مع اقتراب عام 2017 من نهايته، يبدو أنّ التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لهزيمة تنظيم الدولة في العراق وسوريا متفائلًا على نحو غير مبرر. وعلى كل حال، هزيمة التنظيم في ثلاث سنوات إنجازٌ بالفعل، كما قالت صحيفة «الأتلانتيك».
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّه من السذاجة الاعتقاد بأنه قُضي على أيّ تهديد إرهابي بصفة نهائية، فكما تعلم الولايات المتحدة جيدًا، هناك بقايا للتنظيم موجودة وستحاول العودة بكل الطرق الممكنة، وثمة تحديات إقليمية قائمة وتشكّل تهديدًا للشرق الأوسط، وحتى للحلفاء الغربيين؛ وما زالت هناك الحاجة إلى صياغة سياسات تسمح لمختلف الشعوب في المنطقة بفهم السياسة من منظور آخر غير التطرف.
وهناك تحدٍّ آخر، يتمثل في غموض استراتيجية واشنطن الجديدة تجاه المنطقة؛ بعدما خيّبت أمل دول تعتمد عليها، ورؤوا استحالة تكرار ذلك ثانية؛ وهو ما يعزوه إلى رغبة الولايات المتحدة في سحب دورها القيادي من المنطقة.
غير أنّ الغموض المعتري سياسة واشنطن في المنطقة حاليًا يراه عديدون عملوا في إدارتي أوباما وترامب أنه ليس خطأ؛ لأنّ من أهم مزاياه مكّن واشنطن من هزيمة التنظيم دون الاضطرار إلى إرسال قوات للمنطقة كما كانت تفعل من قبل، بل كوّنت تحالفات من دول ساعدت على هزيمة التنظيم بقيادتها، ويرى بعض أنّ هذه الاستراتيجية ليست سحبًا لدورها القيادي؛ بل تطوّره فقط.
والخطر الحقيقي فعلًا هو غموض أيديولوجية سياسة واشنطن، أو أن تتبع دبلوماسية خاطئة أو غير مجدية؛ وهو ما لم يثبت حتى الآن.
والغموض الحقيقي هو علاقتها بالأكراد؛ إذ تمتعت واشنطن بعلاقة فريدة من نوعها معهم ودعمتهم، غير أنها جاءت في موضع آخر، وقالت إنها تسعى إلى دولة عراقية موحدة؛ ما يعني رفض الاستفتاء الذي نظّمه الأكراد لمحاولة الاستقلال عن العراق.
وتعهّدت الولايات المتحدة بالسلامة الإقليمية للدولة العراقية، وفي الوقت نفسه تعقد علاقة خاصة مع الأكراد. وزاد من غموضها عندما حركت بغداد دباباتها لاحتلال حقول النفط الكردية في أعقاب التصويت الكردستاني؛ فأظهرت واشنطن ميلًا أيضًا نحو بغداد.
كما ظلت واشنطن غامضة أيضًا بشأن الأكراد السوريين ورغبتهم في حكم شبه ذاتي داخل الحدود السورية، وبالرغم من أنّ الأكراد كانوا شريكًا حيويًا في هزيمة التنظيم؛ فالولايات المتحدة لم تدعمهم، وحتى عندما اتهموا من قبل رجب طيب أردوغان بأنهم إرهابيون لم يردّ أحد عليه؛ إذ ترى أنقرة أنه لا يمكن تمييز الأكراد السوريين عن الإرهابيين، واتهمتهم بأنهم مسؤولون عن تنفيذ هجمات إرهابية داخل تركيا.
ومع تطهير الرقة ودمشق بدعم من روسيا، ستظهر واشنطن قريبًا إلى أي مدى تدعم الأكراد السوريين.
كما أنّ هناك إيران، الشريك الرئيس فيما يحدث في دمشق، ولم تكن واشنطن بدورها غامضة تجاهها؛ إذ عبّرت في أكثر من مناسبة عن أنّ إيران تدعم الجماعات الإرهابية كحزب الله. وهنا غموض آخر، فبالنسبة لدور إيران في محاربة التنظيم، تتبع واشنطن القاعدة بمبدأ «عدو عدوي صديقي»، وإيران مثلت لأميركا هنا صديقًا في نواحٍ فقط؛ لكنّ المستقبل لعلاقتهما في سوريا ما زال غامضًا بعد التنظيم.
وفيما يتعلق بدور روسيا ودعم وجود بشار الأسد في سوريا، وصف نهج واشنطن في هذه المسألة بأنه غريب، فواشنطن تدعم رحيل بشار عن السلطة، غير أنّ روسيا تدعم وجوده؛ فهل ستقبل واشنطن بوجوده أم ستعمل على صياغة هيكل دستوري جديد يكون فيه بشار مجرد مسمى فقط وليس حاكمًا فعليًا لسوريا؟ لكنّ هذه الغرابة والغموض سيزولان في القريب العاجل.
غير أنّ الغموض الذي اكتنف موقف واشنطن في العام 2017 ربما سيزول قريبًا؛ خاصة بعد تصريح وزير خارجية أميركا ريكس تيلرسون الذي طالب المليشيات المدعومة من إيران صراحة بمغادرة العراق، وتزيد معالجة القضايا الرئيسة في العلاقات التركية الأميركية من تفاقم مسألة استقلال الأكراد السوريين، ويثير احتمالات حدوث أزمة بين واشنطن وأنقرة.
وإذا لم تتخذ الولايات المتحدة طرفًا في الصراع الدائر بالشرق الأوسط فسيستمر غموضها هذا؛ لكنّ الاتجاه القادم في إدارة ترامب هو اتخاذ موقف واضح وصريح من القضايا، كما أشير في أزمة العلاقات بين تركيا وأميركا.