قالت صحيفة «ميدل إيست آي» إنّ الصحفيين المصريين والأجانب يواجهون الانتخابات المقبلة بخوف وترقّب شديدين؛ بسبب حملة القمع التي تطول الجميع حاليًا، مؤيدين ومعارضين.
ومن المقرر أن يغطي أكثر من ألفي صحفي الانتخابات الرئاسية المصرية المزمع إجراؤها من 26 إلى 28 هذا الشهر، ويعتقد كثيرون منهم أنّه حتى التصاريح الصادرة من الدولة لن تضمن لهم حصانة ضد حملة القمع الواسعة.
ويخوض عبدالفتاح السيسي الانتخابات دون معارضة، ويواجه مرشحًا آخر مؤيدًا له، يدعى موسى مصطفى موسى. وشاب الاستعداد للانتخابات «أساليب التخويف التي تستخدمها سلطات الدولة لقمع أي صوت ضدها».
ورفض صحفيون مقيمون في مصر التحدّث إلى «ميدل إيست آي»؛ خوفًا من العقاب، بينما وافق آخرون شريطة ألا تذكر أسماؤهم.
ووصف السيسي، في خطاب تلفزيوني يوم 2 مارس الجاري، أيّ إهانة لمؤسسة الجيش أو الشرطة من أيّ مؤسسة إعلامية بالخيانة، في الوقت الذي يعتبر فيه انتقاد المؤسسات الأمنية المصرية محظورًا.
حلقة أخيرة من التهديدات
وتؤكد جماعات حقوق الإنسان أنّ حملات القمع ضد المعارضين السياسيين والإعلاميين تزايدت قبيل التصويت، وفي 28 فبراير الماضي، أصدر النائب العام المصري بيانًا حذّر فيه من اتخاذ إجراءات ضد وسائل الإعلام التي يتبين أنها تنشر أخبار كاذبة، في أعقاب انتقاد رسمي صدر ضد «البي بي سي».
وتعليقًا على بيان نبيل صادق، قال صحفي أجنبي مستقل كان يغطي الأخبار في مصر لثلاث سنوات إنّ بيان النائب العام هو الحلقة الأخيرة في سلسلة التحذيرات والتهديدات الموجهة إلى وسائل الإعلام على مدى السنوات القليلة الماضية.
وأضاف صحفي آخر، اشترط ألا يُذكر اسمه، أنّ بيان النائب العام هو الأكثر إثارة للقلق؛ لأنّه صادر عن مسؤول رفيع المستوى وقوي للغاية، والتحذيرات كانت تأتي في أغلب الأحيان ضمنية ودقيقة؛ لكنها جاءت صريحة في البيان الجديد.
وبموجب قانون صادر في ديسمبر 2014، يتولى السيسي اختيار أعضاء ما سماه «المجلس الأعلى للصحافة»، وهو هيئة لها سلطة فرض غرامات على المنشورات والإذاعات أو تعليقها وإلغاء التراخيص.
موضوعات انتقائية
أكد صحفيون مصريون وأجانب أنّهم وجدوا أنفسهم انتقائيين بشأن الموضوعات التي يغطونها، في محاولاتهم لحماية أنفسهم والمصادر التي يتحدثون معها.
وقال صحفي أجنبي إنّ أصعب شيء للصحفي المصري أنّ مصادر لا ترغب في الحديث عن قضايا خوفًا من التداعيات، والقلق من تعرّض مصدر إلى مشاكل بسبب تصريحاته يبقيه مستيقظًا طوال الليل؛ فالدولة لا تتكلف كثيرًا للقبض على شخص وإخفائه عن العيون.
وأضاف الصحفي أنّه في كثير من الأحيان يتجنب الكتابة عن أخبار وموضوعات؛ لأنها قد تعرض المصادر للخطر.
واعتقلت السلطات المصرية في 2 مارس الجاري «أم زبيدة» بعد حديثها لـ«بي بي سي» عن اختفاء نجلتها والاعتداء عليها وتعذيبها. وبعد حديثها مع هيئة الإذاعة البريطانية، استضافت قناة إعلامية مصرية الفتاة المختفية ونفت فيه احتجازها أو تعرضها لانتهاكات.
وأثار تقرير الـ«بي بي سي» غضبًا رسميًا واسعًا؛ ما حدا بها لاتخاذ إجراءات ضد مراسلة القناة «أولا غورين»، متهمة إياها بـ«التحيز المسبق لتصوير صورة مسيئة عن الظروف التي تمر بها مصر».
ارتفاع المخاطر
اعتقلت الشرطة أيضًا الصحفية «مي الصباغ» والمصور «أحمد مصطفى» في الإسكندرية الشهر الماضي لتصويرهما تحقيقًا عن الترام دون إذن مسبق، وكتب «خطيب مي» في منشور على فيس بوك مؤكدًا أنّها كانت تعمل لموقع «رصيف 22».
وفي الوقت نفسه، طالبت النيابة بالإعدام للمصور محمود أبوزيد، المعروف باسم «شوكان» ومحتجز منذ أربع سنوات ونصف، بعد اعتقاله أثناء مظاهرة مناهضة للحكومة المصرية في ميدان رابعة العدوية في أغسطس 2014، واتهم بشكل عشوائي بالقتل والشروع فيه والانتماء لجماعة محظورة قانونًا «جماعة الإخوان المسلمين».
وتؤكد حملات الاعتقالات هذه الخطورة التي أصبح عليها العمل الصحفي الميداني. وقالت اللجنة الدولية لحماية الصحفيين في تقرير صادر في ديسمبر 2017 إنّ 20 صحفيًا يقبعون الآن خلف سجون مصر ويواجهون تهمًا متعددة أغلبها زائفة، تشمل نشر أخبار كاذبة والتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين.
كما حُجب أكثر من 500 موقع صحفي، بما فيها عشرات المواقع الإخبارية ومنظمات حقوق الإنسان، وتشمل «مدى مصر ورصد وهيومن رايتس ووتش». ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، دقّ أحد أخطر أجراس الإنذار داخل المؤسسات الإعلامية؛ إذ يقول صحفي تابع لوكالة أنباء أجنبية يعمل في مصر إنّ الجو الحالي في مصر يجعلني أعيد التفكير فيما إذا كنت سأغطي الانتخابات أم لا، خاصة وأن أمننا مهدد.
وأضاف أنّ الناس حتى في الشوارع يخشون من التعبير عن آرائهم؛ خوفًا من السجن والمحاكمة، ويضيف صحفي آخر أنّ مؤسسته التي يعمل فيها وضعت إرشادات للصحفيين للحد من المخاطر التي قد يواجهها المراسلون الميدانيون؛ خاصة وأن معظم من يغطون ميدانيًا ليسوا أعضاء نقابة.
وغير الصحف المستقلة، تتعرض الصحف المملوكة للدولة أيضًا لخطر القمع. وقال صحفي بوكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية إنّ العمل في الوكالة يجعل مهمته أسهل؛ لكن بشرط الحذر أثناء التغطية، خاصة الانتخابات، مضيفًا أنّ مي الصباغ اعتقلت بسبب تقرير عن ترام الإسكندرية؛ ما يعني أن جميع الصحفيين معرضون للخطر، حتى أثناء إعداد التقارير البسيطة والخفيفة البعيدة عن السياسة.
كما اعتقل الإعلامي خيري رمضان، وهو مذيع بارز معروف بتأييده لعبدالفتاح السيسي، بتهمة التشهير بالشرطة.