنرال غادي إيسنكوت»، مع موقع إيلاف العربي، الأسبوع الماضي، علامة أخرى على التحولات الكبيرة التي طرأت على النهج السعودي للسياسة الإقليمية والدولية منذ أن صعد ولي العهد أعلى سلم السلطة.
تقارب قديم
في نفس اليوم نشرت صحيفة «هآرتس»، تقريرا قالت فيه، إن الأردن قلقة للغاية، حيال سرعة السعودية في تحقيق السلام مع الإسرائيليين وتطبيع العلاقات معها على حساب الأردنيين والفلسطينيين، وعلى الرغم من توقيع الأردن لمعاهدة سلام مع إسرائيل عام 1994، «إلا أنها تخشى من رد فعل عنيف إذا حاول السعوديون إبرام اتفاق مع إسرائيل، يلغي حق العودة للفلسطينيين».
وأشار الكاتب، إلى أنه التقارب السعودي الإسرائيلي لم يبدأ مع ولي العهد ابن سلمان، فعلى مدار السنوات الماضية، كُلف عددا من الأفراد السعوديين بصفاتهم الشخصية، اختبار المياه الراكدة، في أمر العلاقات مع إسرائيل، وفي الآونة الأخيرة عُرف أن شخصيين رسميين اجتمعوا مع الجانب الإسرائيلي، «الرئيس السابق للاستخبارات السعودية الأمير تركي الفيصل والجنرال السعودي السابق أنور عشقي»، وهناك اعتقاد أن «ابن سلمان» كان في إحدى الزيارتين.
كما أن الاهتمام السعودي بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بدأ قبل ذلك بكثير، ففي عام 1981، وأثناء مؤتمر القمة العربية، فاس، بالمغرب، اقترح ولي العهد السعودي آنذاك، الأمير «فهد بن عبدالعزيز»، إبرام خطة للسلام مع إسرائيل مكونة من ثمان نقاط، بعد أقل من ثلاث سنوات من تقسيم مصر للعالم العربي، بإبرامها اتفاق السلام في «كامب ديفيد» عام 1987، والتي لم تحصل فيها على موافقة أغلبية الدول العربية.
واستغرق الأمر بحسب الكاتب، من السعوديين، 20 عاما، لجمع توافق عربي حول بداية مبادرة سلام جديدة بدأها ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبد العزيز والتي أصبحت تسمى بعد ذلك بـ«خطة السلام العربية»، بيد أن تلك الخطة التي عرضت على إسرائيل الاعتراف العربي الكامل والتطبيع مقابل انسحابها من الأراضي التي احتلتها عام 1967، لم تقبلها إسرائيل على الإطلاق.
نجاح الثورة المضادة
وقال الكاتب، إن الاندفاع السعودي الحالي نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، نجم عن تغيرات دراماتيكية في المشهد السياسي، حيث كان السعوديين مسئولين في المقام الأول جنبا إلى جنب مع الإمارات، عن السعي لإبطال حركة الديمقراطية في الوطن العربي، وأتت ثورتهم المضادة بنتائج، حيث ضمنوا بفشلها احتكار السلطة والموارد في بلادهم.
ونتيجة لهزيمة ثورات الربيع العربي وانهيار ما يسمى بـ«معسكر المقاومة»، كان التحالف قبل الربيع العربي، يضم إيران وسوريا وحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي وبعض الفصائل الأخرى في منظمة التحرير الفلسطينية، ثم جاء «دونالد ترامب» الذي مثل وصوله للبيت الأبيض، بداية لعهد جديد في السياسة الأميركية، ووعد بنهج مختلف تجاه الشرق الأوسط، وهي «ممارسة السياسة بطريقة تجارية تناسب الحكام العرب في منطقة الخليج والحكام العسكريين في مصر».
وكانت الصفقة التجارية الأولى، تأييد «ابن سلمان» كولي للعهد وملك المستقبل للسعودية، مقابل مئات المليارات من الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة، كما مهد الاتفاق أيضا لتطبيع العلاقات بين دول الخليج وإسرائيل، وكان لـ«ابن زايد» نصيب، حيث تمكن من إنجاز قمة الرياض التي اجتمع فيها 50 دولة إسلامية للقاء الرئيس الأميركي الجديد، ومنذ ذلك الحين، قام ترامب بتسليم الأمور إلى صهره «جاريد كوشنر»، المعروف بعلاقاته التجارية والسياسية والإيديولوجية الخاصة بإسرائيل.
