خنق مستمر لقطاع غزة، في الاتجاه الإسرائيلي الذي يفرض حصارا منذ عام 2006، ويزيده كارثية تعنت الجانب المصري في فتح معبر رفح لدخول وخروج الحالات الإنسانية والمواد الغذائية، ما فرض على القطاع حصار ثنائي الجانب، أدى إلى كارثة إنسانية يعيشها أهالي غزة، تفاقمت خلال الفترة السابقة بالتزامن مع تعثر خطوات المصالحة الفلسطينية.
كارثة مرتقبة
وحذّرت الأمم المتحدة، أول أمس الثلاثاء، من تعرُّض قطاع غزة لانهيار مؤسسيٍّ واقتصاديٍّ كامل، ما لم تُتخذ خطوات فورية لمعالجة أوضاعه الإنسانية وإنعاش اقتصاده، مطالِبةً بإتمام المصالحة الفلسطينية ووقف بناء المستوطنات بالضفة الغربية المحتلة.
وحذر منسق الأمم المتحدة الخاص بعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ميلادينوف، من تصاعد الأزمة الإنسانية بالقطاع، مع توقّف تنفيذ اتفاق المصالحة بين الفلسطينيين، دون اتخاذ خطوات فورية لمعالجة الأزمة الإنسانية وإنعاش الاقتصاد، لافتا إلى أن القطاع يشرف على «انهيار مؤسسي واقتصادي كامل»، مضيفاً: «هذا ليس تنبُّؤاً يبعث بالقلق؛ بل هو حقيقة».
ويعاني مليوني شخص داخل القطاع من الأزمات الاقتصادية والمعيشية والإنسانية التي ضربت القطاع، ومعها تتزايد متطلبات الحياة، وأصبح المواطن الغزاوي غير قادر على الإيفاء بمتطلبات الحياة الأساسية.
وأمس أعلنت بلديات قطاع غزة، تقليص تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين بنسبة 50% تجنبًا لانهيارها بشكل كامل بسبب استمرار تفاقم الأزمات، والكارثة الإنسانية والبيئية جراء اشتداد الحصار الإسرائيلي.
وقال رئيس بلدية غزة نزار حجازي -خلال مؤتمر صحفي- أنه سيتم إغلاق بحر قطاع غزة بالكامل، وضخ مياه الصرف الصحي نحو البحر لعدم قدرة البلديات على توفير الوقود، واستمرار سياسة العقاب الجماعي المفروضة على السكان.
واعتبر الوضع الحالي بالقطاع، هو مقدمة للوصول إلى كارثة إنسانية محققة، محذرًا من توقف جميع خدمات البلديات التي ستؤثر على حياة المواطنين بشكل مباشر.
ودعت بلديات قطاع غزة المؤسسات الدولية والمحلية بتحمل مسؤولياتها والتدخل العاجل لمنع تدهور الحالة الإنسانية في القطاع، وذلك في ظل تقليص الخدمات التي تقدمها البلديات إلى النصف بسبب الحصار الإسرائيلي واستمرار الانقسام الفلسطيني.
حصار ثنائي يخنق القطاع
وعلى مدار 12 عاما، فرض الاحتلال الإسرائيلي حصارا بريا وبحريا على قطاع غزة، كإجراء عقابي بعد فوز حركة حماس بالانتخابات النيابية عام 2006.
وتمنع إسرائيل دخول معظم المواد الخام إلى القطاع المحاصر، بزعم أن لها استخدامات مزدوجة، ويمكن لفصائل المقاومة أنّ تستفيد منها في تطوير قدراتها، ما أدى لتوقف كثير من المصانع عن العمل وتسريح العمال.
وتفتح مصر معبر رفح، والذي يعتبره القطاع شريان الحياة بالنسبة له، بشكل استثنائي لأيام معدودة خلال العام، وتراجعت السلطات المصرية عن قرار فتح المعبر من الأربعاء للسبت، وأغلقته أمس، ما أدى إلى اضطراب في حركة العالقين في الاتجاهين.
وذكرت السفارة الفلسطينية بالقاهرة أن السلطات المصرية أبلغتهم بالقرار دون إبداء أسباب.
الحصار المفروض على القطاع خارجيا من مصر والاحتلال الإسرائيلي، ليس السبب الوحيد في التضييق على الأهالي، بل داخليا تمثلت المعاناة في فرض عقوبات من السلطة الفلسطينية، قبيل اتمام المصالحة، في إطار إجبار حماس على تسليم القطاع للسلطة.
وعلى الرغم من اتمام المصالحة برعاية مصرية إلا أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتعنت في رفع تلك العقوبات عن القطاع، بدعوى أن حماس لا زالت تسيطر أمنيا على القطاع.
مصالحة متعثرة ومصر تضغط
مر أكثر من 4 أشهر على توقيع حركتا «فتح» و«حماس»، اتفاق مصالحة بالقاهرة في 12 أكتوبر الماضي، يقضي بتمكين الحكومة من إدارة شؤون غزة، إلا أن تعثرات قد تعصف بهذا الاتفاق، وسط تراشق وتبادل اتهامات بين الطرفين.
ويتواجد في الوقت الحالي وفد من حماس بالقاهرة، لمناقشة أسباب تعثر خطوات المصالحة، وصرح عضو المكتب السياسي لحركة حماس، خليل الحية، بأن حوار القاهرة لم يسفر عن تفاهمات جديدة حتى الآن، مؤكدًا ضرورة تطبيق اتفاقات المصالحة التي رعتها القاهرة في 2011 وما تلاها من تفاهمات خاصة أكتوبر 2017، نحن نريد تطبيق الاتفاقات والبنود كاملة.
ولفت الحية إلى أن المصالحة قرار استراتيجي لحماس ومصلحة وطنية، ولا بديل عنها؛ لأننا لا نستبدل الوحدة بأي خيار آخر، كما أنها تأتي في ظل الظروف الراهنة التي تعيشها القضية وقرار ترمب والاستيطان، وتهويد القدس، وتصبح في هذه الحالة أكثر لزومًا وواجبةً.
وأقر عضو الحركة المصالحة بتعثر المصالحة إلا أنه قال أنها ما زالت الخيار القائم والمفضل الذي تدفع به حماس، والإخوة في الحكومة متباطئون ويتذرعون بأشياء متعددة ليست من صلب الاتفاق.
وقال الحية، أن الطرف الآخر يتهرب من الاتفاقيات، وفي المقابل نبذل الجهد الكبير من أجل دفع عجلة المصالحة
وكانت حماس، صرحت سابقا أن صبرها «بدأ ينفذ» بسبب ما أسمته «تعنت» حركة «فتح» وعدم الوقوف أمام مسؤولياتها الوطنية والأخلاقية أمام مواطني غزة.
وقال عضو المكتب السياسي للحركة موسى أبو مرزوق إن «المصالحة تشهد تراجعاً مستمراً منذ لقاء الفصائل الفلسطينية الأخير في القاهرة».
ومن جهته أشار رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، يوم الثلاثاء الماضي، إلى أنه من الصعب أنّ تستمر الأوضاع على هذه الصورة، محذرا من أنه قد نكون أمام سيناريوهات صعبة.