قالت صحيفة «واشنطن بوست» إنّ ترامب وبّخ المملكة العربية السعودية هذا الشهر بسبب دورها الكارثي في اليمن، وكان تحركه سريعًا ومرتجلًا؛ بعد أن عرض عليه مسؤولون في الاستخبارات الأميركية صورًا عن الأزمة الإنسانية فيه؛ فأدلى ببيان شديد اللهجة في 6 ديسمبر، لدرجة أنه فاجأ الدبلوماسيين الأجانب وحتى الشخصيات الرئيسة في إدارته، ودعا المملكة إلى السماح بإدخال المساعدات الإنسانية والأغذية إلى الشعب اليمني، وأضاف: «لأسباب إنسانية، يجب أن يحدث ذلك فورًا».
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ البيان الذي أدلى به ترامب أدّى دورًا فعّالًا في قرار السعودية بتخفيف الحصار المفروض على ميناء الحديدة المطل على البحر الأحمر، بالرغم من أحاديث خرجت حينها بأنّها «خطوة منها» لتخفيف معاناة اليمنيين.
ويسلّط الأمر برمته الضوء على الدور القوي الذي سبّبت فيه معاناة الشعب اليمني وإثارة رئيس ذي خبرة سياسية خارجية ضعيفة، ودفعته إلى أن يبدي رد فعل فوريًا ومرتجلًا.
هذا التصرف المرتجل لم يكن الأوّل لترامب؛ إذ أمر بقصف القاعدة الجوية السورية بعد أن رأى صورًا لضحايا الهجوم الكيميائي الذي قاده النظام السوري ضد الأطفال؛ ما دفع ترامب إلى اتخاذ قرار فوري بالقصف، وكان هذا أوّل هجوم أميركي مباشر على حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، وكسر فيما يبدو نمط السياسة التقليدي في تعامل أميركا مع الأزمة.
وفي المدة الماضية، دأب ترامب على مهاجمة السعودية من خلف الكواليس، وأرسل مسؤولين أميركيين لإقناع قادتها بضرورة رفع الحصار الكامل الذي فرضته على الموانئ والمطارات والمنافذ البرية بعد إطلاق الحوثيين صاروخًا تجاه العاصمة السعودية الرياض، وهذه المساعي افتقرت إلى التأثير تمامًا كتأثير ترامب في السياسة الخارجية.
وقال «جيرالد فيرشتاين»، الخبير في شؤون الخليج وسفير الولايات المتحدة السابق لدى اليمن: «إذا جاء الانتقاد من الدولة ككيان فالأمر مجرد بيروقراطية؛ لكنهم يدركون جيدًا أنهم إذا خسروا شخص ترامب فستشوب العلاقات مع أميركا توترًا؛ وهو ما يخافون منه».
ظرف البيان وكواليسه
دأب مسؤولو الاستخبارات الأميركيون على نقل معاناة الشعب اليمني ضمن موجز يومي إلى ترامب. وفي صباح 6 ديسمبر، وبينما كان الرئيس الأميركي يستعد لاجتماع مع مسؤولين في مجلس الوزراء؛ أصدر على الفور بيانه الشديد اللهجة ضد السعودية».
وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى لـ«الواشنطن بوست» إنّ قرار ترامب كان مستقلًا عن الإدارة، ويمثّل ذروة لموقفه مما يحدث في اليمن؛ خاصة وأنّ مناقشات دارت في الأساس في البيت الأبيض عن الأزمة الإنسانية في اليمن وتوابع حرب السعودية هناك. وقال مسؤولون آخرون إنّ ترامب لم يكن مخولًا له التحدّث علنًا في هذه المسألة.
وكما هو الحال بالنسبة للأحداث الأخرى، يقدّم جهاز الاستخبارات الأميركي موجزًا يوميًا بالصور والرسومات لتوضيح الظروف المعقدة في الخارج أمام ترامب، بجانب الإحاطات الإعلامية الدائمة. ويقول مسؤولون مقربون من ترامب إنّ نجم تلفزيون واقعي يرسم هذه الصور بشكل يومي.
وقال «تيم أوبراين»، مطلع على ما يدور في البيت الأبيض، إنّ ترامب ليس لديه صبر لمطالعة الأحداث الخارجية بشكل مفصل، واستطاع تطوير هذه العادة لاتخاذ قرارت مفيدة فيما يتعلق بالأوضاع الخارجية؛ ولذلك يصدر أحكامًا مبكرة، و«أعتقد أنّ غرائزه ودوافعه الشخصية هما محركاه».
وأضاف «ديفيد بريس»، ضابط سابق في المخابرات المركزية الأميركية، أنّ المحتوى المعروض يساعده على تشكيل تصورات رئاسية، و«الصور عاطفية للغاية ومحزنة، ولديها القدرة على تغيير السياسة».
وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي إنّ بيان ترامب «يتفق تمامًا» من تصريحات سابقة صادرة عن البيت الابيض ووزارة الخارجية والوكالات الأخرى فيما يتعلق بالأزمة الإنسانية في اليمن، و«لدينا شراكة قوية مع السعودية، ونتعاون بشكل منتظم في قضايا رئيسة؛ أبرزها اليمن».
وسبّب صراع اليمن معضلة للولايات المتحدة منذ تدخل التحالف السعودية فيه عام 2015، وحرص المسؤولون الأميركيون على إظهار دعمهم للمملكة، التي واجهت هجمات صاروخية متعددة من الحوثيين، الذين يريدون أيضًا أن ينؤوا بأنفسهم عن إدارة المملكة للصراع، الذي تخلله ضربات جوية عشوائية تسببت في المعاناة اليمنية.
كما قدّمت الولايات المتحدة دعمًا عسكريًا ظاهريًا، معظمه على شكل مبيعات أسلحة وتزويد الطائرات بالوقود، وانتقدت إدارة أوباما بشدة الوضع الإنساني الذي تسببت فيه السعودية؛ لكنّ شعور المملكة بالضغط انحسر منذ أن تولى ترامب رئاسة الولايات المتحدة.
وحرص الرئيس الجديد على إظهار دعمه لدول الخليج في مواجهة نفوذ إيران، ودافع ترامب مرارًا عن الأسرة الحاكمة السعودية، بما في ذلك حملة التطهير المثيرة للجدل؛ بيد أنّ المسؤولين الأميركيين أصبحوا يشعرون بقلق متزايد؛ لأن الصراع تسبب فى ظروف لا داعي لها، خصوصًا بعد إصابة مليون مدني بالكوليرا.
وتتهم السعودية الحوثيين بأنهم أداة في يد إيران لمهاجمة مصالحها في المنطقة. وحثّ المسؤولون الأميريكيون السعودية مرارًا على ضرورة التخفيف من المعاناة اليمنية؛ لكنّ ضغط ترامب الأخير دفع الحكومة السعودية إلى تحفيف الحصار والسماح بدخول مساعدات إنسانية عبر ميناء الحديدة.
وما زالت وكالات الإغاثة ومنظمات حقوق الإنسان تشعر بالقلق، مؤكدة أنّ الأمر سيستغرق وقتًا أطول؛ معلنة تخوفها من المهلة التي حددتها السعودية (30 يومًا) وأنها لن تكون كافية لإنقاذ اليمنيين. وقال سكوت بول، كبير مستشاري السياسات الإنسانية في منظمة أوكسفام، إنّ «الواردات ما دامت مهددة؛ فستظل أسوأ أزمة إنسانية في التاريخ الحديث قائمة لمدة».