تؤيّد الحكومة البريطانية ابن سلمان تأييدًا مطلقًا بالرغم من سياساته الفاضلة، وهذا الدعم ممتد عبر عقود منذ تأسيس المملكة السعودية؛ لتأمين مصالحها الحيوية، وبذلك تتخلى بريطانيا عن القيم التي ارتضتها لنفسها.
هذا ما تراه الدكتورة «مضاوي الرشيد»، الأستاذة الزائرة في معهد الشرق الأوسط للدراسات السياسية بلندن، في مقالها بصحيفة «ميدل إيست آي» وترجمته «شبكة رصد»، ووصفت الصحيفة محمد بن سلمان بأنه أعظم مصلح في التاريخ، وأنه مفكر ثوري شاب وزعيم طموح، قبيل استقباله يوم الأربعاء المقبل.
علاقات حميمة
العلاقة بين محمد بن سلمان والحكومة البريطانية حميمية، وتعتبر خطته الإصلاحية بمثابة فرصة لتعزيز الشراكة التجارية بين بريطانيا والمملكة؛ لكنّ الخطر والغموض يشوبانها، مطالبة الحكومة البريطانية بتخليها غير المشروط عن ابن سلمان.
وطالبت الحكومة البريطانية بتخليها عنه لأسباب؛ فهو يجلس على رأس نظام من التطرف، وتتلخص أجندته المتطرفة في خطة إصلاحه، ومغلفة بعبارات خادعة؛ فعلى سبيل المثال: أكّد أنّ السعودية تحتاج إلى علاج بالصدمة لرفعها من ركودها الحالي، وهذا المصطلح يذكّرنا بالمصطلحات في مستشفيات الصحة العقلية.
كما استخدم ولي العهد مصطلحي الاستئصال والبتر، ومن شأنهما أن يؤديا إلى رد فعل عنيف؛ ويُوقع أن تتجاهل الحكومة البريطانية حملاته السابقة بسبب المصالح الاقتصادية المشتركة بينهما.
أسلوبه متطرف
وبالرغم من أسلوبه المتطرف تجاه رموز المجتمع والإعلام ورجال الأعمال، لم تأت حملاته بنتائج مرجوة؛ بل زادت البطالة وقلّ الإنفاق الحكومي، وزادت المغامرات العسكرية المستكرهة في الخارج. ففي اليمن وحده تنفق السعودية مائتي مليون دولار في اليوم الواحد؛ ومن المستبعد أن يطبق ابن سلمان البرامج الترفيهية بالشكل الواجب والمتبع في بقية الدول، لأنّ الشباب سيستغلونها فيما بعد في الوقوف ضده ومناهضته.
وجاء التطرف السعودي في المجتمع السابق قبل ابن سلمان ضد ما يصفونه بالمجتمع المتراخي دينيًا والفاسد أخلاقيًا؛ لذلك فالتطرف في المجتمع الجديد سيجد ما يهاجمه بأريحية، وابن سلمان يريد فرض المتعة والترفيه على مواطنيه، في المقابل تحويلهم لمواطنين باردين.
ومن قبل، أرادت السلطات السعودية أن يبقى الناس متدينيين بالقوة والفرض؛ عبر هئية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وحاليًا، سيجيء الترفيه والتركيز على الأمور الدنيوية أيضًا بالفرض والقوة.
ودعمت بريطانيا موجة التطرف السعودية السابقة عندما رعت وشملت في رعايتها مؤسس السعودية ابن سعود في عشرينيات القرن الماضي، وأرسلت له رواتب منتظمة وأسلحة حتى انتهيا من غزو الجزيرة العربية.
جيل جديد من الأرستقراطيين
تريد بريطانيا الآن أن تكون جزءًا من الفرص الاقتصادية التي يوفّرها التطرف الجديد للأمير السعودي، بدعمه بشدة؛ إذ تلقّت الحكومة البريطانية وعدًا بفتح فرص الاستثمار الأجنبي، وعقود اقتصادية جديدة. لكن، للأسف، بريطانيا بذلك تخاطر بسياستها على المدى الطويل.
والدعم البريطاني للنظام السعودي مؤسف؛ فاحتضان النظام السعودي الجديد سيأتي بنتائج عكسية تمامًا، وسيضر بمصالح بريطانيا، التي عليها تذكّر قيمها المتمثلة في توافق الآراء بدلًا من المواجهة، ويجب عليها أن تتوقف عن كونها مؤيدًا مكرسًا للقرن السعودي من التطرف؛ وجاء دعمها للتطرف السعودي في بدايات القرن العشرين لرعاية مصالحها الحيوية في المنطقة.
واليوم، عبر الدعم غير النقدي لأهداف محمد بن سلمان للترفيه المتطرف والتحول الاقتصادي، فإنها تخاطر بأن يصبح شريكًا في جولة جديدة ممكنة من المواجهات بين نظام قمعي وشعبه، وتحتاج بريطانيا إلى إعادة النظر بشكل عاجل في سياستها الخارجية في الشرق الأوسط التي ارتبطت ارتباطًا وثيقا لمدة طويلة بالأنظمة القمعية، ويمثّل محمد بن سلمان جيلًا جديدًا من المستبدين الذين تركوا الدبلوماسية والتوفيق لصالح الصدمة والرعب والخطر.