قالت صحيفة «الجارديان» البريطانية إنّ قرار ترامب بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس ضرب «السلام الفلسطيني الإسرائيلي» في مقتل؛ بعدما خدع الدول السنية، وفي الوقت نفسه استطاع إقامة علاقات وثيقة مع «إسرائيل»، وسارت مساعي صهره جاريد كوشنر في هذا الاتجاه، وهو إقامة الدول السنية لصداقات مع «إسرائيل» كشرط مسبق للسلام.
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب قال بمناسبة الاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل» إنه «يسير إلى الأمام». والسؤال الآن: ما الذي قدمه؟ فالقرار أحد الوعود القليلة التي استطاع تنفيذها منذ بدء حملته الانتخابية؛ فماذا يعني للتفاوض في «السلام الفلسطيني الإسرائيلي»؟
أضاف القرار تعقيدًا على التعقيد الذي أصاب السلام. ووصف الرئيس الفلسطيني محمود عباس القرار بأنه إعلان انسحاب من الدور الذي أدته في السلام. وبدا «فريق ترامب المكلف بإعادة بدء السلام بعيدًا عن جوهر السلام»، وكان دورهم مجرد التفاوض فقط.
بينما كانت الجولات المكوكية للمفاوضَين الرئيسين، بقيادة صهر ترامب «جاريد كوشنر» ومحاميه السابق «جيسون جرينبلات»، بعيدة تمامًا عن الأدلة والدبلوماسية نفسها.
وكانت رؤية كوشنر الصادرة بعد شهر من الصمت «دقيقة»؛ لكنها غير متماسكة في كثير من الأحيان. كما إنها تأتي عكس مناقشة خطط السلام الفلسطينية الإسرائيلية المُقرّة في منتدى سابان بواشنطن. وقالت الخطة: إذا أردنا إقرار خطة سلام بين الجانبين لا بد أن تكون هناك علاقة صداقة وثيقة بين الدول العربية و«إسرائيل».
وأكد كوشنر أيضًا أنّ تحقيق الاستقرار في المنطقة يتطلّب شرطًا مسبقًا بإقامة سلام إقليمي مع «إسرائيل»، وهو الموقف الافتراضي الذي تبناه الرؤساء السابقون، آخرهم أوباما. وبينما تباهى مسؤولو كوشنر وترامب بغياب تسريبات عن خطتهم، أكّد النقاد أنّ هذا لا يعكس شيئًا أكثر من غياب أي مادة حقيقية. وقال مسؤول فلسطيني من قبل: «أعْطَوا الانطباع بأنهم جيدون في الاستماع. قيل لنا إنه ستكون هناك خطة؛ الرسالة التي وصلتنا أنه عندما تظهر الخطة فإننا يجب أن نستمع».
وأربكت تحركات ترامب أعضاء في الكونجرس الأميركي؛ أبرزهم «بيتر ويلش»، الذي قال إنّ افترض وجود خطة واعدة لدى ترامب وستحرز تقدمًا مع الجميع، ضربها إعلانه بنقل السفارة الأميركية إلى تل أبيب في مقتل.
وقال بيتر لـ«الجارديان»: «اعتقدنا أنّ بناء الثقة جارٍ وستكون له آثار إيجابية»، في إشارة إلى مبادرة كوشنر وجرنبلات المنفّذة تحت إشراف ترامب. وأضاف أنّ ترامب شرع في إقامة علاقات جيدة مع الدول السنية، لكن من الواضح أنه أقام علاقات وثيقة مع الجانب الإسرائيلي فقط؛ وبإعلانه ضرب كل شيء.
ووصفت المجموعة الإسرائيلية المناهضة للاحتلال «غوش شالوم» الخطاب بقولها إنه «في شخص الرئيس دونالد ترامب تنازلت الولايات المتحدة اليوم رسميًا عن دورها كوسيط بين إسرائيل والعرب».
ومن الصعب فهم قرار ترامب بوضعه في سياق تاريخ «السلام في الشرق الأوسط». وكي نفهم الإعلان؛ لا بد أولًا أن نفهم حياته الشخصية والمهنية، ومسؤولياته في التعامل مع قضايا كهذه؛ فمفاوضات مانهاتن العقارية كشفت كثيرًا من جوانب شخصيته السياسية والتاريخية والثقافية.
واقترح كوشنر نفسه، في تعليقات مسربة لحديثه مع متدربين في الكونجرس الصيف الماضي، أنّ دالجميع يستطيع خلق موضوعه الخاص، وعليك أن تفهم لماذا يفعلون ذلك، وعليك أن تفهم أيضًا أنهم خلقوا هذا الموضوع؛ فكيف يساعدنا ذلك على تحقيق السلام؟»، وأضاف: «دعونا نركز على ذلك فقط».
وأضاف أيضًا: «لا نريد تعلّم دروس من التاريخ، لقد قرأنا كتبًا بما يكفي، دعونا نركز على: كيف يمكن التوصّل إلى نتيجة في ظل هذا الوضع؟».
وبخلاف التفسير المرتبط بعلم النفس، فالأساس المنطقي البديل الوحيد لما حدث أنّ ترامب وفريقه، الذين تخلوا عن جميع الطرق التقليدية، ربما استوعبوا بطريقة ما إحدى الوصفات الأكثر إثارة للجدل من أجل التوصّل إلى اتفاق؛ وهو ما اقتراحه «دانيال بيبيس» في منتدى الشرق الأوسط، حينما أكد أنّ السلام ممكن فقط مع هزيمة «إسرائيل» للطموحات الوطنية الفلسطينية. لكنّ هناك شيئًا واحدًا واضحًا تمامًا، وهو أنه لا أحد يعرف عواقب ما حدث يوم الأربعاء، ولا يزال القوس مفتوحًا، واحتمالات التوصّل إلى اتفاق أصبحت شيئًا من الماضي.