شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

«ميدل إيست مونيتور»: هكذا دمّرت «الحرب العالمية الأولى» الشرق الأوسط وفتتت العرب

الكولونيل سايكس ونظيره الفرنسي فرانسوا جورج بيكو القاضيان على «الأمة العربية» الموحدة

يصادف هذا العام الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى، ويلاحظ في الأحداث الأخيرة المندلعة في منطقة الشرق الأوسط أنها تجاهلت إلى حد كبير النظر إليها في سياقها العالمي. ولكن، بالعودة إلى الوراء؛ نجد أنّ هذه الحرب السبب الرئيس في معظم ما تمرّ به المنطقة حاليًا.

هكذا يرى الكاتب البريطاني «ألاستير سالون»، في مقال له بصحيفة «ميدل إيست مونيتور»، تأثير الحرب العالمية الأولى على منطقة الشرق الأوسط، وبها قضت بريطانيا على أحلام الأمة العربية الموحدة وآمالها؛ عبر إقرار اتفاقية «سايكس بيكو»، التي فتّتت الدول العربية المجتمعة تحت مظلة واحدة، دون مراعاة للاختلافات الإثنية والعرقية.

وأضاف، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ هناك دوافع أخرى غير المعروفة لدى الجميع في زرع «إسرائيل» بمنطقة الشرق الأوسط؛ أبرزها وجود كيان موالٍ لبريطانيا في قلب المنطقة وقريب من مصالحها، وبسبب اختلافات داخل بريطانيا نفسها، سلّط الكاتب الضوء عليها. إضافة إلى الكيفية التي تمكنت بها فرنسا من القضاء على دول شمال إفريقيا.

كيف قضت بريطانيا على الأمة العربية؟

أثناء الحرب العالمية الأولى، وحتى بعدها، استهدفت بريطانيا تفتيت الوطن العربي وتدميره تمامًا كما حدث في أوروبا، التي انتهت برسم خط مستقيم من المدينة البولندية «غدانسك» إلى «باليرمو» في صقلية، ووعد شعب روما بمنزل وطني يقف على رأس دولة الفاتيكان؛ والأمر نفسه حدث مع الدول العربية.

وكمثال توضيحي، نحتاج أن نسأل أنفسنا: في القرن الحادي والعشرين، لماذا تعد أعلام الأردن والعراق والكويت وسوريا والسودان واليمن والإمارات مجرد نسخ مكررة رسمها ضابط في الجيش البريطاني أثناء الحرب العالمية الأولى، وهو الكولونيل «مارك سايكس»؟

وضعت اتفاقية «سايكس بيكو» السيئة السمعة للمرة الأولى الألوان الأحمر والأبيض والأسود والأخضر على أقمشة وأوراق، في إشارة إلى تمرّد السكان الأصليين ضد الإمبراطورية العثمانية، بدعم من الإمبراطورية البريطانية. وهذه الأعلام المشبوهة، التي ترفرف فوق مبان حكومية كثيرة في الشرق الأوسط، دليلٌ على الكيفية التي تدين بها الهويات الوطنية في العالم العربي إلى بريطانيا «المضنية».

وتعهّدت بريطانيا آنذاك بالحرية الوطنية والاستقلال للشعوب العربية، ويجب الاعتراف بأنّ جميع دول الشرق الأوسط، سواء التي كانت تحت النفوذ الفرنسي أو البريطاني، ذات سيادة فعلية اليوم على أراضيها؛ كما وعدت بريطانيا بالضبط، وحتى قد تصبح دولة مثل الإمارات أو السعودية ذات تأثير أكبر من بريطانيا.

وبذلك؛ قضت اتفاقية «سايكس بيكو» تمامًا على «الهوية العربية» أو مفهوم الأمة العربية الموحدة؛ وخطّ الكولونيل سايكس ونظيره الفرنسي فرانسوا جورج بيكو خطوطًا في الرمال لصنع دول قومية لم تكن موجودة من قبل. وحاليًا، المصرون على وجود ما تسمى «الأمة العربية» من المفترض ألا يوجدوا اليوم أو ترتفع أصواتهم؛ لأنها غير موجودة بعد مرور مائة عام من الحرب العالمية الأولى، كما تعاني معظم الدول الموجودة حاليًا من هشاشة داخلية؛ بسبب حدودها التعسفية.

