دعت صحيفة «الجارديان» إلى إنهاء الحرب اليمنية، متهمة الحكومة البريطانية بالمساهمة فيها عن طريق الأسلحة التي ورّدتها إلى السعودية وتخطت المليارات. فأثناء دعوتها لرفع الحصار عن اليمن من الرياض أمس، فعلت «تيريزا ماي» رئيسة الوزراء البريطانية ذلك، مستخدمة كلمات رقيقة تطالب بها برفع الحصار المدمّر الذي فرضه النظام السعودي على اليمن.
وأضافت الصحيفة، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ الأسابيع الثلاثة الأخيرة شهدت حصارًا عسكريًا فرضته السعودية على الموانئ اليمنية؛ ما منع المساعدات الإنسانية الضرورية من الوصول إلى الملايين الذين يحتاجونها في اليمن، الوضع مروّع للغاية؛ إذ أكّدت تقارير صادرة عن «أنقذوا الأطفال» البريطانية وفاة 130 طفلًا يمنيًا كل يوم، بسبب سوء التغذية والجوع الشديد أو المرض، وهي أزمة وصفها وزير الخارجية «بوريس جونسون» بأنها أسوأ أزمة إنسانية.
وبمجرد بدء الحرب السعودية على اليمن قبل ثلاث سنوات، تعهّد وزير الخارجية البريطاني آنذاك «فيليب هاومند» بدعم المملكة المتحدة للحرب بكل الوسائل الممكنة، دون المشاركة في القتال، وبالرغم من تغيير طاقم الوزارة في لندن؛ فالوعد اُحتُفظ به.
صفقات وانتهاكات ممنهجة
ومنذ ذلك الحين عقدت بريطانيا صفقات أسلحة مع السعودية بأكثر من 4.6 مليارات جنيه إسترليني، شملت طائرات مقاتلة وقنابل وصواريخ للسعودية، وطائرات من نوع «يوروفايتر تيفون» ذات الدور المحوري في القصف، وقنابل «بافيواي» الجيل الرابع التي تُسقط من السماء بواسطة الطيارين السعوديين المُدرَّبين من المملكة المتحدة.
ولا شك في أنّ هذه الأسلحة اُستُخدمت ضد أهداف مدنية؛ إذ ربطت تقارير منظمتي العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش القنابل البريطانية بإطلاق هجمات على البنية التحتية المدنية، واتّهمت لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة الجيش السعودي بارتكاب انتهاكات «ممنهجة وواسعة النطاق» للقانون الإنساني.
وعلى الرغم من ارتفاع عدد القتلى وتزايد الأدلة على الانتهاكات، استمرت مبيعات الأسلحة. وأكثر من ذلك، بالرغم من مخاوف الحكوم تجاه ما يحدث لليمنيين؛ كانت أولوياتها غامضة.
ملتزمون بالديكتاتورية
وفي أكتوبر الماضي، أسفر هجوم صاروخي سعودي عن مقتل 140 شخصًا في جنازة في اليمن، ما أوقع مذبحة، ولم يُعلّق ترخيص واحد للأسلحة بالرغم من ذلك. وبعد ستة أسابيع فقط، زارت تيريزا مجلس التعاون الخليجي وقالت: «نحن ملتزمون بالمضي قدمًا» في العمل مع السعودية والديكتاتوريات الأخرى التي تشارك في التفجير.
وفي سبتمبر، حتى مع انتشار أسوأ تفشٍّ للكوليرا في اليمن، سحب وزراء حكومة المملكة المتحدة وموظفو الخدمة المدنية السجادة الحمراء للجيش السعودي ورحّبوا به في معرض أسلحة الدفاع والأمن الدولي 2017 في لندن.
وفي الشهر الماضي، حثّ وزير الدفاع البريطاني آنذاك «مايكل فالون» النواب على ألا ينتقدوا السعودية في حالة تقويض المفاوضات أو بيعها مزيدًا من المقاتلات. و«بالتأكيد، أفعال الحكومة هذه التي تبذل كل ما في وسعها لمساعدة الناس في اليمن، وتعني ضمنًا أنه حتى مع تجويع الشعب اليمني، ستكون مبيعات الأسلحة على جدول الأعمال».
وهذه القضية أكبر من الاختيارات الفردية لـ«تيريزا ماي»، فعلى مدى عقود من الزمن قدّمت الحكومات من جميع الألوان السياسية في بريطانيا دعمًا سياسيًا وعسكريًا للأسرة المالكة السعودية، وقد يكون ذلك سببًا لتصرّف حكومة «تيريزا» بشكل منافق ومخزٍ؛ لكنه بالتأكيد ليس مبررًا.
رأي معارض
ولا شك في أن الرأي العام له رأيه المعارض، فقد أظهر استطلاع للرأي أنّ الأغلبية الساحقة من البريطانيين يعارضون مبيعات الأسلحة هذه. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، بدأت هذه المعارضة تنعكس على البرلمان، من أحزاب «العمل، الديمقراطيين الليبراليين، الخضر»؛ وجميعهم طالبوا بوقف مبيعات الأسلحة إلى السعودية.
وبعد قرابة ألف يوم من القصف والمعاناة للشعب اليمني، هناك حاجة إلى حلّ سلمي أكثر من أي وقت مضى لليمن؛ فهل ستظهر «تيريزا ماي» المطلوب لمحو آثار الماضي وإنهاء مبيعات الأسلحة؟
وإذا لم يحدث، فماذا يحتاج الوضع أكثر من ذلك؟ سينظر التاريخ إلى هذه الفظائع باعتبار أنه كان من الممكن محوها تمامًا، وكم عدد الأشخاص الذين يجب أن يموتوا قبل أن تتوقف «تيريزا» وحكومتها عن إجراء صفقات أسلحة تهدد حياة اليمنيين؟