تصريحات الرئيس السوداني عمر البشير الاخيرة في موسكو، وتداعيات التواجد الروسي في السودان، بعد الاحتماء بها من مؤامرة أميركية تحدث عنها في لقاءه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لا تزال تستدعي السياسيون، للحديث حول أسباب توجه السودان إلى الدب الروسي، بعد أن ظل أسيرًا للسياسة الأميركية لسنوات.
وخلال زيارته إلى موسكو، أدلى البشير بعدة تصريحات أثارت الجدل حولها سواء داخليا على مستوى الاحزاب السودانية، أو خارجيا حول السياسة الخارجية التي بدأت السودان تتعهدها بمحاولة التقرب من روسيا، والهجوم على الولايات المتحدة، سبقها تغير في وجهة النظر السوداني حول الأسد في سوريا.
مؤامرة ومحاولة للضغط على واشنطن
وقال البشير إن بلاده بحاجة إلى حماية من العدوان الأميركي. وذلك عندما ذكر أن «الأميركان نجحوا في تقسيم السودان لدولتين وساعين لمزيد من التقسيم».
وتعليقا على تصريحات «المؤامرة الأميركية»، قال استاذ العلاقات الدولية، والمحلل السياسي محمد العربي زيتوت، إن الولايات المتحدة الاميركية لها أكثر من سياسة في المنطقة، الاتجاه الاول معلوم من أيام برنارد لويس وغيره، وهو اتجاه إلى مزيد من التقسيم للمنطقة ، تقسيم السعودية، تقسيم السودان وغيرها، وهو ما حث فعليا بالأخيرة، واعطى ثلث أراضيها لصاحل ما عرف بجنوب السودان»
وأضاف زيتوت في تصريح لـ «رصد»، «أن هناك اتجاه آخر لصانعي القرار بأميركا، يقول بأنه الأفضل أن تبقى هذه الدول على حدودها، لان التقسيم يؤدي إلى مزيد من الفوضى، وهذا ليس بصالح الولايات المتحدة».
وأوضح المحلل السياسي، أن «ترامب ومن معه، يميلون إلى اتجاه التقسيم، لأن هذا يؤدي لكثير من الإيجابيات من وجهة نظر ترامب، خاصة لشركات بيع الأسلحة».
وردا على سؤال لماذا لجأ البشير تحديدا إلى موسكو؟، قال زيتوت أن هناك عدة أسباب أولها لأنه يشعر بمرارة تجاه واشنطن، بعد أن قدم لها العديد من التنازلات والخدمات والتعاون في مواجهة الإرهاب، ولكن كلما قدم تنازلات طالبته واشنطن بالمزيد، وماقدمته بالمقابل أقل ما كان يرديه ويتوقعه، ولجأ إلى موسكو من أجل الضغط على ليشعرها بأن لديه خيارات أخرى».
ولفت إلى أن البشير له علاقات قوية بالصين، إلا أن لها حدودًا في مواجهة الولايات المتحدة، لذا لجأ إلى بوتين مستغلا الصراع الإقليمي بين الأميركان والروس.
وندد حزب المؤتمر الشعبي في السودان، بالارتماء في أحضان الروس، وقال إن تصريحات البشير جاءت «كرد فعل للاشتراطات والإملاءات التي تقدمت بها الإدارة الأميركية أثناء زيارة نائب وزير خارجيتها الأخيرة للبلا».
وأبدى الحزب تخوفات من أن التصريحات تمثل توجها جديدا في سياسات الحكومة الخارجية، وتلقي بظلال شائكة على السياسات والاستراتيجيات الخارجية السابقة والتي بُذل فيها جهد كبير للعبور بها إلى ما يمثل انفراجاً وكسراً للعزلة المفروضة على البلاد.
واعتبر زيتوت أن تصريحات البشير التي أطلقها قبل الزيارة بيومين، بأن بقاء الأسد في السلطة لازم، ليس مستغربا «فهو بقي في السلطة 30 سنة، فكونه يرحب ببقاء الأسد ليس مستغربا، حتى وإن كان أبدى تعاطفا في بداية مع الثورة، ولكن هذه طبيعة المستبد ، ليس له مبادئ بقدر ما له مصالح»، لافتا إلى أنه شرطا روسيا من أجل تقديم المساعدة للسودان.
وجود روسي في السودان
كما أبدى البشير، رغبة بلاده في شراء مقاتلات روسية من نوع «سوخوي-30» و«سوخوي-35»، مشيراً إلى أنه بحث مع نظيره الروسي «فلاديمير بوتين» ووزير الدفاع «سيرغي شويغو»، «احتمال إنشاء قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر».
وصرح ابراهيم غندور وزير الخارجية في تصريحات صحفية، حول قضية القواعد العسكرية في البحرالاحمر بأن هناك حديث حول تعاون عسكري مفتوح مع روسيا ولكنه جاء في سياق ان البحر الاحمر الآن يمثل بحيرة مهمة جدا تعج بالقواعد العسكرية وبالتالي الحديث حول تعاون عسكري- عسكري بين السودان وروسيا من اجل توفير الدعم لهذا الممر والابقاء عليه من اية تدخلات اجنبية.
وحول تأثر العلاقات بين السودان وأميركا بعد التقارب الروسي مع الخرطوم، قال الغندور ان «العلاقة بين واشنطن وموسكو علاقات قوية وبينهما تعاون اقتصادي وقال ان آخر حديث دار حول المنطقة وسوريا كان بين الرئيس الامريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبالتالي ليس هناك ما يمنع ان يتعاون السودان مع الولايات المتحدة وفي نفس الوقت يمضي في علاقات استراتيجية مع الصين ومع روسيا كذلك».
وفي الجانب الروسي، علق خبراء حول مدى إيجابية وسلبية العرض المقترح، وأشاروا أن روسيا في حالة قبولها بالعرض، تضع نفسها أمام فضيحة دولية، بسبب التعامل مع عمر البشير الذي صدر أمر اعتقاله بحقه، بموجب قرار المحكمة الجنائية الدولية، بتهمة الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية، لكن وجود قاعدة روسية بحرية في طرطوس السورية، سيكون وجود نظيرتها على البحر الأبيض الأحمر، مغريا جدا، بحسب الخبير العسكري إيفان كونوفالوف، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية.
الخليج وسياسات السودان الخارجية
يرى المحلل السياسي، أن الخليج لن ينزعج من التقارب بين روسيا والسودان، فهم مرحبون بالتواجد الروسي وخاصة الإمارات، فهناك أحدايث بأنها مولت جزء من الحملة الروسية على روسيا، أما بالنسبة للسعودية فلم يكن لها هدف إنجاح الثورة السورية حتى يعنيها تصريحاته، بقدر ما أردات إغراق سوريا، بمعنى أنها ارادت التأكد أن لا تأخذها إيران ولا ينتصر بشار ، وأيضا لا تنتصر الثورة، وهو ما تححق لهما بدعم روسي، مع بقاء الأسد ضعيف.
أما بخصوص تصريحاته حول أنه لا يرى من الحكمة حرب عربية إيرانية، فسر زيتوت بأنه « لا يريد جر قدمه إلى حرب جديدة، مع إيران وهي ليست في مصلحة نظامه، بعد أن شارك في حرب اليمن وقبض أموالا».