كيف دمّرت فرنسا شمال إفريقيا؟

كانت فرنسا، حليفة بريطانيا وروسيا ضد ألمانيا والإمبراطورية العثمانية، أسوأ بكثير في سلوكها كدولة استعمارية؛ إذ أدى نهجها الوحشي إلى إفساد الأوضاع في دول شمال إفريقيا من المغرب وتونس والجزائر، واعتمدت حربها هناك على نهجين بارزين: الأول إرسال مواطني هذه الدول إلى الصفوف الأولى في حروبها بدلًا من الفرنسيين؛ من أجل الحفاظ على حياة جنودها لأطول مدة ممكنة، وقُدّرت أعداد مصابي جنود الدول الاستعمارية الأصليين بواحد من كل أربعة.

والاتجاه الثاني إخضاع المتردين أو العصاة في هذه الدول للإذلال من ضباطها الفرنسيين، وشرعت في إعدام كل عربي في جيشها إذا ما كسر نظامًا أو أمرًا عسكريًا؛ وهو النهج نفسه الذي استخدمته الإمبراطورية الرومانية.

دوافع زرع «إسرائيل» في الشرق الأوسط

أيضًا، تسبّبت الحرب العالمية الأولى، كما يعلم الجميع، في زرع دولة «إسرائيل» في قلب فلسطين التاريخية؛ بإقرار وعد بلفور، الذي أعطى لليهود الحق في إنشاء وطن لهم، ودُفع صُنّاع القرار في وستمنستر بأسباب مختلفة ومتنوعة؛ أقلها وجودًا لديهم: معالجة فكرة معاداة السامية، ومن الدوافع الأخرى والأكثر قوة التشوق للسيطرة الأوروبية على القدس من دافع التبشير المسيحي، مع الرغبة الساذجة في إقناع موسكو وواشنطن بأنّ كل ما تسعى إليه في فلسطين من أجل اليهود فقط.

وكان هناك دافع أساسي آخر، تمثّل في الحاجة الاستراتيجية لحماية المصالح الهندية للإمبراطورية البريطانية، مع وجود مستعمرة جديدة ودية تعتمد عليها اعتمادًا كبيرًا بالقرب من قناة السويس.

وبالرغم من أن بريطانيا شهدت بدايات معارضة ليبرالية لمعاداة للسامية، نُظر إلى اليهود بشكل غير عادل؛ تمامًا كما هو الحال مع المسلمين اليوم؛ فكثيرًا ما يُنظر إليهم على أنهم متلاعبون ولديهم دوافع للهيمنة على المجتمع الأوروبي وأكثر ميلًا للإرهاب الأناركي ولديهم أعراف اجتماعية خسيسة.

وبالرغم من ذلك، لم يكن في حسابات آرثر بلفور التأثير الطويل الأمد لبريطانيا على إعادة التنظيم العرقي للأراضي المقدسة.

وكثيرًا ما تعزو الانتقادات إلى بريطانيا بأن اتفاقية «سايكس بيكو» لم تراعِ حينها الانقسامات الإثنية والدينية المختلفة في منطقة الشرق الأوسط. وهناك مفارقة واضحة: إذا كان العرب يستحقون دولًا قومية، تأسست في النهاية دون مراعاة للأسس العرقية؛ فلماذا لم تفعل مع اليهود الشيء نفسه؟

ويكشف هذا التناقض الكيفية التي تمت بها التسوية في منطقة الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية، التي مازالت سارية حتى الآن؛ إذ لم تصل إلى مقدار التأثير الذي فعلته الأولى. وبينما كانت تسوية ما بعد 1945 عادلة لأوروبا الغربية؛ فبلدان شرق القارة الأوروبية سُلّمت إلى روسيا، التي قادت حملات إبادة جماعية فيها، ولم تُحل هذه المسألة إلا في نهاية التسعينيات؛ بعد أن انفصلت دول أوروبا الشرقية عن الاتحاد السوفيتي.

وفي النهاية، وبينما يحتفل الجميع بالذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى، من الواضح أن تأثيراتها على الشرق الأوسط ما زالت قائمة حتى الآن. وبالتالي؛ إذا أراد أحد حلّ المشاكل الحالية في الشرق الأوسط فعليه أن يضع في اعتباره الحرب العالمية الأولى.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023