الموت غير المتوقع لأحد أفراد أسرتك أو أقاربك قد يشكل ضائقة شديدة، ويمكن أن يؤدي إلى مضاعفات نفسية، بما في ذلك «اضطراب ما بعد الصدمة»، ويظهر مسح عالمي للصحة النفسية أن حوالي 5.2% من الأشخاص الذين يفقدون أحبائهم قد يعانون من «اضطراب ما بعد الصدمة»، لكن كيف تعرف أن الشخص الذي أمامك يعاني من ذلك الاضطراب، وكيف تقدم لهم الرعاية التي يحتاجونها للمرور بالضائقة النفسية؟
تقول صحيفة «كونفيرزيشن» وفق ما ترجمت «شبكة رصد» ، إنه لسوء الحظ في قارتنا، أفريقيا، لا يتم تشخيص الذين يعانون من هذا الاضطراب، وهناك دولتين فقط في القارة قامتا بإجراء دراسة استقصائية وطنية بشأن الصحة العقلية لمواطنيها، هما جنوب أفريقيا ونيجيريا، وفيما يتعلق بالصدمات النفسية واضطرابات ما بعد الصدمة، فإن البيانات الهامة الوحيدة الموجودة هي تلك الدراسة التي أجرتها جنوب أفريقيا، حيث أن نيجيريا لم يكن لديها معدل مرتفع من المصابين بحيث تجري تحليل مفصل.
وأشار المسح العالمي المشار إليه، أن اضطراب ما بعد الصدمة يصيب تحديدا
الأشخاص الذين يفقدون، إما زوجا أو طفلا أو أبا أو أما
أو كونك أنثى فاحتمالات إصابتك بالاضطراب أعلى من الذكر
أو لو كنت تسطيع منع حادث الوفاة لكنك لم تتمكن لأمر ما
أو التعرض المسبق لحادث تصادم أو اضطراب نفسي سابق للصدمة.
وباستخدام هذه التنبؤات، من الممكن بناء نموذج يمكن استخدامه لتحديد أولئك الذين لديهم خطر أكبر لاحتمالية اصابتهم بالمرض، ومن شأنه أن يساعد الأطباء على مساعدة الذين فقدوا أحبائهم فجأة ومنعهم من تطوير تدخلات نفسية تساهم في زيادة حدة الاضطراب.
اضطراب ما بعد الصدمة والموت
أشارت الصحيفة أن من أبرز أعراض الاضطراب:
إعادة تمثيل الحادث، حادث الوفاة مثلا من قبل المريض
تغيرات حادة في العواطف والمزاج والوظائف المعرفية
التهيج والسلوك المتهور والتدمير الذاتي
مشاكل النوم والتركيز المنخفض
كما يمكن لأفراد الأسرة المقربين ملاحظة تغيرات في السلوك المعتاد للشخص.
وهي علامات وأعراض تبدأ في غضون شهر من حادث الوفاة غير المتوقع، وقد يتعرض الشخص أيضا لكوابيس أو ذكريات عن الحادث، ومن الضروري للمصاب تجنب الذكريات المؤلمة والأفكار والمشاعر المرتبطة بالحادث الصادم.
ويمكن أيضا أن يتطور أيضا لدى الشخص مشاكل في الذاكرة، ورغبة الانفصال عن المحيط المتواجد فيه كالأسرة والأصدقاء، وتراوده معتقدات سلبية مبالغ فيها عن نفسه، وقد يعيش في عالم آخر من نسج خياله، وفي بعض الحالات يلاحظ دخوله في مرحلة اكتئاب وإدمانه على المخدرات.
وأشارت الصحيفة، إلى أن اضطراب ما بعد الصدمة، من الاضطرابات التي يجب أن تُلاحظة مبكر لتقديم المشورة والعلاج المناسب، وتعكف منظم الصحة العالمية حاليا، على إعداد قائمة مفصلة بالتنبؤات التي تشير إلى احتمالية إصابة الشخص باضطراب ما بعد الصدمة، وستفيد في إمكانية علاج المصاب بها، ضمن «المبادر العالمية للصحة الاستقصائية».
وستكون تقييمات الفرز الناتجة، مفيدة في تحديد الأفراد المعرضين لخطر التعرض للإصابة بالاضطراب، من أجل التدخل المبكر.
عجز البيانات في أفريقيا
إلا أن العائق الأكبر الذي يقف أمام تحديد حجم المشكلة في أفريقيا هو البيانات الغير متوافرة أصلا، وينبغي على الدول الأفريقية مجتمعة أن تجري المزيد من الدراسات الوطنية الاستقصائية عن الصحة العقلية، لأنها توفر معلومات من الممكن استخدامها لتخطيط شؤون الرعاية وتوزيع الموارد بصورة عقلانية.
وبدون إجراء دراسات استقصائية، ستستمر الحالة في التفاقم عبر القارة التي تشهد العديد من النزاعات.
اضطراب ما بعد الصدمة والجينات
ليست الصدمة النفسية فقط، بل يبدوا أن الجينات الوراثية تلعب أيضا دورا في تشكل أعراض غير مقبولة اجتماعيا بعد حادث الوفاة، ويبدوا أن الأطفال ذوي «الكرموزومات X» ذات النشاط الأوكسيديزي أحادي الأمين المنخفض، تتشكل لديهم احتمال الإصابة باضطرابات ما بعد الصدمة بنسبة الضعف مقارنة بسواهم من الأطفال، ويتزايد احتمال مشاركتهم كمرتكبي جرائم، لحد عشرة أضعاف في سنوات عمرهم دون 26 سنة قياسا بآخرين دون هذه الخلفية الجينية.
كيف يمكن علاج اضطراب ما بعد الصدمة؟
يتم بطريقتين:
العلاج السلوكي المعرفي: ويتم مساعدة الشخص المصاب على تعلم أساليب سلوكية تساعده على الاسترخاء و إعادة بناء أنماط فكرية جديدة للتقليل من الشعور بالقلق.
العلاج التعرضي: ويستند على تعرض الشخص إلى الأحداث والذكريات المصاحبة للصدمة؛ كي تمكنه من مواجهة الخوف من تلك الأحداث وذلك في ظروف آمنة وعلى يد أخصائي متدرب على هذ النوع من العلاج.
تاريخ اضطراب ما بعد الصدمة
جرى توثيق أول حالة لاضطراب ما بعد الصدمة خلال الحرب العالمية الأولي، عندما تعرض أحد الجنود لما يدعى «صدمة القذائف»؛ نتيج الظروف المروعة في الخنادق القتالية، وفي عام 1980 جرى تعريف هذه الحالة رسميا كاضطراب نفسي، وأدخلت ضمن المرجع التشخصيصي والإحصائي للإضطرابات النفسية الذي وضعته الرابطة النفسية الأميركية.