إيران الذريعة المفيدة
وكانت إيران ووكلائها في المنطقة، ذرائع مفيدة للغاية لولي العهد السعودي؛ لتمكينه من المضي قدما في اتجاه التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل، فبعد أن فشلت المملكة العربية السعودية في اليمن وسوريا والعراق، فقدت أرضا هائلة لصالح الإيرانيين، الذين تفاخروا مرارا وتكرارا بنجاحهم في حكم عواصم أربع دول عربية هي «لبنان وسوريا والعراق واليمن».
واستخدمت السعودية إيران وحزب الله، لتبرير تقاربها مع إسرائيل، بحجة أنهم أعداء مشتركين بينهما، مما جعل النظامين أقرب لبعضهما البعض أكثر من أي وقت مضى، وفي شهر سبتمبر، «تردد أن الأمير الذي زار إسرائيل سرا، هو ولي العهد نفسه»، ومع ذلك، فإن العامل الأهم في الحملة السعودية نحو تبني إسرائيل، هو رغبة «ابن سلمان» في أن يصبح ملكا مباركا من قبل سادة البيت الأبيض.
ومن المرجح أن سلسلة التدابير المتخذة محليا، هي للحد من أي معارضة محتملة قد تندلع ضد خطواته.
أول تعاون كبير
ومن خلال إزاحة المثقفين والعلماء والأكاديميين وكبار الأمراء ورجال الأعمال من المشهد وإضعاف قدرة المؤسسة الدينية، يعتقد «ابن سلمان»، أن جميع العقبات التي تقف في طريقه قد أزيحت، وفيما يتعلق برئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري»، قال الكاتب، إن الهدف من ورائه فشل تماما، وكان من الواضح أن السعوديين حريصون على إثارة أزمة قد تؤدي حسب تقديرهم، إلى مواجهة إسرائيلية إيرانية، وربما تشكل أول تعاون هام مع دولة الاحتلال.
وزعم زعيم حزب الله حسن نصر الله، في خطاب تلفزيوني، أن تنظيمه تلقى معلومات من مصادر موثوقة، بأن السعودية عرضت دفع مليارات إسرائيل مقابل تكلفة الحرب المقبلة على حزب الله.
ومن الأحداث الدرامية التي وقعت في الأسابيع الأخيرة أيضا، استدعاء الرئيس الفلسطيني «محمود عباس» إلى الرياض، وأجبر على الاختيار صراحة، بين التعاون مع مبادرة السلام أو الاستقالة، ويعتقد أن رحلة كوشنر إلى الرياض كانت من أجل ذلك.
ابتزاز الفلسطينيين
وقال الكاتب إن الفلسطينيين وجدوا أنفسهم، في موقف حرج، بسبب اندفاع «ابن سلمان»، في تطبيع علاقاته بإسرائيل، مشيرا إلى أنها مثل الجميع تفاجئت بالأمر، وتعرض رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى ضغوط من السعوديين لقبول خطة السلام الموضوعة من قبل «كوشنر»، وسرعان ما تم تأكيد الإنذار السعودي بدعم من إدارة ترامب.
وابتزت إدارة ترامب، عباس، بأن أبلغت وزارة الخارجية الأمريكية، الفلسطينيين، بأن ترخيص مكتب منظمة التحرير الفلسطينية لن يجدد، إلا بعد استيفاء شرطين: الموافقة على عملية السلام مع إسرائيل والامتناع عن مقاضاة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وهذا الإنذار لم يكن ليتم دون تنسيق بين السعوديين والإسرائيليين، مضيفا أنهم تفاجئوا أيضا بتصريح وزير الطاقة الإسرائيلي «يوفال شتاينيتز»، الذي قال فيه علنا إن هناك تعاونا سعوديا إسرائيليا وثيق.
وعلى الرغم من أن الخطة كانت تقضي تحدي الوجود الإيراني، إلا أن الرسالة التي وصلت للفلسطينيين هي «سنفعلها معك أو بدونك»، وأكدت تصريحات «شتاينيتز» ما قاله رئيس أركان الجيش الإسرائيلى فى وقت سابق لـ«إيلاف»، حول الروابط الحميمية والتنسيق الامنى بين الإسرائيليين والسعوديين.